صفحة جزء
( باب خروج النساء إلى المساجد )

حدثنا الربيع قال ( قال الشافعي ) أخبرنا بعض أهل العلم عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي قال { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وإذا خرجن فليخرجن تفلات } قال الربيع يعني لا يتطيبن .

أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله قال { إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها } .

( قال الشافعي ) وهذا حديث كلمنا فيه جماعة من الناس بكلام قد جهدت على تقصي ما كلموني فيه فكان مما قالوا أو بعضهم ظاهر قول رسول الله النهي عن منع إماء الله مساجد الله والنهي عندك عن النبي تحريم إلا بدلالة عن رسول الله أنه أراد به غير التحريم وهو عام على مساجد الله والعام عندك على عمومه إلا بدلالة عن النبي أو عن جماعة لا يمكن فيهم جهل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خاص فما تقول في هذا الحديث ؟ أهو عام فيكون تحريم أن يمنع أحد إماء الله مساجد الله بحال أو خاص فيكون لهم منعهن بعض المساجد دون بعض فإنه لا يحتمل إلا واحدا من معنيين ؟ قلت : بل خاص عندي ، والله أعلم قال ما دل على أنه خاص عندك ؟ قلت الأخبار الثابتة عن النبي بما لا أعلم فيه مخالفا قال فاذكر ما جاء عن النبي من الدليل على ما وصفت قلت . أخبرنا مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم } حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس قال سمعت رسول الله يخطب يقول { لا يخلون رجل بامرأة ولا يحل لامرأة أن تسافر إلا ومعها ذو محرم فقام رجل فقال : يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي انطلقت حاجة قال فانطلق فاحجج بامرأتك } قال فقلت أفترى أن فرضا على قيمها أن يمنعها أكبر مساجد الله لأن أكبرها أوجبها ومن كل سفر ؟ قال : " نعم " قلت فمن أين قلته قال قلته بالخبر عن رسول الله لأن سفرها مع ذي محرم معصية وفرض الله أن تمنع المعصية قلت فقد زعمت أن فرض الله ، والخبر عن رسول الله أن تمنع أكبر مساجد الله قال ما أجد من هذا بدا ، وقال غيره أنا أكلمك بغير ما كلمك به فأقول ليس لقيمها أن يمنعها أن تسافر إلى مسجد قلت ولا يمنعها الوالي ولا زوجها ولا وليها من كان قال لا قلت فقد أمرت بأن لا تمنع المعصية بالسفر . قال : فإن قلت : فعلى ذي محرمها أن يسافر معها ; لأن في تركه السفر معها ما يوجب على الوالي منعها من السفر بلا محرم قلت فإن قيمها أخاها وهو موسر على من النفقة في السفر أعليها أو على أخيها ؟ قال فإن قلت عليه نفقته وعليها نفقتها قلت فقد جعلت لها أن تكلفه إخراج شيء من ماله وأنت لا تجعل عليه أن ينفق عليها موسرة ولا معسرة صحيحة وتكلفها المسألة فأي الأمرين كان ألزم لك أن ينفق عليها معسرة صحيحة شريفة تستحيي من المسألة خمسة دراهم في الشهر أو يكلف في سفر خمسمائة درهم قال فإن قلت فنفقته عليها قلت فأقول لك فكانت محجورا عليها أنفق عليه من مالها ؟ قال بل لا أنفق على المحجور عليها إلا ما لا صلاح لها إلا به فكيف أنفق على آخر من مالها ؟ [ ص: 625 ] قلت فقد منعتها إذا أكثر مساجد الله قال فكل ما قلت من هذا مخالفا قول أهل العلم قلت أجل وقد تركت إبانة ذلك لتعرف أن ما ذهبت إليه فيه كله على غير ما ذهبت إليه وهل علمت مخالفا في أن للرجل أن يمنع امرأته مسجد عشيرتها وإن كان على بابها والجمعة التي لا أوجب منها في المصر ؟ قال : وما علمته قلت فلو لم يكن فيما تساءلت عنه حجة إلا ما وصفت استدللت بأن أكثر أهل العلم يقولون إذا كان لزوج المرأة وقيمها منعها من الجمعة ومسجد عشيرتها كان معنى { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله } خاصا على ما قلت لك لأن أكثرهم لا يجهل معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

( قال الشافعي ) فقال عامة من حضر هذا كما قلت فيما أدخلت على من ذهب إلى أن ليس لأحد أن يمنع امرأته شيئا من مساجد الله وقد بقي عليك أن تسأل ما معنى { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله } ؟ فقد علمنا أنه خاص فأي المساجد لا يجوز له أن يمنعه إماء الله ؟ قلت لا يجوز له أن يمنعها مسجد الله الحرام لفريضة الحج وله أن يمنعها منها تطوعا ، ومن المساجد غيره قال فما دل على ما قلت ؟ قلت : قال الله { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } وروي عن النبي أنه قال { السبيل الزاد والمركب } فإذا كانت المرأة ممن يجد مركبا وزادا وتطيق السفر للحج فهي ممن عليه فرض الحج ولا يحل أن تمنع فريضة الحج كما لا تمنع فريضة الصلاة والصيام وغيرهما من الفرائض . قال فهل على وليها أن يحجها من مالها لو كانت محجورا عليها ؟ قلت : نعم كما يؤدي الزكاة عنها . قال فهل عليه أن يحج معها ؟ قلت : لا والاختيار له أن يفعل ، وقل مسلم يدع ذلك إن شاء الله فإن لم يفعل لم أجبره عليه ، وإذا وجدت نسوة ثقات حجت معهن وأجبرت وليها على تركها والحج مع نسوة ثقات إذا كانت طريقها آمنة من كان وليها زوجها أو غيره . قال فما معنى نهيها عن السفر ؟ قلت نهيها عن السفر فيما لا يلزمها . قال فما دل على ما وصفت من أنها إنما نهيت عن السفر فيما لا يلزمها ؟ قلت بين رسول الله عن الله أن حد الزانيين البكرين جلد مائة وتغريب عام والتغريب سفر وقد { نهى رسول الله أن يخلى بامرأة إلا مع ذي محرم } وفي التغريب خلوة بها مع غير ذي محرم وسفر فدل ذلك على أنه إنما ينهى عن سفرها فيما لا يلزمها ولم أعلم مخالفا في أن امرأة لو كانت ببلد ناء لا حاكم فيه فأحدثت حدثا يكون عليها فيه حد أو حق لمسلم أو خصومة له جلبت إلى الحاكم فدل هذا على ما وصفت من أنها نهيت عن السفر فيما لا يلزمها فإذا قضت حجة الإسلام فلوليها من كان منعها من الحج ومن جميع المساجد إلا شيئا سأذكره في العيدين إن شاء الله .

قال أفتجد على هذا دلالة ؟ قلت : نعم ما وصفت لك من أن الله لم يفرض على أحد قط أن يسافر إلى مسجد غير المسجد الحرام للحج وأن الأسفار إلى المساجد نافلة غير السفر للحج وفي منع عمر بن الخطاب أزواج النبي الحج بقول رسول الله إنما هي هذه الحجة ثم ظهور الحصر قال : وإن إتيان الجمعة فرض على الرجال إلا من عذر ولم نعلم من أمهات المؤمنين امرأة خرجت إلى جمعة ولا جماعة في مسجد وأزواج رسول الله بمكانهن من رسول الله أولى بأداء الفرائض فإن قيل فإنهن ضرب عليهن الحجاب قيل وقد كن لا حجاب عليهن ثم ضرب عليهن الحجاب فلم يرفع عنهن من الفرائض شيء ولم نعلم أحدا أوجب على النساء إتيان الجمعة كل روى أن الجمعة على كل أحد إلا امرأة أو مسافرا أو عبدا فإذا سقط عن المرأة فرض الجمعة كان فرض غيرها من الصلوات المكتوبات والنافلة في المساجد عنهن أسقط . قال : فقال وما فرض إتيان الجمعة إلا على الرجل وليس هذا على النساء بفرض وما هن في إتيان المساجد للجماعات كالرجال فقلت له إن الحجة لتقوم بأقل مما وصفت لك وعرفت بنفسك وعرف الناس معك وقد كان مع رسول الله نساء من أهل بيته وبناته وأزواجه ومولياته وخدمه وخدم أهل بيته فما علمت منهن امرأة خرجت إلى شهود جمعة والجمعة واجبة على الرجال بأكثر من وجوب الجماعة في الصلوات غيرها ولا إلى جماعة غيرها في ليل أو نهار ولا إلى مسجد قباء فقد كان النبي يأتيه راكبا وماشيا ولا إلى [ ص: 626 ] غيره من المساجد وما أشك أنهن كن على الخير بمكانهن من رسول الله أحرص وبه أعلم من غيرهن وأن النبي لم يكن ليدع أن يأمرهن بما يجب عليهن وعليه فيهن وما لهن فيه من الخير وإن لم يجب عليهن كما أمرهن بالصدقات والسنن وأمر أزواجه بالحجاب وما علمت أحدا من سلف المسلمين أمر أحدا من نسائه بإتيان جمعة ولا جماعة من ليل ولا نهار ولو كان لهن في ذلك فضل أمروهن به وأذنوا لهن إليه بل قد روي ، والله أعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها وصلاتها في حجرتها خير من صلاتها في المسجد أو المساجد } .

حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول إن كان ليكون علي صوم من رمضان فما أستطيع أن أصوم حتى يأتي شعبان وروي { إذا استأذنت أحدكم امرأته لتشهد العشاء فلا يمنعها } فاحتمل أن يجب عليهن واحتمل أن يكون على الاستحباب فلما كان ما وصفت من الاستدلال بأن لم يختلف العامة أن ليس على المرأة شهود صلاة جماعة كما هي على الرجل وأن لوليها حبسها كان هذا اختيارا لا فرضا على الولي أن يأذن للمرأة للعشاء . فقال ما علمت أحدا من المفتين يخالف في أن ليس على الرجل الإذن لامرأته إلى جمعة ولقد قال بعضهم ولا إلى حج لأنه لا يفوتها في عمرها فقلت ففي أن لم يختلف المفتون إن كان كما قلت دليل على أن لا يجهلوا معنى حديث رسول الله إذا كان معنى حديث رسول الله محتملا ما قالوا . قال ولقد قال بعضهم : لزوج المرأة أن يمنعها من الحج قلت أما هذا فلا لأنه إذا جاز له أن يمنعها الفريضة فقد منعها مساجد الله كلها فأباح له خلاف الحديث فإذا قلت لا يمنعها الفريضة من الحج فلم أخالف الحديث بل هو ظاهر الحديث { لا تمنعوا إماء الله مساجد الله كلها } وفيه - والله أعلم - دلالة على أن لهم منعهن بعضها قال : وأجبر زوج امرأة ووليها من كان على أن يدعها والفريضة من الحج والعمرة في سفر ولا أجبره على ما تطوعت به منهما فإذا أذن لها إلى الحج فلم يمنعها مساجد الله لأنه قد أذن لها في الفرض إلى مسجد الله الحرام قال : وقد روي حديث أن { يترك النساء إلى العيدين } فإن كان ثابتا قلنا به .

التالي السابق


الخدمات العلمية