صفحة جزء
وعن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله : لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة ، وللوفد إذا قدموا عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر يا رسول الله كسوتنيها ، وقلت في حلة عطارد ما قلت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أكسكها لتلبسها . فكساها عمر أخا له مشركا بمكة ، وفي رواية لمسلم حلة من إستبرق .


[ ص: 222 ] الحديث الثاني عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة ، وللوفد إذا قدموا عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ، ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة فقال عمر يا رسول الله كسوتنيها ، وقد قلت في حلة عطارد ما قلت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أكسكها لتلبسها فكساها عمر أخا له مشركا بمكة (فيه) فوائد : (الأولى) اتفق عليه الشيخان وأبو داود ، والنسائي من طريق مالك ، وفي رواية أبي داود رأى حلة سيراء يعني تباع ، وأخرجه البخاري من طريق جويرة بن أسماء ، وأخرجه مسلم من طريق موسى بن عقبة ، وعبيد الله بن عمر وجرير بن حازم خمستهم عن نافع ، وفي رواية جويرية إنما بعثت إليك لتبيعها أو تكسوها وفي رواية جرير بن حازم رأى عمر عطارد التميمي يقيم بالسوق حلة سيراء ، وكان رجلا يغشى الملوك ، ويصيب منهم ، وفيها إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ، وفيها أيضا فبعث إلى عمر بحلة ، وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة ، وأعطى علي بن أبي طالب حلة ، وقال شققتها خمرا بين [ ص: 223 ] نسائك فجاء عمر بحلته يحملها فقال يا رسول الله بعثت إلي بهذه ، وقد قلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت ؟ قال إني لم أبعث بها إليك لتلبسها ، ولكني بعثت بها إليك لتصيب بها وأما أسامة فراح في حلته فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا عرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكر ما صنع فقال يا رسول الله ما تنظر إلي فأنت بعثت إلي بها فقال إني لم أبعث لتلبسها ، ولكني بعثت بها تشققها خمرا بين نسائك وأخرجه البخاري من طريق عقيل بن خالد ومسلم من طريق عمر بن الحارث ويونس بن يزيد ثلاثتهم عن الزهري عن سالم عن أبيه قال وجد عمر حلة إستبرق تباع في السوق الحديث وفيه فتحل بها للعيد ، وللوفد ، وفيه ثم أرسل إليه بجبة ديباج ، وفيه تبيعها ، وتصيب بها بعض حاجتك واتفق عليه الشيخان أيضا من طريق أبي بكر بن حفص عن سالم عن أبيه بمعناه أخصر منه ، وفيه إنما بعثت بها إليك لتستمتع بها زاد البخاري يعني تبيعها ، واتفق عليه الشيخان أيضا من طريق يحيى بن أبي إسحاق قال قال لي سالم بن عبد الله ما الإستبرق ؟ قلت ما غلظ من الديباج ، وخشن منه ، قال سمعت عبد الله يقول رأى عمر على رجل حلة من إستبرق الحديث ، وفيه إنما بعثت بها إليك لتصيب بها مالا وأخرجه البخاري من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر كرواية نافع عنه ، واعلم أن البخاري أخرج هذا الحديث في سبعة مواضع من صحيحه

كما اتفق له في حديث الأعمال في الجمعة ، والبيوع ، والهبة ، والجهاد ، واللباس ، والأدب في موضعين منه .

(الثانية) الحلة بضم الحاء المهملة وتشديد اللام اسم لثوبين أحدهما إزار ، والآخر رداء ، وقال في المشارق ثوبان غير لفيقين رداء وإزار سميا بذلك لأن كل واحد منهما يحل على الآخر ، وقال في النهاية تبعا للهروي الحلة واحدة الحلل ، وهي برود اليمن ، ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد انتهى فقيدها بقيدين أن تكون من برود اليمن ، وأن يكون الثوبان من جنس واحد ، والقيد الأول غير معتبر فيطلق اسم الحلة على الثوبين ، وإن لم يكونا من برود اليمن ، ولذلك قال في المحكم بردا وغيره ، وقال في الصحاح قال أبو عبيد الحلل برود اليمن ، والحلة إزار ورداء ا هـ . وذلك يقتضي أن اللفظ مشترك [ ص: 224 ] بين برود اليمن وبين إزار ورداء من أي جنس كانا ، وحكى المنذري في حواشي السنن قولا أن أصل تسميتها بذلك إذا كان الثوبان جديدين كما حل طيهما فقيل لهما حلة لهذا ثم استقر عليهما الاسم .

(الثالثة) السيراء بكسر السين المهملة ، وفتح التاء المثناة من تحت ممدود قال في الصحاح برد فيه خطوط صفر ، وقال في المحكم ضرب من البرود ، وقيل ثوب مسير فيه خطوط تعمل من القز وقيل ثياب من ثياب اليمن انتهى .

ولا تنافي بين هذه العبارات فهو برد فيه خطوط يعمل باليمن ثم قال في المحكم ، والسيراء الذهب ، والسيراء ضرب من النبت ، وهي أيضا القرفة اللازقة بالنواة ، والسيراء الجريدة من جرائد النخل انتهى .

وقال في المشارق السيراء الحرير الصافي ، وقال مالك الوشي من الحرير وقال ابن الأنباري السيراء أيضا الذهب ، وقيل هو نبت ذو ألوان وتخطيط شبهت به بعض الثياب قال الطوسي .

وقال الخليل هو ثوب مضلع بالحرير ، وقيل هو مختلف الألوان ، وفي كتاب أبي داود السيراء المضلع بالقز ، وقيل هو ثوب ذو ألوان وخطوط ممتدة كأنها السيور يخالطها حرير ، وفي رواية أخرى حلة سندس ، وهو الحرير وهذا يدل على أنها واحدة انتهى .

وقال في النهاية نوع من البرود يخالطه حرير كالسيور فهو فعلاء من السير القد ، وقال ابن عبد البر أهل العلم يقولون إنها كانت حلة من حرير ، وأهل اللغة يقولون هي التي يخالطها الحرير قال الخليل بن أحمد السيراء هي التي يخالطها الحرير ، وقال غيره هي ضرب من الوشي والبرود انتهى .

(الرابعة) قوله حلة سيراء بتنوين حلة على أن قوله " سيراء " تابع له بدل أو عطف بيان أو نعت كذا حكاه القاضي عياض عن المحدثين ، والنووي عن أكثر المحدثين وقال أبو العباس القرطبي إنه الرواية وقال الخطابي قالوا حلة سيراء كما قالوا ناقة عشراء انتهى وآخرون يتركون التنوين في ذلك ويجعلون حلة مضافا إلى سيراء حكاه القاضي عياض عن ابن سراج ، ومتقني الحديث ، وحكاه النووي عن المحققين ومتقني العربية ، وله توجيهان : أحدهما أنه من إضافة الشيء إلى صفته كقولهم ثوب خز ذكره القرطبي ، والثاني أن سيبويه قال لم يأت فعلاء صفة لكن اسما ، وهو الحرير الصافي فمعناه حلة حرير ذكره القاضي عياض ، وغيره ، وحكي عن الخليل بن أحمد [ ص: 225 ] أنه قال ليس في الكلام فعلاء بالكسر ممدود الآخر إلا حولاء أي ، وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد ، وعنباء أي لغة في العنب ، وسيراء .

(الخامسة) إن فسرنا السيراء بأنها الحرير المحض ، وهو الذي تقدم أن ابن عبد البر حكاه عن أهل العلم ، واحتج له بما رواه من طريق محمد بن سيرين عن ابن عمر لهذا الحديث ، وفيه حلة من حرير .

وقال النووي إنه الصحيح الذي يتعين القول به جمعا بين الروايات لما في صحيح مسلم في هذا الحديث حلة من إستبرق وفي رواية أخرى له من ديباج أو حرير ، وفي أخرى حلة سندس قال فهذه الألفاظ تبين أن هذه الحلة كانت حريرا محضا

ففيه دليل على تحريم لبس الحرير على الرجال ، وإباحته للنساء لقوله في بعض طرقه في صحيح مسلم لأسامة بن زيد ، ولكني بعثت بها تشققها خمرا بين نسائك ، وهو مجمع عليه اليوم كما تقدم تقريره في الحديث الذي قبله .

(السادسة) وإن قلنا إنها الثوب الذي يخالطه حرير كالسيور فاستدل به من ذهب إلى تحريم الخز ، وغيره من المحررات المشتملة على الحرير وغيره ، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فتقدم في الحديث الماضي أن المرجح عند الشافعية الجواز فيما إذا كان غير الحرير أكثر وزنا أو استويا ، وكذا قال الحنابلة إن الحكم للأغلب منهما ، وعندهم فيما إذا استويا ، وجهان .

قال ابن عقيل ، والأشبه التحريم انتهى .

ولا يستدل بهذا الحديث على التحريم في حالتي الاستواء أو نقص الحرير لاحتمال كون حريرها كان أكثر ، وهذه واقعة عين محتملة فسقط بها الاستدلال هذا إن لم نفسر السيراء بالحرير المحض ، والله أعلم .

قال ابن قدامة ، ولا بأس بلبس الخز نص عليه أحمد ، وقد روي عن عمران بن الحصين والحسن بن علي وأنس بن مالك وأبي هريرة وابن عباس وأبي قتادة وقيس وعبد الرحمن بن عوف ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة وغيلان بن جرير وشبل بن عوف وشريح أنهم لبسوا الخز ، وقال عمار بن أبي عمار أتت مروان مطارف من خز فكساها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسا أبا هريرة مطرفا من خز أغبر فكان يثنيه من سعته ، وكست عائشة [ ص: 226 ] عبد الله بن الزبير مطرفا من خز كانت تلبسه رواه مالك في الموطإ وعن عبد الله بن سعد عن أبيه سعد قال رأيت رجلا ببخارى على بغلة بيضاء عليه عمامة خز سوداء فقال كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود انتهى .

وقال مالك أكره لبس الخز لأن سداه حرير رواه عنه ابن وهب ، وابن القاسم ، وقال في رواية ابن القاسم أيضا كان ربيعة يلبس القلنسوة بطانتها وظهارتها خز ، وكان إماما قال القاضي عياض ، ويذكر عن مالك جوازه قال القاضي عبد الوهاب يجوز لبسه ، وكرهه مالك لأجل السرف .

وقال الحنفية لا بأس بلبس ما سداه حرير ، ولحمته غير حرير ، ومنه الخز ، وأما العكس ، وهو ما لحمته حرير ، وسداه غير حرير فهو مكروه ، والكراهة إلى الحرام أقرب كما قاله أبو حنيفة وأبو يوسف ، وقال محمد بن الحسن كل مكروه حرام ، وإنما لم يطلق عليه حرام لعدم وجود النص القاطع فيه .

وحكي عن محمد بن الحسن أنه قال لا بأس بلبس الخز ما لم تكن فيه شهرة فإن كانت فيه شهرة فلا خير فيه ، واعلم أن النووي من أصحابنا قال إن السدى هو المستتر ، واللحمة هي التي تشاهد ، وقال ابن الرفعة الذي نعرفه العكس .

(السابعة) فيه جواز بيع الحرير ، وإن كان محرما على الرجال لوجود المنفعة فيه ، وهو استعمال النساء له ، وقد بيع في زمنه عليه الصلاة والسلام عند باب المسجد ، وعرض عليه عمر رضي الله عنه شراءه ، وأقره ، وقال لعمر رضي الله عنه في جبة ديباج تبيعها ، وتصيب بها بعض حاجتك ، وهذا مجمع عليه .

(الثامنة) وفيه تذكير المفضول الفاضل بما يحتاج إليه من أمر دينه ، ودنياه إذا ذهل عنه أو لم يعرف به .

(التاسعة) وفيه أن المستحب التجمل يوم الجمعة بالملابس الحسنة لكونه عليه الصلاة والسلام أقر عمر على ذلك ، وإنما أنكر استعمال السيراء ، وما في معناه ، وفي سنن أبي داود ، وابن ماجه عن عبد الله بن سلام مرفوعا ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته ؟ ، وتقدم أن في الصحيحين من حديث سالم عن أبيه للعيد بدل الجمعة ، والقصة واحدة ، وذلك يقتضي أن عمر ذكر الأمرين .

وقال العلماء يستحب التجمل في سائر مجامع الخير إلا ما ينبغي فيه إظهار التمسكن والتواضع والخوف كالاستسقاء والكسوف .

(العاشرة) [ ص: 227 ] وفيه استحباب التجمل لورود الوفود لما في ذلك من تعظيم أمر الإسلام ، وإرهاب العدو .

(الحادية عشرة) قوله لا خلاق له بفتح الخاء المعجمة أي لا نصيب له ، وقيل لا حرمة له ، وقيل لا دين له قال النووي فعلى الأول يكون محمولا على الكفار ، وعلى القولين الآخرين يتناول المسلم ، والكافر .

(الثانية عشرة) عطارد هو ابن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي كان سيد قومه وزعيمهم وفد على النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبرقان بن بدر ، والأقرع بن حابس ، وغيرهما سنة تسع ، وقيل سنة عشر ، والأول أصح .

(الثالثة عشرة) فيه أنه يجوز أن يوهب للرجل ما لا يجوز له لبسه فإنه لا يتعين في الانتفاع بالموهوب اللبس .

(الرابعة عشرة) قوله فكساها عمر أخا له مشركا بمكة هو أخوه لأمه كما هو مصرح به في مسند أبي عوانة الإسفراييني ، واسمه عثمان بن حكيم بن أمية السلمي كما حكاه ابن بشكوال في المبهمات عن ابن الحذاء في التعريف .

وفي رواية للبخاري أرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم قال النووي في شرح مسلم فهذا يدل على أنه أسلم بعد ذلك قلت لم أر أحدا ممن صنف في الصحابة ذكره فيهم ، وذلك على أنه لم يسلم .

(الخامسة عشرة) فيه صلة الأقارب الكفار ، والإحسان إليهم ، وجواز الإهداء للكافر ، ولو كان حربيا فإن مكة لم يبق فيها بعد الفتح مشرك ، وكانت قبل ذلك حربا ذكره ابن عبد البر .

وفيه نظر فإن وفود عطارد إنما كان بعد الفتح في التاسعة أو العاشرة كما تقدم ، وكان إرسال هذه الهدية بعد وفوده .

(السادسة عشرة) استدل به على أنه كان من المقرر عند عمر رضي الله عنه أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة ، وإلا لم يكن بينه ، وبين ذلك المشرك فرق في تحريم لبس الحرير على كل منهما قال النووي ، وهذا وهم باطل لأن الحديث إنما فيه الهدية إلى كافر ، وليس فيه الإذن له في لبسها .

وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ذلك إلى عمر ، وعلي ، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم ، ولم يلزم منه إباحة لبسها لهم بل صرح صلى الله عليه وسلم بأنه إنما أعطاه لينتفع بها بغير اللبس ، والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون ، والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين قلت قد يقال إهداء الحرير للمسلم لا يلزم منه لبسه له لما عنده من " [ ص: 228 ] الوازع الشرعي بخلاف الكافر فإن كفره يحمله على لبسه فليس عنده من اعتقاد تحريمه ما يكفه عن ذلك فلولا إباحة لبسه له لما أعين على تلك المعصية بإهدائه له ، وينبغي أن يقال فيما إذا كان المسلم فاسقا متهاونا بأمر الدين يعتاد لبس الحرير بحيث يلزم من إهدائه له لبسه بحسب العادة يحرم إهداؤه له لما في ذلك من إعانته على المعصية كما رجح النووي من أصحابنا في بيع العصير ممن يتخذه خمرا إذا تحقق ذلك أنه يحرم ، وإن كان الأكثرون على خلافه أما إذا لم يتحقق ذلك ، ولكن غلب كره فقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية