صفحة جزء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وقلت له أرأيت لو غزا نفر يسير بلاد الروم فغنموا ما يكون السهم فيه مائة ألف وغزا آخرون الترك فلم يغنموا درهما ولقوا قتالا شديدا أيجوز أن تصرف من التكثير الذي غنمه القليل بلا قتال من الروم شيئا إلى إخوانهم المسلمين الكثير الذين لقوا القتال الشديد من الترك ، ولم يغنموا شيئا ؟ قال : لا قلت ، ولم وكل يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ؟ قال : لا يغير شيء عن موضعه الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بمعنى ، ولا علة ، قلت ، وكذلك قلت في الفرائض التي أنزلها الله عز وجل ، وفيما جاء منها عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : وما ذلك ؟ قلت أرأيت لو قال لك : قد يكون ورثوا لمعنى منفعتهم للميت كانت في حياته وحفظه بعد وفاته ، ومنفعة كانت لهم ومكانهم كان منه وما يكون منهم مما يتخلى منه غيرهم فأنظر فأيهم كان أحب إليه وخيرا له في حياته وبعد وفاته وأحوج إلى تركته وأعظم مصيبة به بعد موته فأجعل لهم سهم من خالفهم هذا ممن كان يسيء إليه في حياته وإلى تركته بعد موته ، وهو غني عن ميراثه قال : ليس له ذلك بل ينفل ما جعله الله عز وجل لمن جعله قلت وقسم الغنيمة والفيء والمواريث والوصايا على الأسماء دون الحاجة ؟ قال : نعم قلت له بل قد يعطى أيضا من الفيء الغني والفقير قال : نعم قد أخذ عثمان وعبد الرحمن عطاءهما ولهما غنى مشهور فلم يمنعاه من الغنى قلت فما بال سهم ذوي القربى ، وفيه الكتاب والسنة ، وهو أثبت ممن قسم له ممن معه من اليتامى وابن السبيل وكثير مما ذكرنا ، أدخلت فيه ما لا يجوز أن يدخل في مثله أضعف منه ؟ قال : فأعاد هو وبعض من يذهب مذهبه قالوا أردنا أن يكون ثابتا عن أبي بكر وعمر قلت له أو ما يكتفى بالكتاب والسنة ؟ .

قال : بلى قلت ، فقد أعدت هذا أفرأيت إذا لم يثبت بخبر صحيح عن أبي بكر ، ولا عمر إعطاء اليتامى والمساكين وابن السبيل أطرحتهم ؟ قال : لا قلت أورأيت إذا لم يثبت عن أبي بكر أنه أعطى المبارز السلب ويثبت عن عمر أنه أعطاه أخرى وخمسه فكيف ؟ قلت فيه : وكيف استخرجت تثبيت السلب إذا ؟ قال : الإمام هو لمن قتل وليس يثبت عن أبي بكر وخالفت عمر في الكثير منه وخالفت ابن عباس ، وهو يقول السلب من الغنيمة ، وفي السلب الخمس لقول الله عز وجل { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية ، قال : إذا ثبت الشيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوهنه أن لا يثبت عمن بعده ، ولا من خالفه من بعده قلت ، وإن كان معهم التأويل ؟ قال : وإن ; لأن الحجة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له قد ثبت حكم الله عز وجل وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى بسهمهم فكيف أبطلته وقلت ، وقد قال : الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } وقال : النبي صلى الله عليه وسلم { فيما سقي بالسماء العشر } [ ص: 159 ] لم يخص مال دون مال في كتاب الله عز وجل ، ولا في هذا الحديث وقال : إبراهيم النخعي فيما أنبتت الأرض فكيف ؟ قلت ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ؟ قال : فإن أبا سعيد لو رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له هل تعلم أحدا رواه تثبت روايته غير أبي سعيد ؟ قال لا قلت أفالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى لذي القربى سهمهم أثبت رجالا وأعرف وأفضل أم من روى دون أبي سعيد عن أبي سعيد هذا الحديث ؟ قال : بل من روى منهم ذي القربى قلت ، وقد قرأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عهود : عهده لابن سعيد بن العاص على البحرين وعهده لعمرو بن حزم على نجران وعهدا ثالثا ولأبي بكر عهدا ولعمر عهودا ولعثمان عهودا فما وجدت في واحد منها قط { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } .

وقد عهدوا في العهود التي قرأت على العمال ما يحتاجون إليه من أخذ الصدقة وغيرها ، ولا وجدنا أحدا قط يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث ثابت { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } غير أبي سعيد ، ولا وجدنا أحدا قط يروي ذلك عن أبي بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي فهل وجدته ؟ قال : لا قلت أفهذا ; لأنهم يأخذون صدقات الناس من الطعام في جميع البلدان ، وفي السنة مرارا لاختلاف زروع البلدان وثمارها أولى أن يؤخذ عنهم مشهورا معروفا أم سهم ذي القربى الذي هو لنفر بعدد ، وفي وقت واحد من السنة ؟ قال : كلاهما مما كان ينبغي أن يكون مشهورا قلت أفتطرح حديث أبي سعيد { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } ; لأنه ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من وجه واحد وأن إبراهيم النخعي تأول ظاهر الكتاب وحديثا مثله ويخالفه هو ظاهر القرآن ; لأن المال يقع على ما دون خمسة أوسق وأنه غير موجود عن أبي بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي ؟ قال : لا ولكني أكتفي بالسنة من هذا كله فقلت له قال : الله عز وجل { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية .

وقد قال : ابن عباس وعائشة وعبيد بن عمير لا بأس بأكل سوى ما سمى الله عز وجل أنه حرام واحتجوا بالقرآن وهم كما تعلم في العلم والفضل وروى أبو إدريس عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع } ووافقه الزهري فيما يقول قال : كل ذي ناب من السباع حرام والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بمعنى ما أراد الله عز وجل وذكره من خالف شيئا مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس في قوله حجة ، ولو علم الذي قال قولا يخالف ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله رجع إليه ، وقد يعزب عن الطويل الصحبة السنة ويعلمها بعيد الدار قليل الصحبة وقلت له جعل أبو بكر وابن عباس وعائشة وابن الزبير وعبد الله بن أبي عتبة وغيرهم الجد أبا وتأولوا القرآن فخالفته لقول زيد وابن مسعود قال : نعم وخالفت أبا بكر في إعطاء المماليك فقلت لا يعطون قال : نعم وخالفت عمر في امرأة المفقود والبتة ، وفي التي تنكح في عدتها ، وفي أن ضعف الغرم على سراق ناقة المزني وفي أن قضى في القسامة بشطر الدية ، وفي أن جلد في التعريض الحد ، وجلد في ريح الشراب الحد ، وفي أن جلد وليدة حاطب وهي ثيب حد الزنا حد البكر ، وفي شيء كثير منه ما تخالفه لقول غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنه ما تخالفه ، ولا مخالف له منهم قال : نعم أخالفه لقول غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلت له وسعد بن عبادة قسم ماله صحيحا بين ورثته ، ثم مات فجاء أبو بكر وعمر قيسا فقالا : نرى أن تردوا عليه فقال قيس بن سعد لا أرد شيئا قضاه سعد ووهب لهم نصيبه وأنت تزعم أن ليس عليهم رد شيء أعطوه وليس لأبي بكر وعمر في هذا مخالف من أصحابهما فترد قولهما مجتمعين ، ولا مخالف لهما وترد قولهما مجتمعين في قطع يد السارق بعد يده ورجله لا مخالف لهما إلا ما لا يثبت مثله عن علي رضوان الله تعالى عليه .

( قال الشافعي ) رحمه الله [ ص: 160 ] ثم عددت عليه ثلاث عشرة قضية لعمر بن الخطاب لم يخالفه فيها غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحديث يثبت مثله نأخذ بها نحن ويدعها هو منها أن عمر قال : في التي نكحت في عدتها فأصيبت تعتد عدتين وقال : علي ومنها أن عمر قضى في الذي لا يجد ما ينفق على امرأته أن يفرق بينهما ومنها أن عمر رأى أن الأيمان في القسامة على قوم ، ثم حولها على آخرين فقال : إنما ألزمنا الله عز وجل قول رسوله صلى الله عليه وسلم وفرض علينا أن نأخذ به أفيجوز أن تخالف شيئا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو خالفه مائة وأكثر ما كانت فيهم حجة قلت ، فقد خالفت كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في سهم ذي القربى ، ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه خالفه قال : فقد روي عن ابن عباس كنا نراه لنا فأبى ذلك علينا قومنا قلت هذا كلام عربي يخرج عاما ، وهو يراد به الخاص قال : ومثل ماذا ؟ .

قلت مثل قول الله عز وجل { الذين قال لهم الناس } الآية فنحن وأنت نعلم أن لم يقل ذلك إلا بعض الناس والذين قالوه أربعة نفر وأن لم يجمع لهم الناس كلهم إنما جمعت لهم عصابة انصرفت عنهم من أحد قال : هذا كله هكذا ؟ قلت إذا لم يسم ابن عباس أحدا من قومه ألم تره كلاما من كلهم وابن عباس يراه لهم ؟ فكيف لم تحتج بأن ابن عباس لا يراه لهم إلا حقا عنده واحتججت بحرف جملة خبر فيه أن غيره قد خالفه فيه مع أن الكتاب والسنة فيه أثبت من أن يحتاج معهما إلى شيء ، قال : أفيجوز أن قول ابن عباس فأبى ذلك علينا قومنا يعني غير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قلت : نعم يجوز أن يكون عنى به يزيد بن معاوية وأهله قال : فكيف لم يعطهم عمر بن عبد العزيز سهم ذي القربى ؟ قلت فأعطى عمر بن عبد العزيز سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال : لا أراه إلا قد فعل قلت أفيجوز أن تقول أراه قد فعل في سهم ذي القربى ؟ قال : أراه ليس بيقين قلت أفتبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل حتى تتيقن أن قد أعطاهموه عمر بن عبد العزيز قال : لا قلت ، ولو قال : عمر بن عبد العزيز في سهم ذي القربى لا أعطيهموه وليس لهم كان علينا أن نعطيهموه إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطاهموه قال : نعم قلت وتخالف عمر بن عبد العزيز في حكم لو حكم به لم يخالفه فيه غيره ؟ قال : وهو رجل من التابعين لا يلزمنا قوله ، وإنما هو كأحدنا قلت فكيف احتججت بالتوهم عنه ، وهو عندك هكذا ؟ قال : فعرضت بعض ما حكيت مما كلمت به من كلمني في سهم ذي القربى على عدد من أهل العلم من أصحابنا وغيرهم فكلهم قال : إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فالفرض من الله عز وجل على خلقه اتباعه ، والحجة الثابتة فيه ومن عارضه بشيء يخالفه عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مخطئ ثم إذا كان معه كتاب الله عز وجل فذلك ألزم له وأولى أن لا يحتج أحد معه .

وسهم ذي القربى ثابت في الكتاب والسنة

التالي السابق


الخدمات العلمية