صفحة جزء
مقام المتوفى عنها والمطلقة في بيتها ( قال الشافعي ) رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى في المطلقات { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } .

( قال ) فكانت هذه الآية في المطلقات وكانت المعتدات من الوفاة معتدات كعدة المطلقة فاحتملت أن تكون في فرض السكنى للمطلقات ومنع إخراجهن تدل على أن في مثل معناهن في السكنى ومنع الإخراج المتوفى عنهن لأنهن في معناهن في العدة .

( قال ) ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن على المتوفى عنها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله واحتمل أن يكون ذلك على المطلقات دون المتوفى عنهن فيكون على زوج المطلقة أن يسكنها لأنه مالك ماله ولا يكون على زوج المرأة المتوفى عنها سكنها لأن ماله مملوك لغيره وإنما كانت السكنى بالموت إذ لا مال له والله تعالى أعلم . أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن { الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان في طرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعيت له فقال كيف قلت ؟ قالت فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي . فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله } قالت : فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا . قالت فلما كان عثمان بن عفان رضي الله عنه أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به . قال : وبهذا نأخذ .

( قال ) وإذا طلق الرجل المرأة فلها سكناها في منزل حتى تنقضي عدتها ما كانت العدة حملا أو شهورا كان الطلاق يملك فيه الرجعة أو لا يملكها .

( قال ) وإن كان المنزل بكراء فالكراء على الزوج المطلق أو في مال الزوج الميت ولا يكون للزوج المطلق إخراج المرأة من مسكنها الذي كانت تسكن معه كان له [ ص: 243 ] المسكن أو لم يكن ، ولزوجها إذا تركها فيما يسعها من المسكن وستر بينه وبينها أن يسكن فيما سوى ما يسعها .

( قال ) وإن كان على زوجها دين لم يبع مسكنها فيما يباع من ماله حتى تنقضي عدتها .

( قال ) وهذا إذا كان قد أسكنها مسكنا له أو منزلا قد أعطى كراءه .

( قال ) وذلك أنها قد ملكت عليه سكناها فيما يكفيها طلاقها كما يملك من اكترى من رجل مسكنه سكنى مسكنه دون مالك الدار حتى ينقضي كراؤه .

( قال ) فأما إن كان أنزلها منزلا عارية أو في كراء فانقضى أو بكراء لم يدفعه وأفلس . فلأهل هذا كله أن يخرجوها منه وعليه أن يسكنها غيره إلا أن يفلس فإن أفلس ضربت مع الغرماء بأقل قيمة سكنى ما يكفيها بالغا ما بلغ واتبعته بفضله متى أيسر .

( قال ) وهكذا تضرب مع الغرماء بنفقتها حاملا وفي العدة من طلاقه .

( قال ) ولو كانت هذه المسائل كلها في موته كان القول فيها واحدا من قولين .

أحدهما : ما وصفت في الطلاق لا يخالفه . ومن قال هذا قال : وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم للفريعة " امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله " دليل على أن للمتوفى عنها السكنى .

( قال ) ويجعل لها السكنى في مال الميت بعد كفنه من رأس ماله ويمنع منزلها الذي تركها فيه أن يباع أو يقسم حتى تنقضي عدتها ويتكارى لها إن أخرجت من منزل كان بيده عارية أو بكراء . والقول الثاني : أن الاختيار لورثته أن يسكنوها وإن لم يفعلوا هذا فقد ملكوا المال دونه ولم يكن لها السكنى حين كان ميتا لا يملك شيئا ولا سكنى لها كما لا نفقة لها ومن قال هذا قال إن قول النبي صلى الله عليه وسلم امكثي في بيتك يحتمل ما لم تخرجي منه إن كان لغيرك لأنها قد وصفت أن المنزل ليس لزوجها . فإن كان لها المنزل أو للقوم فلم يخرجوها منه لم يجز أن تخرج منه حتى تنقضي عدتها .

( قال ) وإذا أسكنها ورثته فلهم أن يسكنوها حيث شاءوا لا حيث شاءت إذا كان موضعها حريزا ولم يكن لها أن تمتنع من ذلك ، وإن لم يسكنوها اعتدت حيث شاءت من المصر .

( قال ) ولو كانت تسكن في منزل لها معه فطلقها وطلبت أن تأخذ كراء مسكنها منه كان لها في ماله أن تأخذ كراء أقل ما يسعها من المسكن فقط .

( قال ) ولو كان نقلها إلى منزل غير منزله الذي كانت معه فيه ثم طلقها أو مات عنها بعد أن صارت في المنزل الذي نقلها إليه اعتدت في ذلك المنزل الذي نقلها إليه وأذن لها أن تنتقل إليه ، ولو كان أذن لها في النقلة إلى منزل بعينه أو أمرها تنتقل حيث شاءت فنقلت متاعها وخدمها ولم تنتقل ببدنها حتى مات أو طلقها اعتدت في بيتها الذي كانت فيه ولا تكون منتقلة إلا ببدنها . فإذا انتقلت ببدنها وإن لم تنتقل بمتاعها ثم طلقها أو مات عنها اعتدت في الموضع الذي انتقلت إليه بإذنه .

( قال ) سواء أذن لها في منزل بعينه أو قال لها انتقلي حيث شئت أو انتقلت بغير إذنه فأذن لها بعد في المقام في ذلك المنزل ، كل هذا في أن تعتد فيه سواء .

( قال ) ولو انتقلت بغير إذنه ثم يحدث لها إذنا حتى طلقها أو مات عنها رجعت فاعتدت في بيتها الذي كانت تسكن معه فيه . وهكذا السفر يأذن لها به فإن لم تخرج حتى يطلقها أو يتوفى عنها أقامت في منزلها ولم تخرج منه حتى تنقضي عدتها وإن أذن لها بالسفر فخرجت أو خرج بها مسافرا إلى حج أو بلد من البلدان فمات عنها أو طلقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة فسواء ولها الخيار في أن تمضي في سفرها ذاهبة أو جائية وليس عليها أن ترجع إلى بيته قبل أن ينقضي سفرها فلا تقيم في المصر الذي أذن لها في السفر إليه إلا أن يكون أذن لها في المقام فيه أو في النقلة إليه فيكون ذلك عليها إذا بلغت ذلك المصر .

وإن كان أخرجها مسافرة أقامت ما يقيم المسافر مثلها ثم رجعت فإن بقي من عدتها شيء أكملته في بيته وإن لم يبق منها شيء فقد انقضت عدتها .

( قال ) وسواء كانت قريبا من مصرها الذي خرجت منه إذا مات أو طلقها أو بعيدا وإذنه لها بالسفر وخروجها فيه كإذنه بالنقلة وانتقالها لأن نقلة المسافر هكذا . [ ص: 244 ] وإن رجعت قبل أن ينقضي سفرها اعتدت بقية عدتها في منزله ولها الرجوع لأنه لم يأذن لها بالسفر إذن مقام فيه إلا مقام مسافر ، وإن كان أذن لها بالنقلة إلى مصر أو مقام فيه فخرجت ثم مات أو بقي حيا فإذا بلغت ذلك المصر . فله - إن كان حيا ولوليه إن كان حاضرا أو وكيل له - أن ينزلها حيث يرضى من المصر حتى تنقضي عدتها ، وعليه سكناها حتى تنقضي عدتها في ذلك المصر ، وإن لم يكن حاضرا ولا وكيل له ولا وارث حاضر كان على السلطان أن يحصنها حيث ترضى لئلا يلحق بالميت أو بالمطلق ولد ليس منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية