صفحة جزء
وعن سالم عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في الحق آناء الليل والنهار .


(الحديث الثالث) وعن سالم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله [ ص: 72 ] القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في الحق آناء الليل والنهار . (فيه) فوائد : (الأولى) أخرجه الأئمة الستة خلا أبا داود من رواية سفيان بن عيينة وأخرجه مسلم من رواية يونس بن يزيد كلاهما عن الزهري عن سالم عن أبيه وفي صحيح البخاري عن علي بن المديني سمعت من سفيان مرارا لم أسمعه يذكر الخبر ، أي يذكر أخبار الزهري له إنما أتى بلفظ قال الزهري . قال وهو صحيح من حديثه .

(الثانية) قال النووي قال العلماء الحسد قسمان حقيقي ومجازي فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة ؛ وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة وإن كانت طاعة فهي مستحبة والمراد بالحديث لا غبطة محمودة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما انتهى ولهذا بوب البخاري على حديث ابن مسعود وهو بمعنى حديث ابن عمر هذا باب الاغتباط في العلم والحكمة فأشار إلى أن إطلاق الحسد في هذا الحديث مجاز ، وإنما هو اغتباط ويدل على أنه ليس المراد في هذا الحديث تمني زوال نعمة الإنفاق والقراءة عن صاحبها ، وإنما المراد أن يكون له مثلها قوله في حديث أبي هريرة وهو في صحيح البخاري لا تحاسد إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه من آناء الليل وآناء النهار فهو يقول لو أوتيت مثل هذا فعلت كما يفعل ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في حقه فيقول لو أوتيت مثل ما أوتى هذا عملت فيه مثل ما يعمل .

وروى الترمذي بسند صحيح من حديث أبي كبشة الأنماري مرفوعا إنما الدنيا لأربعة نفر ، عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا [ ص: 73 ] لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعمل لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل ، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء

وذكر أبو العباس القرطبي أن الحسد الحقيقي الذي هو تمني زوال نعمة الغير قد يكون غير مذموم بل محمود مثل أن يتمنى زوال النعمة عن الكافر أو عمن يستعين بها على المعصية ثم قال القرطبي في معنى هذا الحديث فكأنه قال لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الأمرين (قلت) فكأن هذين الأمرين لعظم الغبطة فيهما بولغ في شأنهما حتى نفيت الغبطة عما سواهما كأن الغبطة في غيرهما ليست غبطة بالنسبة لعظم الغبطة فيهما والله أعلم .

(الثالثة) قوله رجل مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف بتقدير مضاف محذوف أي هما خصلة رجل آتاه الله القرآن ورجل آتاه الله مالا ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه .

(الرابعة) قوله فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار يحتمل أن يراد بالقيام به تلاوته وعليه يدل قوله في حديث أبي هريرة فهو يتلوه من آناء الليل وآناء النهار ويحتمل أن يراد بالقيام به تفهمه والاستنباط منه والتفقه فيه وتعليمه للناس وعليه يدل قوله في حديث ابن مسعود وهو في الصحيحين ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها قال النووي والحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح ا هـ .

على أنه يحتمل أن يكون قوله في حديث أبي هريرة فهو يتلوه معناه يتبعه من التلو لا من التلاوة ، وقد ذكر الاحتمالان في قوله تعالى وأن أتلو القرآن ويحتمل أن المراد بالقيام به الأمران تلاوته والتفقه فيه وتعليمه فكل ذلك قيام به ، وقد قام على إرادة كل منهما دليل وهذا أظهر والاشتغال بالتعلم والتعليم أفضل من الاشتغال بالتلاوة والله أعلم .

(الخامسة) وبتقدير أن يجعل تعليمه للناس داخلا في القيام به فهل يشترط في ذلك أن يكون متبرعا به أم يدخل فيه تعليم بأجرة أيضا قال النووي في قوله في حديث ابن مسعود فهو يقضي بها ويعلمها معناه يعمل بها ويعلمها احتسابا .

(السادسة) ويدخل فيه أيضا القضاء بالعلم وفصل الخصومات به ويأتي فيه ما تقدم عن النووي أنه لا بد أن يفعل ذلك احتسابا ، وقد بوب البخاري على حديث [ ص: 74 ] ابن مسعود باب أجر من قضى بالحكمة .

(السابعة) قوله آناء الليل بالمد أي ساعاته وواحد الآناء إناء وأناء بكسر الهمزة وفتحها وإنو وإني بالواو والياء مع كسر الهمزة فيهما أربع لغات .

(الثامنة) قوله فهو ينفقه في الحق أي في الطاعات والحق هنا واحد الحقوق وهو يستعمل في المندوب كما يستعمل في الواجب ومنه الحديث إن في المال حقا سوى الزكاة رواه الترمذي ، وقد يراد بالحق هنا ضد الباطل ولكن يلزم عليه أن يكون المباح باطلا ، وقال ابن بطال إنفاق المال في حقه ثلاثة أقسام .

(الأول) أن ينفق على نفسه وأهله ومن تلزمه النفقة عليه غير مقتر عما يجب لهم ولا مسرف في ذلك كما قال الله تعالى والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما وهذه النفقة أفضل من الصدقة ومن جميع النفقات (والقسم الثاني) أداء الزكاة وإخراج حق الله تعالى لمن وجب له (والقسم الثالث) صلة الأهل البعداء ومواساة الصديق وإطعام الجائع وصدقة التطوع كلها ؛ فهذه نفقة مندوب إليها مأجور عليها لقوله عليه الصلاة والسلام الساعي على الأرملة واليتيم كالمجاهد في سبيل الله .

(التاسعة) أورده البخاري في كتاب الاعتصام ، وقال فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن قراءته الكتاب هو فعله ، وقال تعالى ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم وقال وافعلوا الخير لعلكم تفلحون

(العاشرة) لا يخفى أن ذكر الرجل خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له فالمرأة كذلك .

(الحادية عشرة) قال ابن بطال فيه أن الغني إذا قام بشروط المال وفعل فيه ما يرضي ربه عز وجل فهو أفضل من الفقير الذي لا يقدر على مثل حاله

التالي السابق


الخدمات العلمية