صفحة جزء
قلت قال الله عز وجل { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وقال { ، والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } إلى قوله " إصلاحا " ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فظاهر هاتين الآيتين يدل على أن كل مطلق فله الرجعة على امرأته ما لم تنقض العدة ; لأن الآيتين في كل مطلق عامة لا خاصة على بعض المطلقين دون بعض ، وكذلك قلنا كل طلاق ابتدأه الزوج فهو يملك فيه الرجعة في العدة فإن قال لامرأته أنت طالق ملك الرجعة في العدة وإن قال لها أنت خلية ، أو برية ، أو بائن ولم يرد طلاقا فليس بطلاق وإن أراد الطلاق وأراد به واحدة فهو طلاق فيه الرجعة ، وكذلك إن قال أنت طالق ألبتة لم ينو إلا واحدة فهي واحدة ويملك الرجعة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قلت لبعض من يخالفنا أليس هكذا تقول في الرجل يقول لامرأته أنت طالق ؟ قال بلى وتقول في الخلية ، والبرية ، والبتة ، والبائنة ليست بالطلاق إلا أن يريد طلاقا ؟ قال نعم قلت ، وإذا قال طالق لزمه الطلاق وإن لم يرد به طلاقا ؟ قال نعم قلت فهذا أشد من قوله أنت خلية ، أو برية ; لأن هذا قد يكون غير طلاق عندك ولا يكون طلاقا إلا بإرادته الطلاق فإذا أراد الطلاق كان طالقا قال نعم قلت فلم زعمت أنه إن أراد بهذا طلاقا لم يكن يملك الرجعة وهذا أضعف عندك من الطلاق ; لأنه قياس على طلاق فالطلاق القوي يملك الرجعة فيه عندك والضعيف لا يملك فيه الرجعة ( قال ) : فقد روينا بعض قولنا هذا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجعلنا ما بقي قياسا عليه قلت فنحن قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعل ألبتة واحدة يملك فيه الرجعة حين حلف صاحبها أنه لم يرد إلا واحدة وروينا مثل ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ومعنا ظاهر القرآن فكيف تركته ؟ وقلت له : قال الله عز وجل { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } إلى قوله { سميع عليم } قلنا فظاهر كتاب الله تعالى يدل على معنيين .

أحدهما : أن له أربعة أشهر ومن كانت له أربعة أشهر أجلا له فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي كما لو أجلتني أربعة أشهر لم يكن لك أخذ حقك مني حتى تنقضي الأربعة الأشهر فدل على أن عليه - إذا مضت الأربعة الأشهر - واحدا من الحكمين إما أن يفيء وإما أن يطلق فقلنا بهذا وقلنا لا يلزمه طلاق بمضي أربعة أشهر حتى يحدث فيه طلاقا فزعمتم أنه إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة فلم قلتم هذا وزعمتم أنه لا فيئة له إلا في الأربعة الأشهر فما نقصتموه مما جعل الله له من الأربعة الأشهر قدر الفيئة ولم زعمتم أن الفيئة له فيما بين أن يولي إلى أن تنقضي الأربعة الأشهر وليس عليه عزيمة الطلاق إلا في الأربعة الأشهر ، وقد ذكرهما الله عز وجل معا لا فصل بينهما ولم زعمتم أن الفيئة لا تكون إلا بشيء يحدثه من جماع ، أو فيء بلسان إن لم يقدر على الجماع وأن عزيمة الطلاق هي مضي الأربعة الأشهر لا شيء يحدثه هو بلسان ولا فعل أرأيت الإيلاء طلاق هو ؟ قال لا ، قلت أفرأيت كلاما قط ليس بطلاق جاءت عليه مدة فجعلته طلاقا قال فلم قلت أنت يكون طلاقا ؟ قلت ما قلت يكون طلاقا إنما قلت إن كتاب الله عز وجل يدل أنه إذا آلى فمضت الأربعة الأشهر على أن عليه إما أن يفيء وإما أن يطلق وكلاهما شيء يحدثه [ ص: 25 ] بعد مضي الأربعة أشهر .

قال : فلم قلت إن فاء في الأربعة الأشهر فهو فائي قلت أرأيت لو كان علي دين إلى أجل فعجلته قبل محله ألم أكن محسنا ويكون قاضيا عني ؟ قال بلى : قلت فكذلك الرجل يفيء في الأربعة الأشهر فهو معجل ماله فيه مهل قال فلسنا نحاجك في هذا ولكنا اتبعنا فيه قول عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود .

قلنا أما ابن عباس فإنك تخالفه في الإيلاء قال ومن أين ؟ قلت أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي يحيى الأعرج عن ابن عباس أنه قال المولي الذي يحلف أن لا يقرب امرأته أبدا وأنت تقول المولى من حلف على أربعة أشهر فصاعدا ، فأما ما رويت منه عن ابن مسعود فمرسل وحديث علي بن بذيمة لا يسنده غيره علمته ، ولو كان هذا ثابتا عنه فكنت إنما بقوله اعتللت لكان بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى أن يؤخذ بقولهم من واحد ، أو اثنين قال فمن أين لكم بضعة عشر ؟ قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال : أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يوقف المولي ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأقل بضعة عشر أن يكونوا ثلاثة عشر وهو يقول من الأنصار وعثمان بن عفان وعلي وعائشة وابن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم كلهم يقول يوقف المولي فإن كنت ذهبت إلى الكثرة ، فمن قال يوقف أكثر وظاهر القرآن معهم ، وقد قال عز وجل { والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا } إلى قوله { ستين مسكينا } وقلنا لا يجزيه إلا رقبة مؤمنة ولا يجزيه إلا أن يطعم ستين مسكينا ، والإطعام قبل أن يتماسا فقال يجزيه رقبة غير مؤمنة فقلت له أذهبت في هذا القول إلى خبر عن أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ، ولكن إذا سكت الله عن ذكر المؤمنة في العتق فقال رقبة ولم يقل مؤمنة كما قال في القتل دل ذلك على أنه لو أراد المؤمنة ذكرها قلت له ، أو ما يكتفي إذا ذكر الله عز وجل الكفارة في العتق في موضع فقال { رقبة مؤمنة } ، ثم ذكر كفارة مثلها فقال رقبة بأن تعلم أن الكفارة لا تكون إلا مؤمنة فقال هل تجد شيئا يدلك على هذا ؟ قلت نعم : قال وأين هو ؟ قلت قول الله عز وجل { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقوله { حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم } فشرط العدل في هاتين الآيتين وقال { وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد } وقال في القاذف { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء } وقال { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت } لم يذكر ها هنا عدلا ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قلت له أرأيت لو قال لك قائل أجيز في البيع ، والقذف وشهود الزنا غير العدل كما قلت في العتق لأني لم أجد في التنزيل شرط العدل كما وجدته في غير هذه الأحكام قال ليس ذلك له قد يكتفي بقول الله عز وجل { ذوي عدل منكم } فإذا ذكر الشهود فلا يقبلون إلا ذوي عدل وإن سكت عن ذكر العدل فاجتماعهما في أنهما شهادة يدل على أن لا يقبل فيها إلا العدل قلت هذا كما قلت فلم لم تقل بهذا ؟ فتقول .

إذا ذكر الله رقبة في الكفارة فقال مؤمنة ، ثم ذكر رقبة أخرى في الكفارة فهي مؤمنة ; لأنهما مجتمعان في أنهما كفارتان فإن لم يكن لنا عليك بهذا حجة فليست على أحد لو خالفه فقال الشهود في البيع ، والقذف والزنا يقبلون غير عدول ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإنما رأينا فرض الله عز وجل على المسلمين في أموالهم مدفوعا إلى مسلمين فكيف يخرج رجل من ماله فرضا عليه فيعتق به ذميا وقلنا له زعمت أن رجلا لو كفر بإطعام ، فأطعم مسكينا عشرين ومائة مد في أقل من ستين يوما لم يجزه وإن أطعمه إياه في ستين يوما أجزأه أما يدلك فرض الله عز ذكره بإطعام ستين مسكينا على أن كل واحد منهم غير الآخر وإنما ، أوجبه الله تعالى لستين متفرقين فكيف قلت يجزيه أن يطعمه مسكينا يفرقه عليه في ستين [ ص: 26 ] يوما ولم يجز له أن يطعم تسعة وخمسين في يوم طعام ستين أرأيت رجلا وجبت عليه ستون درهما لستين رجلا أيجزيه أن يؤدي الستين إلى واحد ، أو إلى تسعة وخمسين قال لا ، والفرض عليه أن يؤدي إلى كل واحد منهم حقه قلنا فقد ، أوجب الله عز وجل لستين مسكينا طعاما فزعمت أنه إن أعطاه واحدا منهم أجزأ عنه أرأيت لو قال لك قائل قد قال الله عز وجل { وأشهدوا ذوي عدل منكم } أتقول إنه أراد أن يشهد للطالب بحقه فشرط عدد من يشهد له والشهادة ، أو إنما أراد الشهادة قال أراد عدد الشهود وشهادة ذوي عدل منكم اثنان .

قلت ، ولو شهد له بحقه واحد اليوم ، ثم شهد له غدا أيجزيه من شاهدين ؟ قال لا ; لأن هذا واحد وهذه شهادة واحدة قلنا فالمسكين إذا رددت عليه الطعام لم يخرج من أن يكون واحدا لا ستين قلنا فقد سمى ستين مسكينا فجعلت طعامهم لواحد وقلت إذا جاء بالطعام أجزأه وسمى شاهدين فجاء شاهد منهما مرتين فقلت لا يجزئ فما الفرق بينهما ؟ فرجع بعضهم إلى ما قلنا في هذا وفي أن لا تجزئ الكفارة إلا مؤمنة قال الله عز وجل { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } إلى قوله { أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين } ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : فبين - والله أعلم - في كتاب الله عز وجل أن كل زوج يلاعن زوجته ; لأن الله عز وجل ذكر الزوجين مطلقين لم يخص أحدا من الأزواج دون غيره ولم تدل سنة ولا أثر ولا إجماع من أهل العلم على أن ما أريد بهذه الآية بعض الأزواج دون بعض ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : إن التعن الزوج ولم تلتعن المرأة حدت إذا أبت أن تلتعن لقول الله عز وجل { ويدرأ عنها العذاب أن تشهد } فقد أخبر والله أعلم أن العذاب كان عليها إلا أن تدرأه باللعان وهذا ظاهر حكم الله عز وجل .

( قال ) : فخالفنا في هذا بعض الناس فقال لا يلاعن إلا حران مسلمان ليس منهما محدود في قذف فقلت له : وكيف خالفت ظاهر القرآن ؟ قال روينا عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أربعة لا لعان بينهم } فقلت له : إن كانت رواية عمرو بن شعيب مما يثبت فقد روى لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمين مع الشاهد ، والقسامة وعدد أحكام غير قليلة فقلنا بها وخالفت وزعمت أن لا تثبت روايته فكيف تحتج مرة بروايته على ظاهر القرآن وتدعها لضعفه مرة ؟ إما أن يكون ضعيفا كما قلت فلا ينبغي أن تحتج به في شيء .

وإما أن يكون قويا فاتبع ما رواه مما قلنا به وخالفته .

وقلت له أنت أيضا قد خالفت ما رويت عن عمرو بن شعيب قال وأين ؟ قلت إن كان ظاهر القرآن عاما على الأزواج ، ثم ذكر عمرو { أربعة لا لعان بينهم } فكان يلزمك أن تخرج الأربعة من اللعان ، ثم تقول يلاعن غير الأربعة ; لأن قوله { أربعة لا لعان بينهم } يدل على أن اللعان بين غير الأربعة فليس في حديث عمرو لا يلاعن المحدود في القذف .

قال أجل ولكنا قلنا به من قبل أن اللعان شهادة ; لأن الله عز وجل سماه شهادة .

فقلت له إنما معناها معنى اليمين ولكن لسان العرب واسع .

قال وما يدل على ذلك ؟ قلت أرأيت لو كانت شهادة أتجوز شهادة المرء لنفسه ؟ قال : لا قلت : أفتكون شهادته أربع مرات إلا كشهادته مرة واحدة ؟ قال : لا .

قلت : أفيحلف الشاهد ؟ قال : لا قلت فهذا كله في اللعان .

قلت أفرأيت لو قامت مقام الشهادة ألا تحد المرأة ؟ قال : بلى قلت أرأيت لو كانت شهادة أتجوز شهادة النساء في حد ؟ قال لا قلت ، ولو جازت كانت شهادتها نصف شهادة ؟ قال نعم قلت فالتعنت ثمان مرات ، قال نعم قلت [ ص: 27 ] أفتبين لك أنها ليست بشهادة قال ما هي بشهادة قلت ولم قلت هي شهادة على معنى الشهادات مرة وأبيتها أخرى فإذا قلت هي شهادة فلم لا تلاعن بين الذميين وشهادتهما عندك جائزة كان هذا يلزمك وكيف لاعنت بين الفاسقين اللذين لا شهادة ؟ لهما قال ; لأنهما إذا تابا قبلت شهادتهما .

فقلت له ، ولو قالا قد تبنا أتقبل شهادتهما دون اختبارهما في مدة تطول قال لا : قلت أفرأيت العبدين المسلمين العدلين الأمينين إذا أبيت اللعان بينهما في حال عبودية لا تجوز شهادتهما لو عتقا من ساعتهما أتجوز شهادتهما قال نعم قلت أهما أقرب إلى جواز الشهادة ; لأنك لا تختبرهما يكفيك أنهما الخبرة لهما في العبودية أم الفاسقان اللذان لا تجيز شهادتهما ؟ حتى تختبرهما ؟ قال ، بل هما قلت فلم أبيت اللعان بينهما وهما أقرب من العدل إذا تحولت حالهما ولاعنت بين الفاسقين اللذين هما أبعد من العدل ولم أبيت اللعان بين الذميين وأنت تجيز شهادتهما في الحال التي يقذف فيها الزوج ؟ وقلت له أرأيت أعميين بحقين خلقا كذلك يقذف المرأة وفي الأعميين علتان إحداهما لا يريان الزنا ، والأخرى أنك لا تجيز شهادتهما بحال أبدا ولا يتحولان عندك أن تجوز شهادة واحد منهما أبدا كيف لاعنت بينهما وفيهما ما وصفت من القاذف الذي لا تجوز شهادته أبدا وفيهما أكثر من ذلك أن الرجل القاذف لا يرى زنا امرأته ؟ قال فظاهر القرآن أنهما زوجان قلنا فهذه الحجة عليك والذي أبيت قبوله منا أن اللعان بين كل زوجين وقال الله عز وجل في قذفه المحصنات { فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا } .

وقلنا إذا تاب القاذف قبلت شهادته ، وذلك بين في كتاب الله عز وجل ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا سفيان بن عيينة قال سمعت الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز . لأشهد أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك ، أو إن تبت قبلت شهادتك قال وسمعت سفيان يحدث به هكذا مرارا ، ثم سمعته يقول شككت فيه قال سفيان أشهد لأخبرني ، ثم سمى رجلا فذهب على حفظ اسمه فسألت فقال لي عمر بن قيس هو سعيد بن المسيب ، وكان سفيان لا يشك أنه ابن المسيب ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وغيره يرويه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عمر قال سفيان أخبرني الزهري فلما قمت سألت فقال لي عمر بن قيس وحضر المجلس معي هو سعيد بن المسيب قلت لسفيان أشككت حين أخبرك أنه سعيد ؟ قال لا هو كما قال غير أنه قد كان دخلني الشك .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى وأخبرني من أثق به من أهل المدينة عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن عمر لما جلد الثلاثة استتابهم فرجع اثنان فقبل شهادتهما وأبى أبو بكرة أن يرجع فرد شهادته .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأخبرنا إسماعيل ابن علية عن ابن أبي نجيح في القاذف إذا تاب تقبل شهادته قال وكلنا نقوله عطاء وطاوس ومجاهد وقال بعض الناس لا تجوز شهادة المحدود في القذف أبدا قلت أفرأيت القاذف إذا لم يحد حدا تاما أتجوز شهادته إذا تاب ؟ قال نعم قلت له ولا أعلمك إلا دخل عليك خلاف القرآن من موضعين أحدهما أن الله عز وجل أمر بجلده وأن لا تقبل شهادته فزعمت أنه إن لم يجلد قبلت شهادته قال فإنه عندي إنما ترد شهادته إذا جلد قلت أفتجد ذلك في ظاهر القرآن أم في خبر ثابت ؟ قال أما في خبر فلا ، وأما في ظاهر القرآن فإن الله عز وجل يقول { فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } قلت أفبالقذف قال الله عز وجل { ولا تقبلوا [ ص: 28 ] لهم شهادة أبدا } أم بالجلد ؟ قال بالجلد قال بالجلد عندي قلت وكيف كان ذلك عندك ، والجلد إنما وجب بالقذف .

، وكذلك ينبغي أن تقول في رد الشهادة أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال إن الله عز وجل قال في القاتل خطأ { فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } فتحرير الرقبة لله والدية لأهل المقتول ولا يجب الذي للآدميين وهو الدية حتى يؤدي الذي لله عز وجل كما قلت لا يجب أن ترد الشهادة وردها عن الآدميين حتى يؤخذ الحد الذي لله عز وجل ما تقول له ؟ قال أقول ليس هذا كما قلت : وإذا ، أوجب الله عز وعلا على آدمي شيئين فكان أحدهما للآدميين أخذ منه ، وكان الآخر لله عز وجل فينبغي أن يؤخذ منه ، أو يؤديه فإن لم يؤخذ منه ولم يؤده لم يسقط ذلك عنه حق الآدميين الذي ، أوجبه الله عز وجل عليه قلت له فلم زعمت أن القاذف إذا لم يجلد الحد وجلد بعضه فلم يتم بعضه أن شهادته مقبولة ، وقد ، أوجب الله تبارك وتعالى في ذلك الحد ورد الشهادة ؟ فما علمته رد حرفا إلا أن قال هكذا قال أصحابنا .

فقلت له هذا الذي عبت على غيرك أن يقبل من أصحابه وإن سبقوه إلى العلم وكانوا عنده ثقة مأمونين فقلت لا نقبل إلا ما جاء فيه كتاب ، أو سنة ، أو أثر ، أو أمر أجمع عليه الناس ، ثم قلت فيما أرى خلاف ظاهر الكتاب وقلت له إذ قال الله عز وجل { إلا الذين تابوا } فكيف جاز لك ، أو لأحد إن تكلف من العلم شيئا أن يقول لا أقبل شهادة القاذف وإن تاب ومن قولك وقول أهل العلم لو قال رجل لرجل والله لا أكلمك أبدا ولا أعطيك درهما ولا آتي منزل فلان ولا أعتق عبدي فلانا ولا أطلق امرأتي فلانة إن شاء الله إن الاستثناء واقع على جميع الكلام أوله وآخره .

فكيف زعمت أن الاستثناء لا يقع على القاذف إلا على أن يطرح عنه اسم الفسق فقط ؟ فقال قاله شريح فقلنا فعمر أولى أن يقبل قوله من شريح وأهل دار السنة وحرم الله أولى أن يكونوا أعلم بكتاب الله وبلسان العرب ; لأنه بلسانهم نزل القرآن قال فقول أبي بكرة استشهدوا غيري فإن المسلمين فسقوني فقلت له قلما رأيتك تحتج بشيء إلا وهو عليك قال وما ذاك ؟ قلت احتججت بقول أبي بكرة استشهدوا غيري فإن المسلمين فسقوني فإن زعمت أن أبا بكرة تاب فقد ذكر أن المسلمين لم يزيلوا عنه الاسم وأنت تزعم أن في كتاب الله عز وجل أن يزال عنه إذا تاب اسم الفسق ولا تجيز شهادته وقول أبي بكرة إن كان قاله أنهم لم يزيلوا عنه الاسم يدل على أنهم ألزموه الاسم مع تركهم قبول شهادته قال فهكذا احتج أصحابنا قلت أفتقبل عمن هو أشد تقدما في الدرك والسن ، والفضل من صاحبك أن تحتج بما إذا كشف كان عليك وبما ظاهر القرآن خلافه ؟ قال لا قلت فصاحبك أولى أن يرد هذا عليه وقلت له أتقبل شهادة من تاب من كفر ومن تاب من قتل ومن تاب من خمر ومن زنا ؟ قال نعم قلت ، والقاذف شر أم هؤلاء ؟ قال ، بل أكثر هؤلاء أعظم ذنبا منه قلت فلم قبلت من التائب من الأعظم وأبيت القبول من التائب مما هو أصغر منه ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية