صفحة جزء
باب طواف المتكئ على غيره عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيتني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها فهي تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت فسألت من هذا ؟ فقالوا هذا المسيح ابن مريم ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية فسألت من هذا ؟ فقيل المسيح الدجال


(باب طواف المتكئ على غيره)

عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيتني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمة كأحسن ما أنت راء [ ص: 97 ] من اللمم قد رجلها فهي تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت فسألت من هذا ؟ فقالوا هذا المسيح ابن مريم ، ثم إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية فسألت من هذا ؟ فقيل المسيح الدجال .

(فيه) فوائد:

(الأولى) أخرجه الشيخان من طريق مالك هكذا ومن طريق موسى بن عقبة عن نافع وفيه التصريح بأنه في المنام وفيه في ذكر الدجال زيادة كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن واضعا يديه على منكبي رجلين يطوف بالبيت ومن طريق الزهري ومسلم وحده من رواية حنظلة بن أبي سفيان كلاهما عن سالم عن أبيه، وفيه في وصف ابن مريم عند البخاري سبط الشعر . وعند مسلم سبط الرأس وفي وصف الدجال أحمر وفي رواية الزهري في الدجال جسيم .

(الثانية) قوله رأيتني بضم التاء وفي رواية الشيخين (أراني) وهو بفتح الهمزة وهي رؤيا منام كما تقدم ورؤيا الأنبياء وحي وحق.

(الثالثة) الكعبة معروفة، سميت بذلك لارتفاعها وتربيعها وكل بيت مربع فهو عند العرب كعبة وقيل سميت كعبة لاستدارتها وعلوها ومنه كعب الرجل ومنه كعب ثدي المرأة إذا علا واستدار.

(الرابعة) قوله آدم أي أسمر ذكره الجوهري وغيره وجمعه أدم بضم الهمزة وإسكان الدال وقال في النهاية الأدمة في الناس السمرة الشديدة ويوافقه قول ابن عبد البر الآدم الأسمر إذا علاه شيء من سواد قليلا وفي الصحيح من حديث أبي هريرة مرفوعا وفي وصف عيسى [ ص: 98 ] عليه السلام أنه أحمر . وهذا يخالف وصفه هنا بالأدمة وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أنكر رواية أحمر وحلف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله يعني وأنه اشتبه على الراوي

وقال النووي يجوز أن يتأول الأحمر على الآدم ولا يكون المراد حقيقة الحمرة والأدمة بل ما قاربها انتهى وما ذكرناه من تفسير الأدمة بالسمرة هو في بني آدم أما في الإبل فالآدم هو الأبيض إما مطلقا أو مع سواد المقلتين.

(الخامسة) اللمة بكسر اللام وتشديد الميم وجمعها لمم كقربة وقرب قال الجوهري وتجمع على لمام أيضا أي بزيادة ألف بين الميمين وهي الشعر المتدلي الذي يجاوز شحمة الأذنين فإذا بلغ المنكبين فهو جمة كذا ذكره والنووي وقبله الجوهري هنا وابن الأثير ، وعكس الجوهري في مادة وفر فقال الوفرة الشعرة إلى شحمة الأذن ثم الجمة ثم اللمة وهي التي ألمت بالمنكبين وقال ابن عبد البر اللمة الجمة وهي أكمل من الوفرة.

(السادسة) قوله رجلها بتشديد الجيم أي سرحها بمشط مع ماء أو غيره قاله النووي وغيره وقال القاضي عياض يريد والله أعلم بالماء أو بالمشط يقال شعر مرجل إذا مشط وشعر رجل إذا كان في خلقته وتكسيره على هيئة الممشوط. وقال ابن عبد البر يعني مشطها بعد أن بلها.

(السابعة) قوله فهي تقطر ماء قال القاضي عياض يحتمل أن يكون على ظاهره أي تقطر بالماء الذي رجلها به لقرب ترجيله وإلى هذا نحا القاضي الباجي وقال لعله نبه بذلك على أن ذلك مشروع بطواف الورود قال القاضي عياض ومعناه عندي أن يكون ذلك عبارة عن نضارته وحسنه واستعارة لجماله وكذا قال ابن عبد البر هو من الاستعارة العجيبة والكلام البديع وكان صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم.

(قلت) ويؤيده ما في سنن أبي داود عن أبي هريرة مرفوعا في وصف عيسى عليه السلام رجل مربوع إلى الحمرة والبياض كان رأسه يقطر ماء وإن لم يصبه بلل .

(الثامنة) قوله متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين شك من الراوي في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وليس شكا منه [ ص: 99 ] عليه الصلاة والسلام قاله ابن عبد البر ووجهه أنه إذا كان متكئا على عواتقهما فهو متكئ عليهما فلا يصح ترديد المتكلم بينهما وأما الناقل فقد يشك في اللفظ فيتحرى ولو روي بالمعنى لم يحتج لذلك.

(التاسعة) العواتق جمع عاتق وهو ما بين المنكب والعنق قاله في المحكم وقاله النووي هنا وقال في موضع آخر هو المنكب وقال في الصحاح موضع الرداء من المنكب وقال في المشارق ما بين المنكب إلى أصل العنق هذا قول أبي عبيدة وقال الأصمعي هو موضع الرداء من الجانبين وفيه لغتان التذكير والتأنيث والتذكير أفصح وأشهر وقال في المحكم التأنيث أنكر ليس يثبت وزعموا أن هذا البيت مصنوع وهو:


لا صلـــــح بينــــي فــــاعلموه ولا بينكــــم مــــا حــــملت عـــاتقي



قال اللحياني هو مذكر لا غير.

(العاشرة) قال القاضي عياض وأما طواف عيسى عليه السلام بالبيت فإن كانت رؤيا عين فعيسى عليه السلام حي لم يمت قال النووي يعني فلا امتناع في طوافه حقيقة قال القاضي وإن كانت رؤيا منام كما بينه ابن عمر في حديثه فهذا محتمل لما تقدم ولتأويل الرؤيا وعلى هذا يحمل ما ذكر من طواف الدجال بالبيت وأن ذلك رؤيا إذ قد ورد في الصحيح أنه لا يدخل مكة والمدينة مع أنه في رواية مالك لم يذكر طواف الدجال وهو أثبت ممن روى طوافه لما قلنا (قلت) سواء أكان في الحديث أنه طاف أم لا ففيه أنه رآه بمكة حول الكعبة وظاهره المنافاة لنفي دخوله مكة إلا أن يؤول.

فلا تتوقف المنافاة على طوافه ثم قال القاضي وقد يقال إن تحريم دخولها عليه إنما هو في زمن فتنته والله أعلم.

(الحادية عشرة) استدل به المصنف رحمه الله على جواز طواف المتكئ على غيره ولا أعلم فيه خلافا إنما الخلاف في طواف المحمول وقال القاضي عياض قد يحتج به من يجيز الطواف على الدابة وللمحمول بغير عذر بما ذكر من طواف عيسى عليه السلام على مناكب رجلين ومالك لا يجيزه إلا لعذر ويجاب عنه في قصة عيسى بأنها منام كما روي أو محتملة للمنام أو أنه ليس في الواجب أو لعله لعذر أو لأن شرع من قبلنا غير لازم لنا (قلت) ولا يلزم من صحة طواف المتكئ صحة طواف المحمول، والنزاع إنما هو في الثاني والأول ليس [ ص: 100 ] هو موضع خلاف فلا يحتاج إلى تكلف الجواب عنه والله أعلم.

وقد ذكر أصحابنا في صلاة المتكئ على غيره والمستند إلى شيء أنه إن سلب اسم القيام بحيث إنه لو رفع قدميه عن الأرض لأمكنه البقاء فهو معلق نفسه وليس بقائم فلا تصح صلاته وإن لم يكن كذلك ففيه أوجه:

(أصحها) صحة صلاته وإن كان بحيث لو رفع السناد لسقط.

(والثاني) عدم الصحة مطلقا.

(والثالث) التفصيل فيصح إن كان بحيث لو رفع السناد لم يسقط وإلا فلا ولا يتجه مثل ذلك في الطواف فإنه لا يشترط فيه القيام حتى لو طاف زخفا صح مع القدرة كما ذكره القاضي أبو الطيب وحكاه عنه النووي في شرح المهذب لكن قال إنه مكروه.

(الثانية عشرة) المسيح ابن مريم لا خلاف في أنه بفتح الميم وكسر السين مخففة واختلف في سبب تسميته بذلك.

قال الواحدي ذهب أبو عبيد والليث إلى أن أصله بالعبرانية مشيحا فعربته العرب وغيرت لفظه كما قالوا موسى وأصله موشى أو ميسا بالعبرانية فلما عربوه غيروه فعلى هذا لا اشتقاق له قال وذهب أكثر العلماء إلى أنه مشتق وكذا قال غيره إنه مشتق على قول الجمهور ثم اختلف هؤلاء فحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لم يمسح ذا عاهة إلا برأ قال إبراهيم وابن الأعرابي المسيح الصديق وقيل لكونه مسيح أسفل القدمين لا أخمص له وقيل لمسح زكريا إياه وقيل لمسحه الأرض أي قطعها.

وقيل لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن وقيل لأنه مسح بالبركة حين ولد وقيل لأن الله تعالى مسحه أي خلقه خلقا حسنا وقيل غير ذلك.

(الثالثة عشرة) قوله جعد بفتح الجيم وإسكان العين المهملة.

وقوله قطط بفتح القاف والطاء الأولى هذا هو المشهور وحكى القاضي عياض كسرها أيضا والشعر الجعد هو الذي فيه تقبض والتواء ضد البسط وهو المسترسل والقطط هو شديد الجعودة قاله الجوهري والقاضي عياض وغيرهما وكذا قال في النهاية ثم قال وقيل الحسن الجعودة قال والأول أكثر وقال الهروي والجعد في صفات الرجال يكون مدحا ويكون ذما فإذا كان ذما فله معنيان:

(أحدهما) القصير المتردد الحلق.

(والآخر) البخيل يقال رجل جعد اليدين وجعد الأصابع [ ص: 101 ] أي بخيل.

وإذا كان مدحا فله أيضا معنيان:

(أحدهما) أن يكون معناه سديد الحلق.

والآخر أن يكون شعره جعدا غير سبط فيكون مدحا لأن السبوطة أكثرها في شعور العجم.

قال القاضي عياض قال غير الهروي الجعد في صفة الرجال ذم وفي صفة عيسى عليه السلام مدح (قلت) تقدم في الفائدة الأولى أن في الصحيحين من رواية سالم عن أبيه وصف عيسى بالسبوطة وفي صحيح البخاري من طريق مجاهد عن ابن عمر مرفوعا فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر فتبين أن كلا منهما قد وصف بالجعودة.

(الرابعة عشرة) قوله كأنها عنبة طافية روي بالهمز وبغير همز فمن همز فمعناه ذهب ضوءها ومن لم يهمز فمعناه ناتئة بارزة ثم إن في هذه الرواية أنه أعور العين اليمنى وهو المشهور وفي رواية أخرى أنه أعور العين اليسرى وقد ذكرهما جميعا مسلم في آخر صحيحه وكلاهما صحيح قال القاضي عياض روينا هذا الحرف وهو طافية عن أكثر شيوخنا بغير همز وهو الذي صححه أكثرهم وإليه ذهب الأخفش ومعناه ناتئة كنتوء حبة العنب من بين صواحبها وضبطه بعض شيوخنا بالهمزة وأنكره بعضهم ولا وجه لإنكاره وقد وصف في الحديث بأنه ممسوح العين وأنها ليست حجرا ولا ناتئة وأنها مطموسة وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها وهذا يصحح رواية الهمز.

وأما ما جاء في الأحاديث الأخر جاحظ العين وكأنها كوكب وفي رواية لها حدقة جاحظة كأنها نخاعة في حائط فيصحح رواية ترك الهمز لكن يجمع بين الأحاديث وتصحح الروايات جميعا بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست حجرا ولا ناتئة هي العوراء الطائفة بالهمز وهي العين اليمنى كما جاء هنا وتكون الجاحظة والتي كأنها كوكب وكأنها نخاعة هي الطافية بغير همز وهي العين اليسرى كما جاء في الرواية الأخرى وهذا جمع بين الأحاديث والروايات في الطافئة بالهمز وبتركه وأعور اليمنى واليسرى لأن كل واحدة منهما عوراء فإن الأعور من كل شيء المعيب لا سيما ما يختص بالعين وكلا عيني الدجال معيبة عوراء فإحداهما بذهابها، والأخرى بعيبها انتهى كلام القاضي .

وحكاه عنه النووي ثم قال وهو في نهاية من الحسن وذكر [ ص: 102 ] ابن عبد البر أن حديث أعور العين اليمنى أثبت من جهة الإسناد فأشار إلى الترجيح والجمع إن أمكن مقدم والله أعلم.

(الخامسة عشرة) المشهور في لفظ المسيح الدجال أنه بفتح الميم وكسر السين مخففة وبالحاء المهملة كالمسيح ابن مريم عليه السلام إلا أن هذا مسيح الهدى وذاك مسيح الضلالة وضبط الدجال بثلاثة أوجه أخرى:

(أحدها) كسر الميم وتشديد السين وبالحاء المهملة أيضا.

(والثاني) فتح الميم وتخفيف السين وبالحاء المعجمة.

(والثالث) كسر الميم وتشديد السين وبالخاء المعجمة.

وقد تقدم بسط ذلك في باب الدعاء من هذا الكتاب

التالي السابق


الخدمات العلمية