صفحة جزء
ما أحدث الذين نقضوا العهد .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وإذا وادع الإمام قوما فأغاروا على قوم موادعين ، أو أهل ذمة ، أو مسلمين فقتلوا ، أو أخذوا أموالهم قبل أن يظهروا نقض الصلح فللإمام غزوهم وقتلهم وسباؤهم ، وإذا ظهر عليهم ألزمهم بمن قتلوا وجرحوا وأخذوا ماله الحكم كما يلزم أهل الذمة من عقل وقود وضمان قال : وإن نقضوا العهد وآذنوا الإمام بحرب ، أو أظهروا نقض العهد ، وإن لم يأذنوا الإمام بحرب إلا أنهم قد أظهروا الامتناع في ناحيتهم ثم أغاروا ، أو أغير عليهم فقتلوا ، أو جرحوا وأخذوا المال حوربوا وسبوا وقتلوا ، فإن ظهر عليهم ففيها قولان : أحدهما لا يكون عليهم قود في دم ، ولا جرح وأخذ منهم ما وجد عندهم من مال بعينه ، ولم يضمنوا ما هلك من المال ومن قال : هذا قال : إنما فرقت بين هذا ، وقد حكم الله عز [ ص: 198 ] وجل بين المؤمنين بالقود وزعمت أنك تحكم بين المعاهدين به ويجري على المعاهدين ما يجري على المؤمنين . قلت استدلالا بالسنة في أهل الحرب وقياسا عليهم ثم ما لم أعلم فيه مخالفا .

فإن قال فأين ؟ قلت : قتل وحشي حمزة بن عبد المطلب يوم أحد ووحشي مشرك ، وقتل غير واحد من قريش غير واحد من المسلمين ثم أسلم بعض من قتل فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاتل منهم قودا وأحسب ذلك لقول الله عز وجل { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } يقال نزلت في المحاربين من المشركين فكان المحاربون من المشركين خارجين من هذا الحكم وما وصفت من دلالة السنة ثم أسلم طليحة وغيره ثم ارتدوا وقتل طليحة وأخوه ثابت بن أفرم وعكاشة بن محصن بعدما أظهر طليحة وأخوه الشرك فصارا من أهل الحرب والامتناع .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى { ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديين موادعين زنيا بأن جاءوه ونزل عليه { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } } فلم يجز إلا أن يحكم على كل ذمي وموادع في مال مسلم ومعاهد أصابه بما أصاب ما لم يصر إلى إظهار المحاربة ، فإذا صار إليها لم يحكم عليه بما أصاب بعد إظهارها والامتناع كما لم يحكم على من صار إلى الإسلام ثم رجع عنه بما فعل في المحاربة والامتناع مثل طليحة وأصحابه ، فإذا أصابوا وهم في دار الإسلام غير ممتنعين شيئا فيه حق لمسلم أخذ منه ، وإن امتنعوا بعده لم يزدهم الامتناع خيرا وكانوا في غير حكم الممتنعين ثم ينالون بعد الامتناع دما ومالا أولئك إنما نالوه بعد الشرك والمحاربة وهؤلاء نالوه قبل المحاربة .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى ولو أن مسلما قتل ثم ارتد وحارب ثم ظهر عليه وتاب كان عليه القود ، وكذلك ما أصاب من مال مسلم ، أو معاهد شيئا ، وكذلك ما أصاب المعاهد والموادع لمسلم ، أو غيره ممن يلزم أن يؤخذ له ، ويخالف المعاهد المسلم فيما أصاب من حدود الله عز وجل فلا تقام على المعاهدين حتى يأتوا طائعين ، أو يكون فيه سبب حق لغيرهم فيطلبه ، وهكذا حكمهما معاهدين قيل : يمتنعان ، أو ينقضان .

والقول الثاني : أن الرجل إذا أسلم ، أو القوم إذا أسلموا ثم ارتدوا وحاربوا أو امتنعوا وقتلوا ثم ظهر عليهم أقيد منهم في الدماء والجراح وضمنوا الأموال تابوا أو لم يتوبوا ، ومن قال : هذا قال ليسوا كالمحاربين من الكفار ; لأن الكفار إذا أسلموا غفر لهم ما قد سلف وهؤلاء إذا ارتدوا حبطت أعمالهم فلا تطرح عنهم الردة شيئا كان يلزمهم لو فعلوه مسلمين بحال من دم ، ولا قود ، ولا مال ، ولا حد ، ولا غيره ومن قال : هذا قال : لعله لم يكن في الردة قاتل يعرف بعينه ، أو كان فلم يثبت ذلك عليه ، أو لم يطلبه ولاة الدم .

( قال الربيع ) : وهذا عندي أشبههما بقوله عندي في موضع آخر وقال : في ذلك إن لم تزده الردة شرا لم تزده خيرا ; لأن الحدود عليهم قائمة فيما نالوه بعد الردة .

التالي السابق


الخدمات العلمية