صفحة جزء
باب صلاة المسافر .

( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى قال : الله عز وجل { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } الآية ، قال : فكان بينا في كتاب الله تعالى أن قصر الصلاة في الضرب في الأرض والخوف تخفيف من الله عز وجل عن خلقه لا أن فرضا عليهم أن يقصروا كما كان قوله { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ، أو تفرضوا لهن فريضة } رخصة لا أن حتما عليهم أن يطلقوهن في هذه الحال وكما كان قوله { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } يريد والله تعالى أعلم أن تتجروا في الحج لا أن حتما عليهم أن يتجروا وكما كان قوله { فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن } وكما كان قوله { ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم } الآية لا أن [ ص: 208 ] حتما عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ولا بيوت غيرهم .

( قال : الشافعي ) : والقصر في الخوف والسفر بالكتاب ، ثم بالسنة والقصر في السفر بلا خوف سنة والكتاب يدل على أن القصر في السفر بلا خوف رخصة من الله عز وجل لا أن حتما عليهم أن يقصروا كما كان ذلك في الخوف والسفر أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن باباه عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب إنما قال : الله عز وجل { أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } فقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم " فقال { صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته } أخبرنا إبراهيم بن محمد عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن عائشة قالت كل ذلك { قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في السفر وأتم } أخبرنا إبراهيم عن ابن حرملة عن ابن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة وأفطروا ، أو قال : لم يصوموا } ( قال ) : فالاختيار والذي أفعل مسافرا وأحب أن يفعل قصر الصلاة في الخوف والسفر وفي السفر بلا خوف ومن أتم الصلاة فيهما لم تفسد عليه صلاته جلس في مثنى قدر التشهد ، أو لم يجلس وأكره ترك القصر وأنهى عنه إذا كان رغبة عن السنة فيه وأكره ترك المسح على الخفين رغبة عن السنة فيه ومن ترك المسح على الخفين غير رغبة عن السنة لم أكره له ذلك .

( قال ) : ولا اختلاف أن القصر إنما هو في ثلاث صلوات : الظهر ، والعصر ، والعشاء وذلك أنهن أربع فيصليهن ركعتين ولا قصر في المغرب ولا الصبح ومن سعة لسان العرب أن يكون أريد بالقصر بعض الصلاة دون بعض وإن كان مخرج الكلام فيها عاما فإن قال : قائل : قد كره بعض الناس أن أتم بعض أمرائهم بمنى قيل الكراهية وجهان فإن كانوا كرهوا ذلك اختيارا للقصر ; لأنه السنة فكذلك نقول ونختار السنة في القصر وإن كرهوا ذلك أن قاصرا قصر ; لأنه لا يرى القصر إلا في خوف وقد قصر النبي صلى الله عليه وسلم في غير خوف فهكذا قلنا نكره ترك شيء من السنن رغبة عنها ولا يجوز أن يكون أحد ممن مضى - والله تعالى أعلم - كره ذلك إلا أن يترك رغبة عنه فإن قيل : فما دل على ذلك ؟ قيل : صلاتهم مع من أتم أربعا وإذا صلوا وحدانا صلوا ركعتين وأن ابن مسعود ذكر إتمام الصلاة بمنى في منزله وعابه ، ثم قام فصلى أربعا فقيل له في ذلك فقال : الخلاف شر ولو كان فرض الصلاة في السفر ركعتين لم يتمها إن - شاء الله تعالى - منهم أحد ولم يتمها ابن مسعود في منزله ولكنه كما وصفت ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم فإن قال : فقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فرضت الصلاة ركعتين قيل له : قد أتمت عائشة في السفر بعد ما كانت تقصر فإن قال قائل : فما وجه قولها ؟ قيل له تقول فرضت لمن أراد من المسافرين وقد ذهب بعض أهل هذا الكلام إلى غير هذا المعنى فقال : إذا فرضت ركعتين في السفر وأذن الله تعالى بالقصر في الخوف فصلاة الخوف ركعة فإن قال : فما الحجة عليهم وعلى أحد إن تأول قولها غير ما قلت ؟ قلنا ما لا حجة في شيء معه بما ذكرنا من الكتاب ثم السنة ، ثم إجماع العامة على أن صلاة المسافرين أربع مع الإمام المقيم ولو كان فرض صلاتهم ركعتين ما جاز لهم أن يصلوها أربعا مع مقيم ولا غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية