صفحة جزء
وعن همام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه . ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له لم يقل البخاري في الإذن وهو شاهد ، وقال لا يحل للمرأة الحديث وفي رواية له إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها ، وله مثله وللخازن مثل ذلك .


الحديث الثامن عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه ، وما أنفقت من كسبه [ ص: 140 ] من غير أمره فإن نصف أجره له .

(فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه مسلم عن محمد بن رافع وأبو داود عن الحسن بن علي كلاهما عن عبد الرزاق ولفظ مسلم لا تصم بلفظ النهي وزاد فيه أبو داود غير رمضان وأخرج البخاري الجملة الثالثة فقط عن يحيى بن جعفر عن عبد الرزاق وأخرج الحديث بتمامه في النكاح من صحيحه من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ، وما أنفقت من نفقة من غير أمره فإنه يؤدى إليه شطره ، وقال والدي رحمه الله في النسخة الكبرى من الأحكام وفي رواية له أي للبخاري إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها وله مثله وللخازن مثل ذلك ومقتضاه أن هذا اللفظ في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ، وإنما وقفت عليه فيه من حديث عائشة فليحرر ذلك والله أعلم .

(الثانية) قوله لا تصوم المرأة كذا هو في روايتنا بالرفع لفظه خبر ومعناه النهي وهو في صحيح مسلم بلفظ النهي لا تصم كما تقدم وفي صحيح البخاري لا يحل للمرأة أن تصوم

وهو صريح في تحريم ذلك وبه صرح الشافعية وحكاه النووي في الروضة وشرح مسلم عن أصحابنا وحكاه في شرح المهذب عن جمهور أصحابنا ثم قال : وقال بعض أصحابنا يكره والصحيح الأول ، قال فلو صامت بغير إذن زوجها صح باتفاق أصحابنا وإن كان الصوم حراما ؛ لأن تحريمه لمعنى آخر لا لمعنى يعود إلى نفس الصوم فهو كالصلاة في دار مغصوبة ، وقال صاحب البيان قبوله إلى الله تعالى قال النووي ومقتضى المذهب في نظائرها الجزم بعدم الثواب كما في الصلاة في دار مغصوبة انتهى .

ومن قال بالكراهة احتاج إلى تأويل قوله لا يحل على أن معناه ليس حلالا مستوي الطرفين بل هو راجح الترك مكروه وهو تأويل بعيد مستنكر ولو لم يرد هذا اللفظ فلفظ النهي الذي في صحيح مسلم ظاهر في التحريم ، وكذا لفظ المصنف ؛ لأن استعمال لفظ الخبر يدل على تأكيد النهي وتأكده يكون بحمله على التحريم والله أعلم .

قال النووي في شرح مسلم وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام وحقه واجب على الفور فلا يفوته [ ص: 141 ] بتطوع ولا بواجب على التراخي فإن قيل فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه فإن أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها فالجواب أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة ؛ لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد انتهى .

(الثالثة) قيد النهي عن الصوم بأن يكون بعلها أي زوجها شاهدا أي حاضرا مقيما في البلد ومفهومه أن لها صوم التطوع في غيبته وهو كذلك بلا خلاف كما ذكره النووي في شرح المهذب وهو واضح لزوال معنى النهي ، وما المراد بغيبته هنا ؟ هل المراد الغيبة المعتبرة في أكثر المسائل الشرعية وهي أن يكون على مسافة القصر أو المراد أن يكون فوق مسافة العدوى أو المراد مطلق الغيبة عن البلد ولو قلت المسافة وقصرت مدتها ؟ مقتضى إطلاق الحديث ترجيح هذا الاحتمال الثالث لكن لو ظنت قدومه في بقية اليوم بسبب من الأسباب فينبغي تحريم صوم ذلك اليوم وهذا لا يختص بهذا الاحتمال بل يجري على الاحتمالات كلها فمتى ظنت قدومه في يوم حرم عليها صومه ولو بعدت بلد الغيبة وطالت مدتها ويحتمل أن لا يحرم استصحابا للغيبة والأصل استمرارها .

(الرابعة) في معنى غيبته أن يكون مريضا لا يمكنه الاستمتاع بزوجته فلها حينئذ الصوم من غير إذنه فيما يظهر .

(الخامسة) هل المراد إذنه صريحا أو يكفي ما يقوم مقامه من احتفاف قرائن تدل على رضاه بذلك ؟ الظاهر أن احتفاف القرائن واطراد العادة يقوم مقام الإذن الصريح .

(السادسة) تقدم أن في رواية أبي داود غير رمضان وهذا لا بد من استثنائه فلا يحتاج في صوم رمضان إلى إذنه ولا يمتنع بمنعه وفي معنى صوم رمضان كل صوم واجب مضيق كقضاء رمضان إذا تعدت بالإفطار أو كان الفطر بعذر ولكن ضاق وقت القضاء بأن لم يبق من شعبان إلا قدر القضاء أو نذرت قبل النكاح أو بعده بإذنه صيام أيام بعينها ، والموسع كقضاء رمضان إذا كان الفطر بعذر ولم يضق الوقت والكفارة والنذر الذي ليس له وقت معين فهو كالتطوع في أن له منعها منه ، وقد صرح بذلك كله أصحابنا ، وقال النووي في شرح مسلم هذا محمول على صوم التطوع والمنذور الذي ليس له زمن معين (قلت) وكذا صوم الكفارة وقضاء رمضان إذا فات بعذر ولم يضق الوقت كما تقدم ، وقال ابن حزم تصوم [ ص: 142 ] الفروض كلها أحب أم كره . قال وصيام قضاء رمضان والكفارات وكل نذر تقدم لها قبل نكاحها إياه مضموم إلى رمضان ؛ لأن الله تعالى افترض كل ذلك كما افترض رمضان ، وقال تعالى وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم فأسقط الله عز وجل الاختيار فيما قضى به ، وإنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الاستئذان فيما فيه الخيار والله أعلم .

(السابعة) هذا الحديث ورد في ابتداء الصوم أما دوامه كما لو نكحها وهي صائمة فهل له حق في تفطيرها ؟ هذه مسألة قل من تعرض لها ، وقد ذكرها إبراهيم المروزي من أصحابنا ، وقال إنه ليس له إجبارها على الإفطار قال وفي نفقتها وجهان .

(الثامنة) في سنن أبي داود بيان سبب هذه الجملة الأولى من الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت ويفطرني إذا صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس قال : وصفوان عنده . فسأله عما قالت فذكر الحديث ، وفيه ، وأما قولها يفطرني فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها فينبغي ذكر ذلك في أسباب الحديث فقد ذكر الشيخ تقي الدين في شرح العمدة أن بعض المتأخرين شرع في تصنيف أسباب الحديث كأسباب نزول القرآن .

(التاسعة) قال النووي في شرح المهذب الأمة المستباحة لسيدها في صوم التطوع كالزوجة ، وأما الأمة التي لا تحل لسيدها بأن كانت محرما له كأخته أو كانت مجوسية أو غيرهما والعبد فإن تضررا بصوم التطوع بضعف أو غيره أو بنقص لم يجز بغير إذن السيد بلا خلاف وإن لم يتضررا ولم ينقصا جاز وأطلق ابن حزم الظاهري أنه لا يجوز لذات السيد أن تصوم تطوعا إلا بإذنه ، وقال البعل اسم للسيد وللزوج في اللغة .

(العاشرة) قوله ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه هو في روايتنا بالرفع كقوله لا تصوم لفظه خبر ومعناه النهي وفي رواية مسلم بالجزم على النهي الصريح كقوله في رواية لا تصم قال النووي في شرح مسلم فيه إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج وغيره من مالكي البيوت وغيرها بالإذن في أملاكهم إلا بإذنهم وهذا محمول على ما لا يعلم رضا الزوج [ ص: 143 ] ونحوه ، فإن علمت المرأة ونحوها رضاه به جاز كما سبق في النفقة .

(الحادية عشرة) يحتمل أن يكون المراد الإذن في الدخول عليها ويحتمل أن يراد مطلق دخول البيت وإن لم يكن فيه دخول عليها بأن أذنت في دخول شخص في مكان ليست فيه إما من حقوق الدار التي هي فيها وإما في دار أخرى منفردة عن سكنها وهذا الاحتمال الثاني هو مقتضى اللفظ فإنه ليس فيه تقييد ذلك بكون الدخول عليها والله أعلم .

(الثانية عشرة) في رواية المصنف ومسلم تقييد المنع بكون الزوج شاهدا أي حاضرا ومقتضاه أن لها الإذن في غيبته من غير استئذانه ولم يذكر هذا القيد في رواية البخاري والأخذ بالإطلاق هنا أولى فإن غيبته في ذلك كحضوره بل أولى بالمنع ، فقد يسمح الإنسان بدخول الناس منزله في حضوره ولا يسمح بذلك في غيبته وحينئذ فذكر القيد في رواية المصنف ومسلم خرج مخرج الغالب في أن الإذن للضيفان ونحوهم إنما يكون مع حضور صاحب المنزل أما إذا كان مسافرا فالغالب أن لا يطرق منزله أصلا ولو طرق لم تأذن المرأة في دخوله ، وقد قال عليه الصلاة والسلام إياكم والدخول على المغيبات وهن اللاتي غاب عنهن أزواجهن وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له كما تقرر في علم الأصول ، وقد يقال هذا القيد معمول به فإنه إذا حضر يعسر استئذانه وإذا غاب تعذر ، وقد تدعو الضرورة إلى الدخول عليها فيباح لها حينئذ ذلك للاحتياج إليه مع عدم الاستئذان لتعذره والأول أقرب والله أعلم .

(الثالثة عشرة) قوله وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له قال النووي في شرح مسلم معناه عن غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ويكون معها إذن عام سابق متبادل لهذا القدر وغيره إما بالصريح وإما بالعرف . قال ولا بد من هذا التأويل ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام جعل الأجر مناصفة ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها بل عليها وزر فيتعين تأويله . قال واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضى المالك به في العادة فإن زاد على المتعارف لم يجز وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة ونبه بالطعام أيضا على [ ص: 144 ] ذلك ؛ لأنه يسمح به في العادة بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس وفي كثير من الأحوال انتهى .

ويمكن أن يحمل ذلك على ما إذا أنفقت من مالها الذي اكتسبه وأعطاه لها في نفقتها فلها الأجر وإن لم يأذن لها في إنفاقه ؛ لأنه خالص ملكها وله الأجر باكتسابه ودفعه لها كما قال عليه الصلاة والسلام حتى ما تجعله في في امرأتك فجعل له الأجر فيما أعطاه لها فكيف ما انضم إلى ذلك أنها تصدقت به فكان باكتسابه سببا لتلك الصدقة ويدل لهذا ما في سنن أبي داود عقب حديث أبي هريرة هذا عن أبي هريرة في المرأة تصدق من بيت زوجها ؟ قال لا إلا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه وهذا إما مرفوع إن كان لا يقال مثله من قبل الرأي وإما موقوف لكنه من كلام راوي الحديث فهو أعلم بتفسيره والمراد به ، وقال أبو داود عقب روايته هذا يضعف حديث همام كذا حكى المزني في الأطراف وليس ذلك في أصلنا من السنن والله أعلم .

(الرابعة عشرة) قوله فإن نصف أجره له أي والنصف الآخر لها ، ويدل لذلك قوله في رواية أبي داود فلها نصف أجره فحصل من مجموع الروايتين أنه بينهما نصفين ويوافق ذلك ما في صحيح مسلم عن عمير مولى آبي اللحم قال : كنت مملوكا فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتصدق من مال موالي بشيء ؟ قال نعم والأجر بينكما نصفانوفي لفظ له أمرني مولاي أن أقدد لحما فجاءني مسكين فأطعمته منه فعلم بذلك مولاي فضربني فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فدعاه فقال لم ضربته ؟ قال يعطي طعامي بغير أن آمره ، قال الأجر بينكما وهذه المناصفة المذكورة في هذين الحديثين ليست على حقيقتها وظاهرها بل المراد أن لهذا ثوابا ولهذا ثوابا وإن كان أحدهما أكثر ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء بل قد يكون ثواب هذا أكثر ، وقد يكون عكسه ، وقوله هنا نصفان معناه قسمان وإن كان أحدهما أكثر كما قال الشاعر

إذا مــــت كــــان النـــاس نصفـــان شـامت وآخـر مثـن بـالذي كنت أصنع

فإذا أعطى المالك لخازنه أو امرأته أو غيرهما مائة درهم أو نحوها ليوصلها إلى مستحق الصدقة على باب داره أو نحوه فأجر المالك أكثر وإن أعطاه [ ص: 145 ] رمانة أو رغيفا ونحوهما حيث ليس له كبير قيمة ليذهب به إلى محتاج في مسافة بعيدة بحيث يقابل مشي الذاهب إليه بأجرة تزيد على الرمانة والرغيف فأجر الوكيل أكثر ، وقد يكون عمله قدر الرغيف مثلا فيكون مقدار الأجر سواء ، ذكر ذلك النووي في شرح مسلم ثم قال وأشار القاضي إلى أنه يحتمل أيضا أن يكونا سواء لأن الأجر فضل من الله تعالى ولا يدرك بقياس ولا هو بحسب الأعمال وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . قال النووي والمختار الأول ، وقال القاضي أبو بكر بن العربي المعنى بالمناصفة ههنا أنهما سواء في المثوبة كل واحد منهما له أجر كامل وهما اثنان فكأنهما نصفان انتهى .

وقال والدي رحمه الله في شرح الترمذي ويدل عليه قوله في بقية حديث عائشة لا ينقص كل واحد منهما من أجر صاحبه شيئا .

(الخامسة عشرة) ذكر والدي رحمه الله في شرح الترمذي حديث أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل يا رسول الله ولا الطعام ؟ قال ذلك أفضل أموالنا رواه الترمذي وابن ماجه وما رواه أبو داود عن أبي هريرة (في المرأة تصدق من بيت زوجها قال لا إلا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه) وما رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو قال لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قام خطيبا فقال في خطبته لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها وما رواه أبو داود والنسائي والترمذي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها أجر ولزوجها مثل ذلك وللخازن مثل ذلك ولا ينقص كل واحد منهم من أجر صاحبه شيئا ، له بما كسب ولها بما أنفقت وما رواه الأئمة الخمسة عن أسماء أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي فقال ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك لفظ مسلم وهو أتم وما رواه الأئمة الستة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعطت [ ص: 146 ] المرأة من بيت زوجها بطيب نفس غير مفسدة فإن لها مثل أجره لها ما نوت حسنا ، وللخازن مثل ذلك لفظ الترمذي وما رواه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها غير مفسدة عن غير أمره فلها نصف أجره) وهو حديث الباب وما رواه أبو داود عن سعد بن أبي وقاص قال لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر فقالت يا نبي الله إنا كل على آبائنا وأبنائنا قال أبو داود وأرى فيه وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم ؟ قال الرطب تأكلنه وتهدينه ثم قال : أحاديث الباب (منها) ما يدل على منع المرأة أن تنفق من بيت زوجها إلا بإذنه وهو حديث أبي أمامة وحديث أبي هريرة الأول وحديث عبد الله بن عمرو .

(ومنها) ما يدل على الإباحة وهو حديث عائشة الأول وحديث أسماء .

(ومنها) ما قيد فيه الترغيب في الإنفاق بكونه بطيب نفس منه وبكونها غير مفسدة وهو أصحها .

(ومنها) ما هو مقيد بكونها غير مفسدة وإن كان من غير أمره وهو حديث أبي هريرة الثاني .

(ومنها) ما قيد الحل فيه بكونه رطبا وهو حديث سعد بن أبي وقاص . قال وكيفية الجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف عادات البلاد وباختلاف حال الزوج في مسامحته بذلك وكراهته له وباختلاف الحال في الشيء المنفق بين أن يكون شيئا يسيرا يتسامح به وبين أن يكون له خطر في النفس يبخل بمثله وبين أن يكون رطبا يخشى فساده إن تأخر وبين أن يكون يدخر ولا يخشى عليه الفساد فقال الخطابي في المعالم عقب حديث عائشة هذا الكلام خارج على مذهب الناس بالحجاز وبغيرها من البلدان في أن رب البيت قد يأذن لأهله وعياله وللخادم في الإنفاق مما يكون في البيت من طعام وإدام ونحوه ويطلق أمرهم في الصدقة منه إذا حضرهم السائل ونزل بهم الضيف فحضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على لزوم هذه العادة واستدامة ذلك الصنيع ووعدهم الأجر والثواب عليه وأفرد كل واحد منهم باسمه ليتسارعوا إليه ولا يتقاعدوا عنه . قال وليس ذلك بأن تفتات المرأة والخازن على رب البيت بشيء لم يؤذن لهما فيه ولم يطلق لهما الإنفاق منه بل يخاف أن يكونا آثمين إذا فعلا ذلك والله أعلم .

وقال القاضي أبو بكر بن العربي : اختلف الناس في تأويل هذا الحديث [ ص: 147 ] على قولين فمنهم من قال : إنه في اليسير الذي لا يؤثر نقصانه ولا يظهر ، وقيل في الثاني : ذلك إذا أذن الزوج في ذلك وهو اختيار البخاري قال ويحتمل أن يكون عندي محمولا على العادة وأنها إذا علمت منه أنه لا يكره العطاء والصدقة وفعلت من ذلك القليل ولم تجحف وعلى ذلك عادة الناس في غير بلادنا ، وهذا معنى قوله بطيب نفس ومعنى غير مفسدة فطيب النفس يقتضي إذنه صريحا أو عادة ، وقوله غير مفسدة يقتضي اليسير الذي لا يجحف به انتهى .

وقال المنذري في حواشيه فرق بعضهم بين الزوجة والخادم بأن الزوجة لها حق في مال الزوج ولها النظر في بيتها فجاز لها أن تتصدق بما لا يكون إسرافا لكن بمقدار العادة وما تعلم أنه لا يؤلم زوجها ، فأما الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه

التالي السابق


الخدمات العلمية