صفحة جزء
وعن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبستين وعن بيعتين عن الملامسة والمنابذة وعن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه وعن همام عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين ولبستين أن يحتبي أحدكم في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء، وأن يشتمل في إزاره إذا ما صلى إلا أن يخالف بين طرفيه على عاتقه ونهى عن اللمس والنجش زاد البخاري في رواية وعن صيامين وعن صلاتين وزاد مسلم أما الملامسة فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه ولم يذكر البخاري التفسير إلا من حديث أبي سعيد الخدري .


(الحديث السادس)

وعن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبستين وعن بيعتين عن الملامسة والمنابذة وعن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وعن أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه وعن همام عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين ولبستين أن يحتبي أحدكم في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء، وأن يشتمل في إزاره إذا ما صلى إلا أن يخالف بين طرفيه على عاتقه ونهى عن اللمس والنجش .

(فيه) فوائد:

(الأولى) الرواية الأولى في الموطإ عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان ، وأبي الزناد كلاهما [ ص: 99 ] عن الأعرج عن أبي هريرة قال ابن عبد البر : هو في الموطإ عن جماعة رواية بهذا الإسناد. انتهى.

وأسقط الشيخ - رحمه الله - ذكر محمد بن يحيى بن حبان لأنه ليس من التراجم التي ذكرها في خطبة الكتاب، وقد عرف أن الحديث إذا كان جميعه عن روايتين ثقتين جاز حذف أحدهما، ورواه البخاري والنسائي من طريق مالك عنهما مقتصرين على النهي عن الملامسة والمنابذة، ورواه البخاري ومسلم من طريق مالك عن أبي الزناد فقط، وأخرجه مسلم من رواية مالك عن ابن حبان فقط مقتصرا على الملامسة والمنابذة، واتفق عليه الشيخان والترمذي من رواية سفيان الثوري عن أبي الزناد ، وأخرجه الشيخان أيضا والنسائي وابن ماجه من رواية حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبي هريرة وزاد فيه البخاري وعن صلاتين نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس . واقتصر مسلم والنسائي على البيعتين، وأخرجه البخاري من رواية عطاء بن ميناء عن أبي هريرة قال نهى عن صيامين وعن بيعتين الفطر والنحر والملامسة والمنابذة ، وأخرج منه مسلم من هذا الوجه البيعتين فقط وزاد أما الملامسة فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل، والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه ولم يذكر البخاري التفسير إلا من حديث أبي سعيد الخدري ، وأخرج مسلم أيضا قصة البيعتين بدون تفسيرهما من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة .

(الثانية) قوله (نهى عن لبستين) هو بكسر اللام ؛ لأنه من [ ص: 100 ] الهيئة والحالة قال القاضي في المشارق: وروي بضم اللام على اسم الفعل والأول هنا أوجه، وقال في النهاية: روي بالضم على المصدر والأول الوجه. .

وقوله (وعن بيعتين) بفتح أوله والمراد به المرة من البيع ولما فصل ذكر البيعتين قبل اللبستين.

(الثالثة) فيه النهي عن بيع الملامسة وهو من بيوع الجاهلية وقد فسره في الحديث بأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل. ولأصحابنا في تفسيره ثلاثة أوجه:

(أحدها) تأويل الشافعي وهو أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول صاحبه بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته.

(الثاني) أن يجعلا نفس اللمس بيعا فيقول إذا لمسته فهو مبيع لك.

(الثالث) أن يبيعه شيئا على أنه متى لمسه انقطع خيار المجلس وغيره ولفظ الحديث الذي حكيناه يوافق التأويل الأول وكذا لفظ حديث أبي سعيد والملامسة: لمس الثوب ولا ينظر إليه وهذا البيع باطل بالاتفاق على التأويلات كلها.

(أما على الأول) فواضح إن أبطلنا بيع الغائب.

وأما إذا صححناه فلإقامة اللمس مقام النظر، وقال بعضهم يتخرج على نفي شرط الخيار. (وأما على الثاني) فالتعليق في الصيغة وعدوله عن الصيغة الموضوعة شرعا وقال بعضهم هذا من صور المعاطاة (وأما على الثالث) فللشرط الفاسد .

(الرابعة) وفيه النهي عن بيع المنابذة وهو من بيوع الجاهلية أيضا وقد فسره في الحديث بأن ينبذ كل واحد ثوبه للآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه ويوافقه قوله في حديث أبي سعيد وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ولأصحابنا في تفسيره ثلاثة أوجه:

(أحدها) أن يجعلا نفس النبذ بيعا وهو تأويل الشافعي . (والثاني) أن يقول بعتك فإذا نبذته إليك انقطع الخيار ولزم البيع. و (الثالث) المراد نبذ الحصاة وفي بيع الحصاة تأويلات (أحدها) أن يقول بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة. و (الثاني) أن يقول بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة. و (الثالث) أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعا فيقول إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع [ ص: 101 ] منك بكذا قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة، واعلم أن في كلا الموضعين يحتاج إلى الفرق بين المعاطاة وبين هاتين الصورتين فإذا علل بعدم الرؤية المشترطة فالفرق ظاهر، وإذا فسر بأمر لا يعود إلى ذلك احتيج حينئذ إلى الفرق بينه وبين مسألة المعاطاة عند من يجيزها. .

(قلت) الفرق بينهما أن المعاطاة عند من يجيزها إنما تجوز في المحقرات أو فيما جرت العادة فيه بالمعاطاة، والمنابذة والملامسة عند من كان يستعملها لا يخصهما بذلك لكن ما بحثه الشيخ تقي الدين نقله الرافعي عن الأئمة فنقل عنهم أنه يجري في بيع المنابذة الخلاف الذي في المعاطاة فإن المنابذة مع قرينة البيع هي المعاطاة بعينها وحكى الرافعي أيضا عن المتولي أن بيع الملامسة في حكم المعاطاة. انتهى.

وقد عرفت الفرق بينهما .

(الخامسة) استدل به على أن بطلان بيع الغائب بناء على أن المعنى في الملامسة والمنابذة عدم الرؤية وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:

(أحدها): البطلان مطلقا وهو قول الشافعي في الجديد نص عليه في الأم وفي رواية البويطي واختاره المزني . و (الثاني) الصحة مطلقا سواء وصف أم لا ولكن يثبت له الخيار إذا رآه إن شاء أخذه، وإن شاء رده وهذا قول أبي حنيفة وهو قول عن مالك نص عليه في المدونة، وأنكره بعضهم وحكاه ابن عبد البر وابن بطال قولا للشافعي ثم حكى ابن عبد البر عن أبي القاسم القزويني القاضي أنه قال الصحيح عند الشافعي إجازة بيع الغائب على خيار الرؤية إذا نظر إليه وافق الصفة أو لم يوافقها مثل قول أبي حنيفة والثوري سواء، قال هذا في كتبه المصرية. انتهى.

وما حكاه عن الشافعي لا يعرف عنه في شيء من كتب أصحابه والذي قاله في كتبه المصرية إنما هو البطلان مطلقا كما تقدم. و (الثالث) الصحة إن وصف، وإلا فلا وهذا قول الشافعي في القديم والإملاء والصرف من الجديد وصححه من أصحابه البغوي والروياني وغيرهما وهو مذهب مالك وأحمد ، وأهل الظاهر، وإن اختلفوا في تفاصيله.

فقال الشافعية تفريعا على هذا القول: يشترط ذكر جنس المبيع ونوعه وفي وجه يكفي ذكر الجنس ولا حاجة إلى النوع وفي وجه لا يحتاج إلى الجنس أيضا فيقول بعتك ما في كمي أو كفي أو خزانتي أو ميراثي من فلان [ ص: 102 ] وهو لا يعرفه وهما شاذان ضعيفان.

وفي وجه يفتقر إلى ذكر معظم الصفات وضبط ذلك بما يصفه المدعي عند القاضي قاله القاضي أبو حامد وفي وجه يفتقر إلى صفات السلم قاله أبو علي الطبري .

وهذا الأخير هو مذهب الحنابلة لم يجوزوا بيع الغائب إلا مع وصفه بصفات السلم إن كان مما يجوز السلم فيه، واعتبر المالكية وصفه بما يختلف الثمن به واشترطوا أيضا ألا يكون المبيع في مكان بعيد جدا كإفريقية من خراسان ولا قريب يمكن رؤيته من غير مشقة فإن كان بمشقة جاز على الأشهر وفي المدونة أنه يجوز بيع الأعدال على البرنامج بخلاف الثياب المطوية وشبهها والفرق بينهما عمل الماضين، وأنكر ذلك الشافعي فقال: أجاز الغرر الكثير ومنع اليسير ثم اختلفوا في ثبوت الخيار فيما إذا وجده كما وصف فقال المالكية والحنابلة : لا خيار وهو وجه عند الشافعية والأصح عندهم ثبوت الخيار كما لو وجده على خلاف تلك الصفة.

وقال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة لما ذكر الاستدلال به على بطلان بيع الغائب ومن يشترط الوصف في بيع الأعيان الغائبة لا يكون الحديث دليلا عليه ؛ لأنه لم يذكر وصفا، وذكر ابن حزم الظاهري أن الشافعية استدلوا على منع الغائب بنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر وعن الملامسة والمنابذة قال ولا حجة لهم فيه ؛ لأن بيع الغائب إذا وصف عن رؤية وخبرة ومعرفة قد صح ملكه لما اشترى فأين الغرر.

قال: ومما يبطله أنه لم يزل المسلمون يتبايعون الضياع بالصفة وهي في البلاد البعيدة وقد باع عثمان ابن عمر رضي الله عنهم مالا لعثمان بخيبر بمال لابن عمر بوادي القرى انتهى.

وهو عجيب فإنه نقل هذا عن المسلمين ثم لما فصل ذلك لم ينقل سوى قضية واحدة وعمل العدد المحصور من الصحابة ليس بحجة ولو كان هنا إجماع لأخذنا به والناصرون لهذا القول عن الشافعي يقولون في المعاينة والرؤية ما لا يدرك بالوصف وليس بيع الأعيان كالسلم فالقصد هنا الأعيان وهناك الأوصاف والله أعلم .

(السادسة) استدل به على أنه لا يصح بيع الأعمى ولا شراؤه وهو قول الشافعية سواء قلنا بجواز البيع على الوصف أم لا ؛ لأنه لا سبيل إلى رؤيته فيكون كبيع الغائب على أن لا خيار وقال بعض أصحابنا يجوز إذا قلنا بجواز البيع على الوصف ويقام [ ص: 103 ] وصف غيره فإنه له مقام رؤيته وبه قال مالك وأحمد وقال بعض المالكية لا يصح ذلك منه إذا كان عماه أصليا وقد تقدم عن أبي حنيفة تجويز البيع بدون رؤية ووصف ولا فرق في ذلك بين البصير والأعمى، وقال في الأعمى: إن خياره يسقط بجمعه المبيع إذا كان يعرف بالجس وبشمه إذا كان يعرف بالشم وبذوقه إذا كان يعرف بالذوق كما في البصير قال ولا يسقط خياره في العقار حتى يوصف له ؛ لأن الوصف يقوم مقام الرؤية كما في السلم وعن أبي يوسف أنه إذا وقف في مكان لو كان بصيرا لرآه فقال رضيت سقط خياره ؛ لأن التشبه يقام مقام الحقيقة في موضع العجز كتحريك الشفتين مقام القراءة في حق الأخرس في الصلاة، وإجراء الموسى مقام الحلق في حق من لا شعر له في الحج وقال الحسن بن زياد اللؤلؤي يوكل وكيلا يقبضه وهو يراه، قال صاحب الهداية وهذا أشبه بقول أبي حنيفة - رحمه الله - لأن رؤية الوكيل رؤية الموكل .

(السابعة) قوله (يحتبي) بالحاء المهملة والتاء المثناة من فوق، والباء الموحدة والاحتباء بالمد هو أن يقعد الإنسان على أليته وينصب ساقيه ويحتوي عليهما بثوب أو نحوه أو بيده وهذه القعدة يقال لها الحبوة بضم الحاء وكسرها وكان هذا الاحتباء عادة للعرب في مجالسهم فنهى عنه إذا أدى إلى انكشاف العورة بأن يكون عليه ثوب واحد قصير فإذا قعد على هذه الهيئة انكشفت عورته ولو كان عليه ثياب كثيرة وكلها قصيرة بحيث تنكشف عورته إذا جلس هكذا كان حراما أيضا، وذكر الثوب الواحد في الحديث خرج مخرج الغالب في أن الانكشاف إنما يكون مع الثوب الواحد دون الثياب الكثيرة وكشف العورة حرام بحضور الناس وكذا في الخلوة على الأصح إذا كان لغير حاجة واقتصر في الحديث على ذكر الفرج لفحشه ونبه به على ما سواه من العورة وقد تعلق به من ذهب إلى أن العورة السوأتان فقط، وكره الصلاة محتبيا ابن سيرين ، وأجازها الحسن والنخعي وعروة وسعيد بن المسيب وعبيد بن عمير وكان سعيد بن جبير يصلي محتبيا فإذا أراد أن يركع حل حبوته ثم قام وركع، وصلى التطوع محتبيا عطاء وعمر بن عبد العزيز .

(الثامنة) فيه النهي عن اشتمال الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه وهو الذي يقال [ ص: 104 ] له اشتمال الصماء وقد فسره الأصمعي وغيره بأن يشتمل بالثوب حتى يجلل به صدره لا يرفع منه جانبا ولا يبقى ما يخرج منه يده وهذا يقوله أكثر أهل اللغة قال ابن قتيبة سميت صماء ؛ لأنه سد المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع قال أبو عبيد .

وأما الفقهاء فيقولون هو أن يشتمل بثوب ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على أحد منكبيه. قال النووي قال العلماء فعلى تفسير أهل اللغة يكره الاشتمال المذكور لئلا تعرض له حاجة من دفع بعض الهوام ونحوها أو غيرها فيعسر عليه أو يتعذر فيلحقه الضرر، وعلى تفسير الفقهاء يحرم الاشتمال المذكور إن انكشف بعض العورة، وإلا فيكره.

(قلت): ويدل على أن المراد في الحديث ما فسره به الفقهاء قوله فيه على أحد شقيه، وليس في تفسير أهل اللغة رفعه على أحد شقيه وقوله في الرواية الثانية إذا ما صلى فإنه يدل على أن المعنى فيه الاحتياط للعورة لأجل الصلاة فإن المعنى الأول من عجزه عن الحركة والتصرف لا تعلق له بالصلاة وكذا قوله في الرواية الثانية أيضا إلا أن يخالف بين طرفيه على عاتقه فإنه يدل على أن المعنى الاحتياط للعورة لئلا تنكشف وذلك يؤمن بالمخالفة بين طرفيه وربطه على عاتقه بخلاف المعنى الأول فإن المخالفة بين طرفيه على عاتقه لا يؤيده إلا تأكدا وشدة والله أعلم.

(التاسعة) اللمس المذكور في الرواية الثانية هو الملامسة المذكورة في بقية الروايات وذكر فيها بدل المنابذة النجش وقد تقدم الكلام فيه .

(العاشرة) قوله (نهى عن لبستين وعن بيعتين) لا يقتضي اختصاص النهي بالمذكور حتى يدل على انتفاء النهي عن لبسة ثالثة وبيعة ثالثة فإن هذا في معنى مفهوم اللقب وقد اختلف أهل الأصول في أن مفهوم العدد حجة أم لا ، وأما هذا فسماه الشيخ تقي الدين السبكي - رحمه الله - مفهوم المعدود ومثل له بقوله صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتان ودمان وذكر أن مفهومه ليس حجة وفرق بينه وبين مفهوم العدد عند القائل بأنه حجة بأن العدد شبه الصفة ؛ لأن قولك في خمس من الإبل في قوة قولك في إبل خمس بجعل الخمس صفة للإبل وهي إحدى صفتي الذات ؛ لأن الإبل قد تكون خمسا وقد تكون أقل أو أكثر فلما قيد وجوب [ ص: 105 ] الشاة بالخمس فهم أن غيرها يخالفه فإذا قدمت لفظ العدد كان الحكم كذلك والمعدود لم يذكر معه أمر زائد يفهم منه انتفاء الحكم عما عداه فصار كاللقب واللقب لا فرق فيه بين أن يكون واحدا أو مثنى ألا ترى أنك لو قلت رجال لم يتوهم أن صيغة الجمع عدد ولا يفهم منها ما يفهم من التخصيص بالعدد فكذلك المثنى ؛ لأنه اسم موضوع للاثنين ؛ لأن الرجال اسم موضوع لما زاد والله أعلم .

(الحادية عشرة) قال النووي في شرح مسلم : اعلم أن بيع الملامسة والمنابذة وحبل الحبلة وبيع الحصاة وعسب الفحل ، وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة هي داخلة في النهي عن بيع الغرر ولكن أفردت بالذكر ونهي عنها ؛ لكونها من بيعات الجاهلية المشهورة قال والنهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول البيوع ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة وقد تحتمل بعض الغرر تبعا إذا دعت إليه حاجة كالجهل بأساس الدار وكما إذا باع الشاة الحامل والتي في ضرعها اللبن فإنه يصح البيع ؛ لأن الأساس تابع للظاهر من الدار ؛ ولأن الحاجة تدعو إليه فإنه لا يمكن رؤيته وكذا القول في حمل الشاة ولبنها وكذلك أجمع العلماء على جواز أشياء فيها غرر حقير.

(منها) أنهم أجمعوا على صحة بيع الجبة المحشوة ، وإن لم ير حشوها ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز، وأجمعوا على إجارة الدار والدابة والثوب ونحو ذلك شهرا مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين، وأجمعوا على جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء وفي قدر مكثهم، وأجمعوا على جواز الشرب من السقاء بالعوض مع جهالة قدر المشروب واختلاف عادة الشاربين. قال: وعكس هذا أجمعوا على بطلان بيع الأجنة في البطون والطير في الهواء قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر، والصحة مع وجوده على ما ذكرناه هو أنه إن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة أو كان الغرر حقيرا جاز البيع، وإلا فلا وما وقع في بعض مسائل الباب من اختلاف العلماء في صحة البيع فيها [ ص: 106 ] وفساده كبيع العين الغائبة مبني على هذه القاعدة فبعضهم يرى أن الغرر حقير فيجعله كالمعدوم فيصحح البيع ؛ وبعضهم يراه ليس بحقير فيبطل البيع، والله أعلم. انتهى.

ومن بيوع الغرر ما ذكره النووي في شرح المهذب أن ما يعتاده الناس من الاستحراز من الأسواق بالأوراق ليس بصحيح ؛ لأن الثمن ليس حاضرا حتى يكون معاطاة ولم يوجد صيغة يصح بها العقد .

التالي السابق


الخدمات العلمية