صفحة جزء
باب في الشفعة

حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله قال { الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة } .

أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن رسول الله مثله أو مثل معناه لا يخالفه وبه أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة } ( قال الشافعي ) وبهذا نأخذ فنقول لا شفعة فيما قسم اتباعا لسنة رسول الله وعلمنا أن الدار إذا كانت مشاعة بين رجلين فباع أحدهما نصيبه منها فليس يملك أحدهما شيئا وإن قل إلا ولصاحبه نصفه فإذا دخل المشتري على الشريك للبائع هذا المدخل كان الشريك أحق به منه بالثمن الذي ابتاع به المشتري فإذا قسم الشريكان فباع أحدهما نصيبه باع نصيبا لا حظ في شيء منه لجاره وإن كانت طريقهما واحدة لأن الطريق غير المبيع كما لم يكونا بشركتهما في الطريق شريكين في الدار المقسومة فكذلك لا يؤخذ بالشرك في الطريق شفعة في دار ليسا بشركين فيها وقد روي حديثان ذهب إليهما صنفان ممن ينسب إلى العلم وكل واحد منهما على خلاف مذهبنا أما أحدهما فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع أن رسول الله قال : { الجار أحق بسقبه } ( قال الشافعي ) وزاد في [ ص: 647 ] حديث بعض من خالفنا أنه كان لأبي رافع بيت في دار رجل فعرض البيت عليه بأربعمائة وقال قد أعطيت به ثمانمائة ولكن سمعت رسول الله يقول { الجار أحق بسقبه } .

( قال الشافعي ) فقال الذي خالفنا أتأول هذا الحديث فأقول للشريك الذي لم يقاسم شفعة وللجار المقاسم شفعة كان لاصقا أو غير لاصق إذا لم يكن بينه وبين الدار التي بيعت طريق نافذة وإن بعد ما بينهما واحتج بأن قال أبو رافع يرى الشفعة للذي بيته في داره والبيت مقسوم لأنه ملاصق .

( قال الشافعي ) فقلت له أبو رافع فيما رويت عنه متطوع بما صنع قال : وكيف ؟ قلت هل كان على أبي رافع أن يعطيه البيت بشيء قبل بيعه أو لم تكن له الشفعة حتى يبيعه ؟ قال : بل ليست له الشفعة حتى يبيعه أبو رافع قلت فإن باعه أبو رافع فإنما يأخذ بالشفعة من المشتري قال نعم قلت وبمثل الثمن الذي اشتراه به لا ينقصه البائع ولا أن علىأبي رافع أن يضع من ثمنه عنه شيئا ؟ قال نعم فقلت أتعلم أن ما وصفت عن أبي رافع كله تطوع ؟ قال : فقد رأى له الشفعة في بيت له فقلت وإن رأى الشفعة في بيت له ما كان عليه في ذلك شيء عارض حديثنا بل حديث النبي إنما يعارض بحديث عن النبي فأما رأي رجل فلا يعارض به حديث النبي ، قال : فلعله سمعه من رسول الله قلت ألست تسمعه حين حكى عن رسول الله ؟ قال { الجار أحق بسقبه لا ما أعطى من نفسه } قال : بل هكذا حكايته عن النبي قلت ولعله لا يرى له الشفعة فتطوع له بما لا يرى كما يتطوع له بما ليس عليه فإن حملته على أنه إنما أعطاه ما يراه عليه قيل فقد رأى على نفسه أن يعطيه بيتا لم يبعه بنصف ما أعطى به قال : لا أراه يرى هذا قلت ولا أرى عليه أن له شفعة فيما نرى ، والله أعلم . ولكن أحسن أن يفعل ، وقلت له نحن نعلم وأنت تعلم أن قول النبي { الجار أحق بسقبه } لا يحتمل إلا معنيين لا ثالث لهما . قال فما هما ؟ قلت : أن يكون أجاب عن مسألة لم يخل أكثرها أن يكون أراد أن الشفعة لكل جار أو أراد بعض الجيران دون بعض فإن كان هذا المعنى فلا يجوز أن يدل على أن قول النبي خرج عاما أراد به خاصا إلا بدلالة عن رسول الله أو إجماع من أهل العلم ، وقد ثبت عن رسول الله أن { لا شفعة فيما قسم } فدل على أن الشفعة للجار الذي لم يقاسم دون الجار المقاسم ، وقلت له حديث أبي رافع عن رسول الله جملة وقلنا عن النبي منصوص لا يحتمل تأويلا . قال : فما المعنى الثاني الذي يحتمله قول النبي ؟ قلت : أن تكون الشفعة لكل من لزمه اسم جوار وأنت تزعم أن الجوار أربعون دارا من كل جانب وأنت لا تقول بحديثنا ولا بما تأولت من حديثك ولا بهذه المعاني . قال : ولا يقول بهذا أحد قلت : أجل لا يقول بهذا أحد وذلك يدلك على أن رسول الله أراد أن الشفعة لبعض الجيران دون بعض وأنها لا تكون إلا لجار لم يقاسم . قال أفيقع اسم الجوار على الشريك ؟ قلت : نعم ، وعلى الملاصق وعلى غير الملاصق قال فالشريك ينفرد باسم الشريك ؟ قلت أجل والملاصق ينفرد باسم الملاصقة دون غيره من الجيران ولا يمنع ذلك واحدا منهما أن يقع عليه اسم جوار ، قال : أفتوجدني ما يدل على أن اسم الجوار يقع على الشريك ؟ قلت زوجتك التي هي قرينتك يقع عليها اسم الجوار .

قال حمل بن مالك بن النابغة : كنت بين جارتين لي يعني ضرتين ، وقال الأعشى :

أجارتنا بيني فإنك طالقه وموموقة ما كنت فينا ووامقه     أجارتنا بيني فإنك طالقه
كذاك أمور الناس تغدو وطارقه     وبيني فإن البين خير من العصا
وأن لا تزالي فوق رأسك بارقه     حبستك حتى لامني كل صاحب
وخفت بأن تأتي لدي ببائقه

.

( قال الشافعي ) وروى غيرنا عن عبد الملك عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { الجار أحق بشفعته ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كانت الطريق واحدة } وذهب بعض البصريين إلى أن قال [ ص: 648 ] الشفعة لا تكون إلا للشريك وهما إذا اشتركا في طريق دون الدار ، وإن اقتسما الدار شريكان ( قال الشافعي ) فيقال له الشريكان في الدار أو الطريق دون الدار فإن قال في الطريق دون الدار قيل له فلم جعلت الشفعة في الدار التي ليسا فيها بشريكين بالشرك في الطريق والطريق غير الدار أرأيت لو باع داراهما فيها شريكان وضم في الشراء معها دارا أخرى غيرها لا شرك فيها ولا طريقها أتكون الشفعة في الدار أو في الشرك ؟ قال : بل في الشرك دون الدار التي ضمت مع الشرك قلت ولا تجعل فيها شفعة إذا جمعتهما الصفقة وفي إحداهما شفعة ؟ قال : لا ، قلت فكذلك يلزمك أن تقول إن بيعت الطريق وهي مما يجوز بيعه وقسمه ففيها شفعة ولا شفعة فيما قسم من الدار قال : فإن قال فإنما ذهبت فيه إلى الحديث نفسه قيل سمعنا بعض أهل العلم بالحديث يقول نخاف أن لا يكون هذا الحديث محفوظا قال : ومن أين ؟ قلت : إنما رواه عن جابر بن عبد الله وقد روى أبو سلمة عن جابر مفسرا أن رسول الله قال { الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة } وأبو سلمة من الحفاظ .

وروى أبو الزبير وهو من الحفاظ عن جابر ما يوافق قول أبي سلمة ويخالف ما روى عبد الملك ( قال الشافعي ) وفيه من الفرق بين الشريك وبين المقاسم ما وصفت جملته في أول الكتاب فكان أولى الأحاديث أن يؤخذ به عندنا ، والله أعلم لأنه أثبتها إسنادا وأبينها لفظا عن النبي وأعرفها في الفرق بين المقاسم وغير المقاسم .

التالي السابق


الخدمات العلمية