صفحة جزء
العذر بغير العارض في البدن .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى إذا كان سالم البدن قويه واجدا لما يكفيه ومن خلف يكون داخلا فيمن عليه فرض الجهاد لو لم يكن عليه دين ، ولم يكن له أبوان ، ولا واحد من أبوين يمنعه ، فلو كان عليه دين لم يكن له أن يغزو بحال إلا بإذن أهل الدين .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا كان يحجبه مع الشهادة عن الجنة الدين فبين أن لا يجوز له الجهاد وعليه دين إلا بإذن أهل الدين وسواء كان الدين لمسلم ، أو كافر ، وإذا كان يؤمر بأن يطيع أبويه أو أحدهما في ترك الغزو فبين أن لا يؤمر بطاعة أحدهما إلا والمطاع منهما مؤمن ، فإن قال قائل : كيف تقول لا تجب عليه طاعة أبويه ، ولا واحد منهما حتى يكون [ ص: 172 ] المطاع مسلما في الجهاد ، ولم تقله في الدين ؟ قيل : الدين مال لزمه لمن هو له لا يختلف فيه من وجب له من مؤمن ، ولا كافر ; لأنه يجب عليه أداؤه إلى الكافر كما يجب عليه إلى المؤمن وليس يطيع في التخلف عن الغزو صاحب الدين بحق يجب لصاحب الدين عليه إلا بماله ، فإذا برئ من ماله فأمر صاحب الدين ونهيه سواء ، ولا طاعة له عليه ; لأنه لا حق له عليه بغير المال فلما كان الخروج بغرض إهلاك ماله لديه لم يخرج إلا بإذنه ، أو بعد الخروج من دينه وللوالدين حق في أنفسهما لا يزول بحال للشفقة على الولد والرقة عليه وما يلزمه من مشاهدتهما لبرهما ، فإذا كانا على دينه فحقهما لا يزول بحال ، ولا يبرأ منه بوجه وعليه أن لا يجاهد إلا بإذنهما ، وإذا كانا على غير دينه فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما عليه في ترك الجهاد وله الجهاد ، وإن خالفهما والأغلب أن منعهما سخط لدينه ورضا لدينهما لا شفقة عليه فقط ، وقد انقطعت الولاية بينه وبينهما في الدين .

فإن قال قائل : فهل من دليل على ما وصفت ؟ قيل جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد وأبوه مجاهد النبي صلى الله عليه وسلم فلست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد عبد الله بن عبد الله بن أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه متخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد ويخذل عنه من أطاعه مع غيرهم ممن لا أشك إن شاء الله تعالى في كراهتهم لجهاد أبنائهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانوا مخالفين مجاهدين له ، أو مخذلين .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأي الأبوين أسلم كان حقا على الولد أن لا يغزو إلا بإذنه إلا أن يكون الولد يعلم من الوالد نفاقا فلا يكون له عليه طاعة في الغزو ، وإن غزا رجل وأحد أبويه ، أو هما مشركان ثم أسلما ، أو أحدهما فأمره بالرجوع فعليه الرجوع عن وجهه ما لم يصر إلى موضع لا طاقة له بالرجوع منه إلا بخوف أن يتلف وذلك أن يصير إلى بلاد العدو ، فلو فارق المسلمين لم يأمن أن يأخذه العدو ، فإذا كان هذا هكذا لم يكن له أن يرجع للتعذر في الرجوع ، وكذلك إن لم يكن صار إلى بلاد مخوفة إن فارق الجماعة فيها خاف التلف وهكذا إذا غزا ، ولا دين عليه ثم ادان فسأله صاحب الدين الرجوع .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإن سأله أبواه ، أو أحدهما الرجوع وليس عليه خوف في الطريق ، ولا له عذر فعليه أن يرجع للعذر ، وإذا قلت ليس له أن يرجع فلا أحب أن يبادر ، ولا يسرع في أوائل الخيل ، ولا الرجل ، ولا يقف الموقف الذي يقفه من يتعرض للقتل ; لأنه إذا نهيته عن الغزو لطاعة والديه ، أو لذي الدين نهيته إذا كان له العذر عن تعرض القتل وهكذا أنهاه عن تعرض القتل لو خرج وليس له أن يخرج بخلاف صاحب دينه وأحد أبويه ، أو خلاف الذي غزا وأحد أبويه وصاحب دينه كاره

التالي السابق


الخدمات العلمية