صفحة جزء
كتاب الزكاة عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما رب النعم لم يعط حقها تسلط عليه يوم القيامة تخبط وجهه بأخفافها . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع قال يفر منه صاحبه ويطلبه ويقول أنا كنزك قال والله لن يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه . رواه البخاري ،

ولمسلم ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقه إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار . قيل يا رسول الله فالإبل ؟ قال ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار . قيل يا رسول الله فالبقر والغنم ؟ قال ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ، ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل يا رسول الله فالخيل ؟ قال الخيل ثلاثة هي لرجل وزر وهي لرجل ستر وهي لرجل أجر . فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام فهي له وزر ، وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها فهي له ستر ، وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج وروضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات ولا يقطع طولها فاستنت شرفا أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات ، قيل يا رسول الله فالحمر ؟ قال ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وأخرج البخاري منه ذكر الخيل والحمر ، وأخرج ذكر الإبل والغنم مختصرا من وجه آخر ، وأخرجا ذكر الإبل والبقر والغنم من حديث أبي ذر .


[ ص: 2 ] كتاب الزكاة عن همام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما رب النعم لم يعط حقها تسلط عليه يوم القيامة تخبط وجهه بأخفافها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع قال يفر منه صاحبه ويطلبه ويقول أنا كنزك قال والله لن يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه رواه البخاري . (فيه) فوائد :

(الأولى) رواه البخاري من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة .

وروى مسلم من طريق زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى [ ص: 3 ] يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ؛ قيل يا رسول الله فالإبل ؟ قال ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، قيل يا رسول الله فالبقر والغنم قال ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار . قيل يا رسول الله فالخيل ؟ قال الخيل ثلاثة هي لرجل وزر ، وهي لرجل ستر ، وهي لرجل أجر ، فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام فهي له وزر ، وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها [ ص: 4 ] فهي له ستر . وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج وروضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات ولا يقطع طولها فاستنت شرفا أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات قيل يا رسول الله فالحمر ؟ قال ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره

وأخرج البخاري منه من هذا الوجه أيضا ذكر الخيل والحمر وأخرج ذكر الإبل والغنم مختصرا من رواية شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت إذا هو لم يعط حقها تطؤه بأخفافها وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها قال ومن حقها أن تحلب على الماء ثم ذكر جملة أخرى . وروى البخاري أيضا من رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه [ ص: 5 ] عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية . وله طرق أخرى تركت ذكرها اختصارا وأخرج الشيخان ذكر الإبل والبقر والغنم من حديث أبي ذر بلفظ ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس . لفظ مسلم ولفظ البخاري والذي نفسي بيده أو والذي لا إله غيره أو كما حلف ما من رجل يكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها

والباقي بمعناه .

(الثانية) قوله إذا ما رب النعم لم يعط حقها ما هنا زائدة والرب هنا بمعنى المالك وله معان أخر ويستعمل في حق غير الله تعالى مضافا كما في هذا الحديث ولا يستعمل مع الإطلاق إلا في حق الله تعالى والنعم بفتح النون والعين المهملة وحكى في المحكم أن إسكانها لغة وفيه قولان :

(أحدهما) أنه واحد الأنعام يستعمل في الإبل والبقر والغنم وأكثر استعماله في الإبل وخصه بعضهم بالإبل والغنم وهو [ ص: 6 ] الذي ذكره في المحكم .

(الثاني) أنه يختص بالإبل وليست الأنعام جمعا له فإنها تطلق عليها وعلى البقر والغنم . صدر به في المشارق كلامه وحكاه في المحكم عن ابن الأعرابي ويوافقه اقتصاره في هذه الرواية على ذكر الأخفاف وهي الإبل دون البقر والغنم ، وقوله لم يعط حقها أي لم يؤد زكاتها بدليل قوله في حديث أبي ذر عند مسلم لا يؤدي زكاتها وسيأتي لذلك مزيد إيضاح ، فإن قلت كيف أطلق رب النعم هذا على مالكها مع ورود النهي عنه في حديث أبي هريرة لا يقل المملوك لسيده ربي ، ومثل هذا قوله عليه الصلاة والسلام في ضالة الإبل حتى يلقاها ربها (قلت) أجاب عنه صاحب النهاية بأن البهائم غير متعبدة ولا مخاطبة فهي بمنزلة الأموال التي يجوز إضافة مالكيها إليها وجعلهم أربابا لها ، قال فأما قوله تعالى اذكرني عند ربك فإنه خاطبهم على المتعارف عندهم على ما كانوا يسمونهم به ومثله قول موسى عليه السلام للسامري وانظر إلى إلهك أي الذي اتخذته إلها ا هـ .

(الثالثة) قوله يسلط عليه يوم القيامة بضم أوله مبنيا للمفعول وفيه أن الله تعالى يحييها بعينها ليعاقبه بها وفي ذلك معاملة له بنقيض قصده ؛ لأنه قصد بمنع حق الله فيها الارتفاق والانتفاع بما منعه منها فكان ذلك الذي قصد الانتفاع به أضر الأشياء عليه وسلط عليه حتى باشر عقوبته بنفسه ، وقوله تخبط بفتح التاء وإسكان الخاء وكسر الباء أي تضرب ، وهذا صادق بأن تضرب وجهه وهو قاعد لكن دلت الرواية الأخرى على أنه يبطح لها وفيه زيادة يجب الأخذ بها ، فإن قلت حق الفقراء إنما هو في القدر الواجب دون جميع المال فمقتضى هذا أنه لا يعاقب إلا بخبط قدر الواجب خاصة قلت قد أمر بتطهير ماله بالزكاة فلما لم يخرجها كان المال كله غير مطهر ولم يؤد حق الله في جميعه ، والفقراء ليس لهم شيء معين بل حقهم في جميع المال ، ولو اعتبرنا ذلك لزم أن مانع زكاة ما دون خمس وعشرين من الإبل لا يعاقب بخبط شيء منها إذ الواجب ليس منها وإنما هو من الغنم ، وقد قال في حديث أبي هريرة عند مسلم لا يفقد منها فصيلا واحدا .

(الرابعة) وفيه وجوب الزكاة في الإبل والبقر والغنم إن جعلنا اسم النعم شاملا لها وهو مجمع عليه ، وقد صرح في الرواية التي زادها الشيخ رحمه الله في [ ص: 7 ] النسخة الكبرى بذكر الثلاثة قال النووي وهو أصح الأحاديث الواردة في زكاة البقر ا هـ وقد ورد تفصيله في أحاديث أخر وله تفاريع معروفة في كتب الفقه والله أعلم .

(الخامسة) قال ابن عبد البر : الكنز في لسان العرب هو المال المجتمع المخزون فوق الأرض كان أو تحتها ذكره صاحب العين وغيره بمعناه وأما في قوله تعالى والذين يكنزون الذهب والفضة وما في معناه فالجمهور على أنه ما لم تؤد زكاته وعليه جماعة فقهاء الأمصار ثم ذكر ذلك عن عمر وابنه عبد الله وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ثم استشهد لذلك بما رواه عن أم سلمة : قالت كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت يا رسول الله أكنز هو ؟ قال : ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز قال وفي إسناده مقال قلت قد أخرجه أبو داود وقال والدي رحمه الله في شرح الترمذي إسناده جيد ، رجاله رجال البخاري قال ابن عبد البر : ويشهد بصحته حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك قلت رواه الترمذي وقال حسن غريب والحاكم في مستدركه وقال صحيح من حديث المصريين ، وذكر والدي رحمه الله على شرط ابن حبان في صحيحه ، وفي معناه أيضا حديث جابر مرفوعا إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره رواه الحاكم في مستدركه وصححه على شرط مسلم ورجح البيهقي وقفه على جابر وكذلك ذكره ابن عبد البر وكذا صحح أبو زرعة وقفه على جابر ، وذكره بلفظ ما أدي زكاته فليس بكنز وروى البيهقي عن ابن عمر مرفوعا كل ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا تحت الأرض وكل ما لا يؤدى زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا وقال البيهقي ليس بمحفوظ والمشهور وقفه .

وفي سنن أبي داود عن ابن عباس لما نزلت هذه الآية والذين يكنزون الذهب والفضة قال كبر ذلك على المسلمين فقال عمر أنا أفرج عنكم فانطلق فقال للنبي صلى الله عليه وسلم يا نبي الله كبر على أصحابك هذه الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لم يفرض الزكاة إلا لتطيب ما بقي من أموالكم الحديث .

قال ابن عبد البر والاسم الشرعي قاض على الاسم اللغوي وما أعلم مخالفا في أن الكنز ما لم تؤد زكاته إلا شيئا روي عن علي وأبي ذر والضحاك ذهب إليه قوم من أهل الزهد قالوا إن في المال حقوقا سوى الزكاة [ ص: 8 ] أما أبو ذر فقد ذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز وأن آية الوعيد نزلت في ذلك .

وأما علي فروي عنه أنه قال أربعة آلاف نفقة فما كان فوقها فهو كنز .

وأما الضحاك فقال : من ملك عشرة آلاف درهم فهو من الأكثرين الأخسرين إلا من قال بالمال هكذا وهكذا .

وكان مسروق يقول في قوله عز وجل سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة هو الرجل يرزقه الله المال فيمنع قرابته الحق الذي فيه فيجعل حية يطوقها قال ابن عبد البر ، وهذا ظاهر أنه غير الزكاة ويحتمل أنه الزكاة . قال وسائر العلماء من السلف والخلف على ما تقدم في الكنز .

قال وما استدل به من الأمر بإنفاق الفضل فمعناه أنه على الندب أو يكون قبل نزول فرض الزكاة ونسخ بها كما نسخ صوم عاشوراء برمضان وعاد فضيلة بعد أن كان فريضة قال علي : إن أبا ذر أكثر ما تواتر عنه في الأخبار الإنكار على من أخذ المال من السلاطين لنفسه ومنع منه أهله فهذا ما لا خلاف عنه في إنكاره .

وأما إيجاب غير الزكاة فمختلف عنه فيه وتأول القاضي عياض أيضا كلام أبي ذر على نحو ذلك فقال الصحيح أن إنكاره إنما هو على السلاطين الذين يأخذون لأنفسهم من بيت المال ولا ينفقونه في وجوهه .

قال النووي : وهذا الذي قاله باطل ؛ لأن السلاطين في زمنه لم تكن هذه صفتهم ولم يخونوا في بيت المال إنما كان في زمنه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وتوفي في زمن عثمان سنة ثنتين وثلاثين ا هـ .

قلت لعله أراد بالسلاطين بعض نواب الخلفاء كمعاوية ، وقد وقع بينه وبين أبي ذر بسبب هذه الآية تشاجر أوجب انتقال أبي ذر إلى المدينة ، كان معاوية يقول هي في أصل الكتاب خاصة .

وقال أبو ذر هي فينا وفيهم على أن عبارة ابن عبد البر ليست صريحة في أن الإنكار على السلاطين كعبارة القاضي عياض بل هي محتملة لأن يكون المراد الإنكار على الآحاد الذين يأخذون الأموال من السلاطين وهم غير محتاجين إليها فيجمعونها عندهم ، وقد يؤدي ذلك إلى منع من هو أحق منهم والله أعلم .

ولما حكى ابن العربي قول الضحاك قال وإنما جعله أول حد الكثرة ؛ لأنه قيمة النفس المؤمنة وما دونه في حد القلة وهو فقه بالغ ، وقد روي عن غيره وإني لأستحبه [ ص: 9 ] قولا وأصوبه رأيا ا هـ .

وذكر في الصحاح أن الكنز المال المدفون وفي المحكم أنه اسم للمال ولما يخزن فيه وفي المشارق أصله ما أودع الأرض من الأموال وفي الحديث ما لم يؤد زكاته وغيبه عن ذلك وكذا في النهاية أنه في الأصل المال المدفون تحت الأرض فإذا أخرج منه الواجب لم يبق كنزا وإن كان مكنوزا قال وهو حكم شرعي تجوز فيه عن الأصل .

(السادسة) الشجاع بضم الشين المعجمة وكسرها لغتان حكاهما في المحكم والمشارق وغيرهما الحية الذكر وقيل ضرب من الحيات صغير حكاه في المحكم وقيل الحية مطلقا حكاه في المشارق والنهاية وقيل ضرب من الحيات تواثب الفارس والراجل ويقوم على ذنبه وربما بلغ وجه الفارس يكون في الصحارى حكاه ابن عبد البر وغيره .

والأقرع الذي تمعط شعره لكثرة سمه وقيل الذي برأسه بياض لكثرة سمه وفي حديث آخر له زبيبتان وهما نقطتان منتفختان في شدقيه يقال أنهما يبدوان حين يهيج ويغضب وقيل نقطتان سوداوتان على عينيه وهي علامة الحية الذكر المؤذي وقيل نابان له وقيل نكتتان على شفتيه حكاها ابن عبد البر قال والأول أكثر وظاهر الحديث أن الله تعالى يصير نفس المال بهذه الصفة ولا مانع منه ويكون عقابه يوم القيامة على يديه ويقول له أنا كنزك لزيادة حسرته وندمه حيث لا ينفعه ذلك

. (السابعة) فيه وجوب الزكاة في الذهب والفضة وهو مجمع عليه ولذلك تفاصيل معروفة في كتب الفقه .

(الثامنة) قوله في الرواية التي زادها الشيخ رحمه الله في النسخة الكبرى صفحت له صفائح يجوز فيها الرفع على قيامه مقام الفاعل والنصب على أن المقام ضمير يعود على الذهب والفضة ويكون صفائح مفعولا ثانيا .

(التاسعة) الجبين بفتح الجيم فوق الصدغ وهما جبينان عن يمين الجبهة وشمالها ، وقد ذكر الجبين في الحديث في موضع الجبهة في الآية وهي قوله تعالى فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم وأهل المغرب يطلقون الجبين على الجبهة ولا أصل لذلك في اللغة ، وذكر بعضهم في حكمة كل هذه الأمور الثلاثة أن مانع الزكاة إذا جاءه المسكين أعرض عنه بوجهه ، فإن عاد له تحول عنه فصير إليه جنبه ، فإن عاد ولاه ظهره وقال بعضهم أكلوا بتلك الأموال في بطونهم فصار المأكول في جنوبهم واكتسوا بها على ظهورهم ويحتمل أنهم [ ص: 10 ] حرموا المسكين بمنعه حقه منها أن يأكل بها في جنبه أو يكتسي بها على ظهره ، ويحتمل أن يكون العذاب شاملا لجميع البدن وإنما نبه بهذه المذكورات على ما عداها .

(العاشرة) قوله كلما بردت كذا هو في بعض نسخ صحيح مسلم بردت بالباء وفي بعضها ردت بحذف الباء وبضم الراء ، وذكر القاضي عياض الروايتين وقال الأولى هي الصواب والثانية رواية الجمهور .

(الحادية عشرة) قوله حتى يقضى بين العباد قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي يمكن أن يؤخذ منه أن مانع الزكاة آخر من يقضى فيه وأنه يعذب بما ذكر حتى يفرغ من القضاء بين الناس فيقضى فيه بالنار أو الجنة ويحتمل أن المراد حتى يشرع في القضاء بين الناس ويجيء القضاء فيه إما في أوائلهم أو وسطهم أو آخرهم على ما يريد الله ، وهذا أظهر انتهى .

قلت قد يشير إلى الأول قوله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ويقال إنما ذكر في معرض استيعاب ذلك اليوم بتعذيبه لجواز أن يكون القضاء فيه آخر الناس وإن احتمل أن يكون فصل أمره في وسطه أو أوله والله أعلم .

(الثانية عشرة) قوله فيرى سبيله قال النووي ضبطناه بضم الياء وفتحها وبرفع لام سبيله ونصبها قلت الوجهان في رفع لام سبيله ونصبها إنما يجيئان مع ضم الياء فأما مع فتح الياء فيتعين نصب اللام والله أعلم .

(الثالثة عشرة) فيه أن هذا الوعيد في حق المسلمين والكفار فإن الذي يرى سبيله إلى الجنة هو المسلم وأما الذي يرى سبيله إلى النار فيحتمل أن يكون على سبيل التأبيد فيها فهو الكافر ويحتمل أن يكون على سبيل التعذيب والتمحيص ثم دخول الجنة وهو المسلم وفي دخول المسلم في هذا الوعيد الرد على المرجئة الذين يقولون : إنه لا يضر مع الإسلام معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة والكتاب والسنة مشحونان بما يخالف قولهم واعتذروا عن ذلك بأن المراد به التخويف لينزجر الناس عن المعصية وليس على حقيقته وظاهره وهو باطل ، ولو صح قولهم لارتفع الوثوق عما جاءت به الشرائع واحتمل في كل منها ذلك ، وهذا يؤدي إلى هدم الشرائع وسقوط فائدتها وفي دخول الكافر في هذا الوعيد دليل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وبه قال [ ص: 11 ] أصحابنا خلافا للمعتزلة والحنفية ، وقد يجيبون عن هذا بأن المراد دخوله النار على سبيل التعذيب لا على سبيل التخليد وليس في اللفظ ما يدل على ذلك والله أعلم .

(الرابعة عشرة) قوله ومن حقها حلبها يوم وردها . الحلب بفتح اللام على اللغة المشهورة وحكي إسكانها قال النووي وهو غريب ضعيف وإن كان هو القياس انتهى والمراد حلبها لسقي الفقراء منها وإنما خص حالة وردها لأنه حالة كثرة لبنها ولأن الفقراء يحضرون هناك طلبا لذلك ، وهذا دليل لمن يرى في المال حقوقا غير الزكاة وهو مذهب أبي ذر وغير واحد من التابعين كما تقدم وفي جامع الترمذي عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم إن في المال لحقا سوى الزكاة وهو عند ابن ماجه بلفظ في المال حق سوى الزكاة وفي بعض نسخه ليس في المال حق سوى الزكاة واقتصر والدي رحمه الله في شرح الترمذي على نقل هذا اللفظ الثاني وقال : قال البيهقي في السنن الكبرى : إن هذا الحديث يرويه أصحابنا في التعاليق ولست أحفظ فيه إسنادا ثم اعترض عليه والدي رحمه الله برواية ابن ماجه له ، وقد عرفت ما في ذلك وقال والدي رحمه الله الظاهر أن قوله في حديث أبي هريرة ومن حقها حلبها يوم وردها مدرج من قول أبي هريرة قال وكأن أبا داود أشار إلى ذلك في سننه من غير تصريح فإنه لما ذكر هذه الزيادة روى بعدها من حديث أبي عمر الغداني عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو هذه القصة فقال يعني لأبي هريرة فما حق الإبل ؟ قال تعطي الكريمة وتمنح الغزيرة وتفقر الظهر وتطرق الفحل وتسقي اللبن قال والدي رحمه الله ففي هذه الرواية أن هذا من قول أبي هريرة ، فإن قلت ففي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدى منها حقها الحديث . وفيه قلنا يا رسول الله وما حقها ؟ قال إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله ، وذكر الحديث ، وهذا صريح في رفع هذا الكلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم صراحة لا يحتمل معها الإدراج (قلت) قال والدي رحمه الله الظاهر أن هذه الزيادة [ ص: 12 ] ليست متصلة ، وقد بين ذلك أبو الزبير في بعض طرق مسلم فذكر الحديث دون الزيادة ثم قال أبو الزبير سمعت عبيد بن عمير يقول هذا القول ثم سألنا جابر بن عبد الله فقال مثل قول عبيد بن عمير قال أبو الزبير وسمعت عبيد بن عمير يقول : قال رجل يا رسول الله ما حق الإبل ؟ قال حلبها على الماء وإعارة دلوها وإعارة فحلها ومنحتها وحمل عليها في سبيل الله قال والدي فقد تبين بهذه الطريق أن هذه الزيادة إنما سمعها أبو الزبير من عبيد بن عمير مرسلة لا ذكر لجابر فيها انتهى . وبتقدير أن تصح هذه الزيادة مرفوعة فجواب الجمهور عنها من وجهين :

(أحدهما) أن ذلك منسوخ بآية الزكاة وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر لما سئل عن هذه الآية إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها الله طهورا للأموال ما أبالي لو كان لي أحد ذهبا أعلم عدده وأزكيه وأعمل فيه بطاعة الله عز وجل .

وحكى ابن عبد البر كون آية الكنز منسوخة بآية الزكاة عن عمر وعراك بن مالك وعمر بن عبد العزيز وأبي عمر حفص بن عمر الضرير .

(ثانيهما) أن هذا من الحق الزائد على الواجب ولا عقاب بتركه وإنما ذكر استطرادا لما ذكر حقها بين الكمال فيه وإن كان له أقل يزول الذم بفعله وهو الزكاة ويحتمل أن يكون ذلك من الحق الواجب إذا كان هناك مضطر إلى شرب لبنها فيحمل الحديث على هذه الصورة .

(الخامسة عشرة) قوله بطح لها بضم الباء الموحدة أوله . قال جماعة من العلماء معناه ألقي على وجهه قال القاضي عياض قد جاء في رواية البخاري تخبط وجهه بأخفافها قال ، وهذا يقتضي أنه ليس من شرط البطح كونه على الوجه وإنما هو في اللغة بمعنى البسط والمد فقد يكون على وجهه ، وقد يكون على ظهره ومنه سميت بطحاء مكة لانبساطها و (القاع) المستوى الواسع في سواء من الأرض يعلوه ماء السماء فيمسكه قاله الهروي وجمعه قيعة وقيعان مثل جار وجيرة وجيران (والقرقر) بقاف وراء مكررتين بفتح القافين وإسكان الراء الأولى المستوي من الأرض الواسع أيضا فهو بمعنى القاع فذكره بعده تأكيدا .

(السادسة عشرة) قوله أوفر ما كانت أي عند مانع زكاتها ؛ لأنها قد تكون عنده على حالات مرة هزيلة ومرة ثمينة ومرة صغيرة وأخرى كبيرة [ ص: 13 ] فتأتي يوم القيامة على أوفر أحوالها عنده زيادة في عقوبته بقوتها وكمال خلقها فتكون أثقل في وطئها وأيضا فيأتي جميعها لا يفقد منها شيئا حتى الفصيل وهو بفتح الفاء وكسر الصاد ولد الناقة إذا فصل عن أمه ، وقد تجب فيه الزكاة إما لبلوغه حولا وإما لبناء حوله على حول أمه ، وهذا الذي ذكرته هو الظاهر ، وذكر معه والدي رحمه الله في شرح الترمذي احتمالين آخرين :

(أحدهما) أنها تأتي أوفر ما كانت في الدنيا مطلقا فقد تكون عند صاحبها الذي منع زكاتها هزيلة في جميع مدتها عنده وتسمن بعد ذلك عند غيره أو تكون قبل أن يملكها سمينة فتحشر على أتم حالاتها تغليظا عليه .

(الاحتمال الثاني) أنها تجيء على أعظم حالات الإبل مطلقا هي وغيرها وكذلك البقر والغنم ويدل له قوله بعد ذلك ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء وفي حديث جابر عند مسلم أيضا ليس فيها جماء ولا منكسر قرنها وربما كان في بقره وغنمه في الدنيا ما هو بهذه الصفة من النقص فأخبر عليه الصلاة والسلام أنها تأتي تامة الخلقة تغليظا عليه .

(السابعة عشرة) قوله كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها كذا هو في جميع نسخ مسلم في هذا الموضع من رواية زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة وهي الرواية التي نقلها الشيخ رحمه الله قال القاضي عياض وغيره قالوا هو تغيير وتصحيف وصوابه ما جاء بعده من رواية سهيل عن أبيه وما جاء في حديث المعرور بن سويد عن أبي ذر كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها وبهذا ينتظم الكلام .

(الثامنة عشرة) قال أهل اللغة : العقصاء بفتح العين المهملة وإسكان القاف بعدها صاد مهملة ملتوية القرنين والجلحاء بفتح الجيم وإسكان اللام بعدها حاء مهملة التي لا قرن لها والعضباء بفتح العين المهملة وإسكان الضاد المعجمة بعدها باء موحدة التي انكسر قرنها الداخل والثلاثة ممدودة ، وقوله تنطحه بكسر الطاء وفتحها لغتان حكاهما الجوهري وغيره والكسر أفصح قال النووي وهو المعروف في الرواية ، وقوله وتطؤه بأظلافها الظلف بكسر الظاء المعجمة للبقر والغنم والظباء وهو المنشق من القوائم والخف للبعير والحافر للفرس والبغل والحمار والقدم للآدمي .

(التاسعة عشرة) قوله في الخيل [ ص: 14 ] فأما التي هي له وزر كذا في أكثر نسخ صحيح مسلم . (التي) ووقع في بعضها الذي وهو أوضح وأظهر ، ذكره النووي ، وقوله ونواء بكسر النون وبالمد أي مناواة ومعاداة ، وقوله ربطها في سبيل الله أي أعدها للجهاد وأصله من الربط ومنه الرباط وهو حبس الرجل نفسه في الثغر وإعداده الأهبة لذلك ، وقوله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها استدل به أبو حنيفة على وجوب الزكاة في الخيل ومذهبه أنه إن كانت الخيل كلها ذكورا فلا زكاة فيها وإن كانت إناثا أو ذكورا وإناثا وجبت فيها الزكاة وهو بالخيار إن شاء أخرج عن كل فرس دينارا وإن شاء قومها وأخرج ربع عشر القيمة كذا حكاه عنه النووي في شرح مسلم والذي في كتب الحنفية إن كانت ذكورا وإناثا وجبت فيها الزكاة وإن تمحضت ذكورا أو إناثا فعنه روايتان وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد وجمهور العلماء لا زكاة في الخيل بحال لقوله عليه الصلاة والسلام ليس على المسلم في فرسه صدقة وهو في الصحيح وتأولوا هذا الحديث على أن المراد أنه يجاهد بها إذا تعين وقيل يحتمل أن المراد بالحق في رقابها الإحسان إليها والقيام بعلفها وسائر مؤنها والمراد بظهورها إطراق فحلها إذا طلب منه إعارته ، وهذا على سبيل الندب وقيل المراد حق الله مما يكسبه من مال العدو على ظهورها وهو خمس الغنيمة .

(العشرون) إن قلت قال في كل من الستر والأجر ربطها في سبيل الله فما الفرق بينهما ؟ قلت الستر ربطها في سبيل الله لنفسه والأجر ربطها في سبيل الله لغيره ليعين بها المجاهدين في سبيل الله ولذلك قال في الأجر لأهل الإسلام .

(الحادية والعشرون) المرج بفتح الميم وإسكان الراء وبالجيم الموضع الواسع الذي فيه نبات ترعاه الدواب سمي بذلك لأنها تمرج فيه أي تروح وتجيء وتذهب كيف شاءت ، والروضة الموضع الذي يكثر فيه الماء فيكون فيه صنوف النبات من رياحين البادية وغيرها فالفرق بين المرج والروضة أن الأول معد لرعي الدواب ولذلك يكون واسعا ليتأتى لها فيه ذلك ، والروضة ليست معدة لرعي الدواب وإنما هي للتنزه بها لما فيها من أصناف النبات هذا هو الذي يتحرر من كلام أهل اللغة فصح عطف الروضة على المرج وكذا وقع في صحيح مسلم عطف الروضة أولا بالواو وثانيا [ ص: 15 ] بأو والظاهر أن الواو أولا بمعنى أو .

(الثانية والعشرون) قوله كتب له عدد ما أكلت حسنات برفع عدد لنيابته عن الفاعل ونصب حسنات بالكسرة على التمييز ويحتمل رفع قوله حسنات على أنه بدل من عدد أو عطف بيان ويحتمل أن يكون هو النائب عن الفاعل ويكون قوله عدد منصوب نصب المصدر العددي .

(الثالثة والعشرون) قوله ولا يقطع طولها هو بكسر الطاء وفتح الواو ويقال طيلها بالياء وكذا في الموطإ والطول والطيل الحبل الذي تربط به ، وقوله فاستنت بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق والنون المشددة أي جرت ، وقوله شرفا بفتح الشين المعجمة والراء المهملة وهو العالي من الأرض وقيل المراد هنا طلقا أو طلقين .

(الرابعة والعشرون) قوله فشربت منه وهو لا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات . هذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى ؛ لأنه إذا حصلت له هذه الحسنات من غير أن يقصد سقيها فإذا قصده فأولى بأضعاف الحسنات .

(الخامسة والعشرون) قوله ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة معنى الفاذة القليلة النظير والجامعة أي التامة المتناولة لكل خير ومعروف أي لم ينزل علي فيها نص بعينها لكن نزلت هذه الآية العامة وفيه إشارة إلى التمسك بالعموم قال النووي : وقد يحتج به من قال لا يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان يحكم بالوحي ويجاب للجمهور القائلين بجواز الاجتهاد بأنه لم يظهر له فيها شيء ا هـ

التالي السابق


الخدمات العلمية