صفحة جزء
[ ص: 16 ] أحكام التدبير

بسم الله الرحمن الرحيم . أخبرنا الربيع بن سليمان : قال أخبرنا الشافعي رضي الله تعالى عنه ; قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول { إن أبا مذكور رجلا من بني عذرة كان له غلام قبطي فأعتقه عن دبر منه ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بذلك العبد فباع العبد ، وقال : إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه ، فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول ، ثم إن وجد بعد ذلك فضلا فليتصدق على غيرهم } وقد زاد مسلم في الحديث شيئا هو نحو من سياق حديث الليث بن سعد ( قال الشافعي ) : أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد وحماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : { أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ألك مال غيره ؟ فقال : لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يشتريه مني ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم فجاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه ، ثم قال : ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل عن نفسك شيء فلأهلك . فإن فضل شيء فلذوي قرابتك ، فإن فضل عن ذوي قرابتك شيء فهكذا وهكذا } يريد عن يمينك وشمالك ( قال الشافعي ) : قول جابر والله أعلم رجلا من بني عذرة يعني حلفاء ، أو جيرانا في عدادهم في الأنصار وقال مرة رجلا منا يعني بالحلف وهو أيضا منهم بالنسب ونسبه أخرى إلى قبيلة كما سماه مرة ولم يسمه أخرى ( قال الشافعي ) : أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله { أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر ولم يكن له مال غيره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يشتريه مني ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم ، وأعطاه الثمن } ( قال الشافعي ) : أخبرنا يحيى بن حسان عن حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث حماد بن زيد ( قال الشافعي ) : أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وعن أبي الزبير سمعا جابر بن عبد الله يقول : { دبر رجل منا غلاما له ليس له مال غيره فقال : النبي صلى الله عليه وسلم من يشتريه مني ؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله النحام قال عمرو وسمعت جابرا يقول : عبدا قبطيا مات عام أول في إمارة ابن الزبير ، وزاد أبو الزبير يقال له : يعقوب } ( قال الشافعي ) : هكذا سمعت منه عامة دهري ، ثم وجدت في كتابي : دبر رجل منا غلاما له ، فمات ، فإما أن يكون خطأ من كتابي ، أو خطأ من سفيان فإن كان من سفيان فابن جريج أحفظ لحديث أبي الزبير من سفيان ومع ابن جريج حديث الليث وغيره وأبو الزبير يحد الحديث تحديدا يخبر فيه حياة الذي دبره وحماد بن زيد مع حماد بن سلمة وغيره أحفظ لحديث عمرو من سفيان وحده .

وقد يستدل على حفظ الحديث من خطئه بأقل مما وجدت في حديث ابن جريج والليث عن أبي الزبير وفي حديث حماد بن زيد عن عمرو بن دينار وغير حماد يرويه عن عمرو كما رواه حماد بن زيد ، وقد أخبرني غير واحد ممن لقي سفيان قديما أنه لم يكن يدخل في حديثه مات ، وعجب بعضهم حين أخبرته أني وجدت في كتابي مات ، فقال : لعل هذا خطأ منه ، أو زلة منه حفظتها عنه ( قال الشافعي ) : وإذا باع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدبرا ولم يذكر فيه دينا ولا حاجة ; لأن صاحبه قد لا يكون له مال غيره ولا يحتاج إلى ثمنه ، فالمدبر ومن لم يدبر من العبيد سواء يجوز بيعهم متى شاء مالكهم وفي كل حق لزم مالكهم .

[ ص: 17 ] يجوز بيعهم متى شاء مالكهم ، وفي كل ما يباع فيه مال سيدهم إذا لم يوجد له وفاء إلا ببيعهم ، وذلك أن التدبير لا يعدو ما وصفنا من أن لا يكون حائلا دون البيع فقد جاءت بذلك دلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يكون حائلا فنحن لا نبيع المكاتب في دين سيده للحائل من الكتابة ، فقد يؤول إلى أن يكون عبدا إذا عجز ، فإذا منعناه ، وقد يؤول إلى أن يكون عبدا يباع إذا عجز من البيع وبعنا المدبر ، فذلك دلالة على أن التدبير وصية كما وصفنا .

( قال الشافعي ) : ومن لم يبع أم الولد لم يبعها بحال وأعتقها بعد موت السيد فارغة من المال وكل ، هذا يدل على أن التدبير وصية ( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه باع مدبرا احتاج صاحبه إلى ثمنه } ( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقة عن معمر عن عمرو بن مسلم عن طاوس قال يعود الرجل في مدبره ، أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال المدبر وصية يرجع صاحبه فيه متى شاء ( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقة عن معمر عن ابن طاوس قال : سألني ابن المنكدر : كيف كان أبوك يقول في المدبر أيبيعه صاحبه ؟ قال : قلت : كان يقول : يبيعه إذا احتاج صاحبه إلى ثمنه فقال ابن المنكدر ويبيعه وإن لم يحتج إليه ( قال الشافعي ) : أخبرنا الثقة عن معمر عن أيوب بن أبي تميمة أن عمر بن عبد العزيز باع مدبرا في دين صاحبه ( قال الشافعي ) : ولا أعلم بين الناس اختلافا في أن تدبير العبد أن يقول له سيده صحيحا ، أو مريضا : أنت مدبر ، وكذلك إن قال له : أنت مدبر وقال : أردت عتقه بكل حال بعد موتي ، أو أنت عتيقي ، أو أنت محرر ، أو أنت حر إذا مت ، أو متى مت ، أو بعد موتي ، أو ما أشبه هذا من الكلام فهذا كله تدبير .

وسواء عندي قال : أنت حر بعد موتي ، أو متى مت إن لم أحدث فيك حدثا ، أو ترك استثناء أن يحدث فيه حدثا ; لأن له أن يحدث فيه نقض التدبير ( قال الشافعي ) : وإذا قال الرجل لعبده : أنت حر إذا مضت سنة ، أو سنتان ، أو شهر كذا أو سنة كذا ، أو يوم كذا ، فجاء ذلك الوقت ، وهو في ملكه ، فهو حر ، وله أن يرجع في هذا كله بأن يخرجه من ملكه ببيع ، أو هبة ، أو غيرهما كما رجع في بيعه وإن لم يرجع فيه إن كان قال : هذا لأمة فالقول فيها قولان : أحدهما ، أن كل شيء كائن لا يختلف بحال فهو كالتدبير وولدها فيه كولد المدبرة ، وحالها حال المدبرة في كل شيء إلا أنها تعتق من رأس المال ، وهذا قول يحتمل القياس وبه نقول ، ويحتمل أن يقال ويعتق ولد المدبرة وولد هذه بعتقها ، والقول الثاني أنها تخالف المدبرة لا يكون ولدها بمنزلتها تعتق هي دون ولدها الذين ولدوا بعد هذا القول .

( قال الشافعي ) : ولو قال في صحته لعبده أو لأمته متى ما قدم فلان فأنت حر ، أو متى ما برئ فلان فأنت حر ، فله الرجوع بأن يبيعه قبل مقدم فلان ، أو برء فلان وإن قدم فلان أو برئ فلان قبل أن يرجع عتق عليه من رأس ماله إذا كان قدم فلان ، أو كان الذي أوقع العتق عليه والقائل مالك حي مريضا كان أو صحيحا ; لأنه لم يحدث في المرض شيئا ، وهذا موضع يوافقنا فيه جميع من خالفنا من الناس في أن يجعل له الرجوع قبل أن يقدم فلان أو يبرأ فلان ، وإذا سئلوا عن الحجة قالوا : إن هذا قد يكون ولا يكون : فليس كما هو كائن فقيل لهم : أوليس إنما يعتق المدبر والمعتق إلى سنة إذا كان العبد المعتق حيا والسيد ميتا ، وقد مضت السنة ؟ ، أوليس قد يموت هو قبل يموت السيد ، وتكون السنة وليس له يقين حكم يعتق به ؟ وقد يفقد سيد المدبر فلا يعرف موته ولا يعتق ، وقد يمكن أن يكون قد مات ولكن لم يستيقن معرفته إنما يعتق باليقين ( قال الشافعي ) : ولا أعلم بين ولد الأمة يقال لها إذا قدم فلان فأنت حرة وبين ولد المدبرة والمعتقة إلى سنة فرقا يبين ، بل القياس أن يكونوا في حال واحدة ، ولو قال : إذا قدم فلان فأنت حر ، متى مت ، أو إذا جاءت السنة فأنت حر ، متى مت فمات كان مدبرا في ذلك الوقت ولو قال : أنت حر إن مت من مرضي هذا ، أو في سفري هذا ، أو في عامي . [ ص: 18 ] هذا ، فليس هذا بتدبير .

( قال الشافعي ) : وإذا صح ، ثم مات من غير مرضه ذلك لم يكن حرا ، والتدبير ما أثبت السيد التدبير فيه للمدبر ( قال الشافعي ) : وإذا قال لعبده : أنت حر بعد موتي بعشر سنين ، فهو حر في ذلك الوقت من الثلث ، وإن كانت أمة فولدها بمنزلتها يعتقون بعتقها إذا عتقت ، وهذه أقوى عتقا من المدبرة ; لأن هذه لا يرجع فيها إذا مات سيدها وما كان سيدها حيا فهي بمنزلة المدبرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية