صفحة جزء
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في الرجل يأخذ العلف فيفضل معه شيء بعدما يخرج إلى بلاد الإسلام فإن كانت الغنيمة لم تقسم أعاده فيها وإن كانت قد قسمت باعه فتصدق بثمنه وقال الأوزاعي كان المسلمون يخرجون من أرض الحرب بفضل العلف والطعام إلى دار الإسلام ويقدمون به على أهليهم وبالقديد ويهدي بعض إلى بعض لا ينكره إمام ولا يعيبه عالم وإن كان أحد منهم باع شيئا منه قبل أن تقسم الغنائم ألقى ثمنه في الغنيمة وإن باعه بعد القسمة يتصدق به عن ذلك الجيش . وقال أبو يوسف أبا عمرو ما أشد اختلاف قولك تشدد فيما احتاج المسلمون إليه في دار الحرب من السلاح والدواب والثياب إذا كان من الغنيمة وتنهى عن السلاح إلا في معمعة القتال وترخص في أن يخرج بالطعام والعلف من الغنيمة إلى دار الإسلام ثم يهديه إلى صاحبه هذا مختلف فكيف ضاق الأول مع حاجة المسلمين إليه واتسع هذا لهم وهم في بيوتهم والقليل من هذا والكثير مكروه ينهى عنه أشد النهي ؟ بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يحل لي من فيئكم ولا هذه وأخذ وبرة من سنام بعير إلا الخمس والخمس مردود فيكم فأدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار وشنار على أهله يوم القيامة } فقام إليه رجل بكبة من شعر فقال : هب هذا إلي أخيط برذعة بعير لي أدبر فقال أما نصيبي منه فهو لك فقال إذا بلغت هذا فلا حاجة لي فيها . وقد بلغنا نحو من هذا من الآثار والسنة المحفوظة المعروفة وكيف يرخص أبو عمرو في الطعام والعلف ينتفع به .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : أما قول أبي يوسف يضيق أبو عمرو في السلاح ويوسع في الطعام فإن أبا عمرو لم يأخذ الفرق بين السلاح والطعام من رأيه فيما نرى والله تعالى أعلم ، إنما أخذه من السنة وما لا اختلاف فيه من جواز الطعام في بلاد العدو أن يأكله غنيا كان أو فقيرا وليس لأحد قدر على سلاح وكراع غنى عنه أن يركب ولا يتسلح السلاح وبكل هذين مضت السنة وعليه الإجماع فإن الذي قال [ ص: 365 ] الأوزاعي أن يتصرف بفضل الطعام للقياس إذا كان يأخذ الطعام في بلاد العدو فيكون له دون غيره من الجيش ففضل منه شيء إنما فضل من شيء قد كان له دون غيره والله أعلم . ولو لم يجز له أن يحبس ذلك بعد خروجه من بلاد العدو لم يخرجه منه إلا أداؤه إلى المغنم لأنه للجيش كلهم ولأهل الخمس لا يخرجه منه التصدق به لأنه تصدق بمال غيره فإن قال لا أجد أهل الجيش ووجد أمير الجيش أو الخليفة أداه إلى أيهما شاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية