صفحة جزء
وعن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم اسق ربك أطعم ربك وضئ ربك، ولا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي ومولاي ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل فتاي فتاتي غلامي زاد مسلم في رواية بعد قوله غلامي وجاريتي وفي رواية له ولا يقل العبد لسيده مولاي فإن مولاكم الله عز وجل


(الحديث الثالث)

وعن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم اسق ربك أطعم ربك وضئ ربك ولا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي ومولاي ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل فتاي غلامي

(فيه) فوائد:

(الأولى) أخرجه الشيخان من [ ص: 221 ] هذا الوجه، البخاري عن محمد، وهو ابن يحيى الذهلي ومسلم عن محمد بن نافع كلاهما عن عبد الرزاق ، وأخرجه مسلم والنسائي في عمل اليوم والليلة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ لا يقولن أحدكم عبدي، وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ولكن ليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي ، وأخرجاه أيضا من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ لا يقولن أحدكم عبدي فإن كلكم عبيد الله ولكن ليقل فتاي ولا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله ولكن ليقل سيدي ، وأخرجه أبو داود والنسائي في اليوم والليلة من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بلفظ لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولا المولى ربي وربتي ولكن ليقل المالك فتاي وفتاتي والمملوك سيدي وسيدتي فإنكم المملوكون والرب الله .

(الثانية) فيه نهي المملوك أن يقول لسيده رب وكذلك نهي غيره فلا يقل أحد للمملوك ربك ويدخل في ذلك أن يقول السيد ذلك عن نفسه فإنه قد يقول اسق ربك فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه بل هذا أولى بالنهي من قول العبد أو الأجنبي ذلك عن السيد والمعنى في ذلك أن الربوبية حقيقتها لله تعالى ؛ لأن الرب هو المالك أو القائم بالشيء ولا يوجد هذا حقيقة إلا في الله تعالى فإن قيل فقد قال الله تعالى حكاية عن السيد يوسف عليه السلام اذكرني عند ربك و ارجع إلى ربك إنه ربي أحسن مثواي وقال النبي صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها أو ربها قلت أجيب عن ذلك بجوابين:

(أحدهما) أن هذا الحديث الثاني وما في معناه لبيان الجواز، وأن النهي في الأول للأدب والتنزيه دون التحريم..

(ثانيهما) أن المراد النهي عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة، ولم ينه عن إطلاقها في نادر من الأحوال واختار القاضي عياض هذا الجواب الثاني.

(الثالثة) ذكر السقي والإطعام والوضوء أمثلة والمقصود بالنهي استعمال لفظ الرب وإنما ذكرت هذه الأمور لغلبة استعمالها في المخاطبات ويجوز في همزة اسق الوصل والقطع ؛ لأنه يستعمل ثلاثيا ورباعيا .

(الرابعة) فيه أنه لا بأس بأن يقول المملوك عن مالكه سيدي وذلك ؛ لأن لفظة السيد غير مختصة [ ص: 222 ] بالله تعالى اختصاص الرب، ولا مستعملة فيه كاستعمالها حتى نقل القاضي عياض عن مالك أنه كره الدعاء بسيدي ولم يأت تسميته تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما إن ابني هذا سيد وقال قوموا إلى سيدكم يعني سعد بن معاذ وقال اسمعوا ما يقول سيدكم يعني سعد بن عبادة قال النووي : فليس في قول العبد سيدي إشكال ولا لبس ؛ لأنه يستعمله غير العبد والأمة.

وقال أبو العباس القرطبي : إنما فرق بين الرب والسيد ؛ لأن الرب من أسماء الله تعالى بالاتفاق واختلف في السيد هل هو من أسماء الله تعالى أم لا ؟. فإذا قلنا: ليس من أسمائه فالفرق واضح إذ لا التباس ولا إشكال يلزم من إطلاقه كما يلزم من إطلاق الرب. وإذا قلنا: إنه من أسمائه فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيحصل الفرق بذلك، وأما من حيث اللغة فالرب مأخوذ من " رب الشيء والولد يربه ورباه يربيه إذا قام عليه بما يصلحه ويكمله فهو رب وراب " والسيد من السؤدد وهو التقدم يقال ساد قومه إذا تقدمهم ولا شك في تقديم السيد على غلامه فلما حصل الافتراق جاز الإطلاق. انتهى.

(الخامسة) فيه أنه لا بأس بقوله مولاي أيضا ويعارضه ما تقدم من عند مسلم والنسائي من النهي عنه، وقد بين مسلم رحمه الله الاختلاف في ذلك على الأعمش ، وأن أبا معاوية ووكيعا ذكراها عن الأعمش وجرير بن عبد الحميد لم يذكرها عنه قال القاضي عياض : وحذفها أصح. وقال أبو العباس القرطبي : روي من طرق متعددة مشهورة وليس ذلك مذكورا فيها فظهر أن اللفظ الأول أرجح، وإنما صرنا للترجيح للتعارض بينهما، والجمع متعذر والعلم بالتاريخ مفقود فلم يبق إلا الترجيح كما ذكرناه. انتهى.

وقال النووي في توجيهه جواز ذلك: أن المولى يقع على ستة عشر معنى سبق بيانها منها الناظر والمالك (قلت) وقد رأيت من شيوخنا من يتوقف في التقريظ وتعظيم الأقران في كتابة سيدنا ويكتب مولانا وسببه أن السيد وصف ترجح بلا شك، وأما المولى فقد يطلق خاليا عن الرجحان كما في العتيق ونحوه، وذلك يقتضي أن استعمال مولاي أسهل، وأقرب إلى عدم الكراهة من سيدي، والله أعلم.

وقال ابن حزم الظاهري فإن [ ص: 223 ] قال مولاي فذلك مباح والأفضل أن يقول سيدي .

(السادسة) فيه نهي السيد أن يقول لمملوكه عبدي، وأمتي وإرشاده إلى أن يقول غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي ؛ وذلك لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى ولأن فيها تعظيما لا يليق بالمخلوق واستعماله لنفسه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك فقال كلكم عبيد الله فنهى عن التطاول في اللفظ كما نهى عن التطاول في الفعل، وفي إسبال الإزار ونحوه. وأما لفظ غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي فليس دالا على الملك كدلالة عبدي مع أنه يطلق على الحر والمملوك وإضافته دالة على الاختصاص قال الله تعالى وإذ قال موسى لفتاه وقال لفتيانه قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم واستعمال الجارية في الحرة الصغيرة معروف في استعمال العرب وهو مشهور في الجاهلية والإسلام، وأصل الفتوة الشباب، وقد يستعمل الفتى فيمن كملت فضائله ومكارمه كما جاء لا فتى إلا علي ومن هذا أخذ الصوفية الفتوة المتعارفة بينهم، وأصل مدلوله الغلام الصغير إلى أن يبلغ، وقد يطلق على الرجل المستحكم القوة وهو على هذا إما مأخوذ من الغلمة وهي شهوة النكاح وكذلك الجارية في الإناث كالغلام في الذكور .

(السابعة) هذا النهي على التنزيه دون التحريم، وقد حمله على ذلك جميع العلماء حتى أهل الظاهر ، وأشار إلى ذلك البخاري في صحيحه فبوب باب كراهية التطاول على الرقيق وقوله عبدي، وأمتي وقال الله تعالى والصالحين من عبادكم وإمائكم وقال عبدا مملوكا وألفيا سيدها لدى الباب وقال من فتياتكم المؤمنات وقال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم اذكرني عند ربك سيدك ومن سيدكم ثم روى مع حديث الباب حديث ابن عمر إذا نصح العبد سيده وحديث أبي موسى المملوك الذي يحسن عبادة ربه ويؤدي إلى سيده وحديث ابن عمر من أعتق نصيبا له من عبد وحديثه والعبد راع على مال سيده وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد إذا زنت الأمة فاجلدوها فاستدل البخاري بهذه الآيات والأحاديث على أن النهي في حديث الباب للكراهة، وقال ابن بطال ما جاء في هذا الباب من النهي عن التسمية فهو من باب التواضع، ويجوز أن يقول عبدي، وأمتي ؛ لأن القرآن قد نطق به في قوله تعالى [ ص: 224 ] والصالحين من عبادكم وإمائكم والنهي عن ذلك على سبيل التطاول والغلظة لا على سبيل التحريم.

واتباع ما حض عليه الصلاة والسلام عليه أولى، وأجمل فإن في ذلك تواضعا لله عز وجل ؛ لأن قول الرجل عبدي، وأمتي يشترك فيه الخالق والمخلوق فيقال عبد الله، وأمة الله فكره ذلك لاشتراك اللفظ.

وأما الرب فهي كلمة، وإن كانت مشتركة وتقع على غير الخالق لقولهم: رب الدابة ورب الدار ويراد صاحبها فإنها لفظة تختص بالله عز وجل في الأغلب والأكثر فوجب ألا يستعمل في المخلوقين لنفي الله عز وجل الشركة بينهم وبين الله إلا أنه لا يجوز أن يقال لأحد غير الله إله ولا رحمان ويجوز أن يقال رحيم لاختصاص الله بهذه الأسماء فكذلك الرب لا يقال لغير الله. انتهى.

ومقتضاه أن النهي عن قول العبد لسيده ربي على سبيل التحريم، وليس كذلك والذي يختص بالله تعالى إطلاق الرب بلا إضافة أما مع الإضافة فيجوز إطلاقه على غيره والله أعلم.

(الثامنة) قال النووي : الظاهر أن المراد بالنهي من استعمله على وجه التعاظم والارتفاع لا للوصف والتعريف.

(قلت) ينبغي استمرار الكراهة ولو قصد التعريف دون التعاظم لكن أمكن التعريف بغيره للاشتراك في اللفظ كما تقدم وإن خلا عن القصد القبيح استعمالا للأدب في الألفاظ، وهذا مقتضى الحديث، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية