صفحة جزء
نكاح البكر وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نكحت ؟ قلت : نعم ، قال : أبكرا أم ثيبا ؟ قلت : ثيب ، قال : فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ، قلت : يا رسول الله قتل أبي يوم أحد وترك تسع بنات فكرهت أن أجمع إليهن خرقاء مثلهن ولكن امرأة تمشطهن وتقوم عليهن قال : أصبت زاد الشيخان في رواية: وتضاحكها وتضاحكك وفي آخره قال فبارك الله لك أو قال خيرا وفي رواية لهما فأين أنت عن العذارى ولعابها .


الحديث الثاني .

وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نكحت ؟ قلت نعم قال أبكرا أم ثيبا ؟ قلت ثيب ، قال فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ، قلت يا رسول الله قتل أبي يوم أحد ، وترك تسع بنات فكرهت أن أجمع إليهن خرقاء مثلهن ولكن امرأة تمشطهن [ ص: 10 ] وتقوم عليهن ، قال : أصبت .

(فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه البخاري ومسلم من هذا الوجه من طريق سفيان بن عيينة وأخرجاه أيضا والترمذي والنسائي من طريق حماد بن زيد كلاهما عن عمرو بن دينار عن جابر وفي رواية الشيخين من رواية حماد تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك وفي رواية لهما . أو تضاحكها وتضاحكك وفي روايتهما ورواية الترمذي وترك تسع بنات أو سبعا وفي روايتهما فبارك الله لك أو قال : خيرا وفي رواية للبخاري فبارك الله عليك وفي رواية الترمذي فدعا لي وأخرجه الشيخان أيضا من طريق شعبة عن محارب بن دثار عن جابر وفيه فقال .

ما لك وللعذارى ولعابها ، فذكرت ذلك لعمرو بن دينار فقال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا جارية تلاعبها وتلاعبك لفظ البخاري ولفظ مسلم قال . فأين أنت من العذارى ولعابها ؛ قال شعبة : فذكرته لعمرو بن دينار فقال : قد سمعته من جابر وإنما قال فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وأخرجه مسلم والنسائي من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وفيه أن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك ورواه ابن ماجه بدون هذه الزيادة ، وأخرجه أبو داود من رواية سالم بن أبي الجعد عن جابر وهو في الصحيحين في أثناء قصة الجمل من حديث الشعبي ووهب بن كيسان وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي نضرة كلهم عن جابر .

(الثانية) البكر هي الجارية الباقية على حالتها الأولى والثيب المرأة التي دخل بها الزوج وكأنها ثابت إلى حال كبار النساء غالبا وقوله : (قلت ثيب) بالرفع كذا في روايتنا هنا وهو خبر مبتدأ محذوف أي هي أي المنكوحة ثيب .

وقوله : هلا بكرا منصوب بفعل محذوف أي هلا نكحت بكرا وفي بعض روايات الصحيح هلا تزوجت بكرا وقوله تلاعبها وتلاعبك من اللعب المعروف ويؤيده قوله وتضاحكها وتضاحكك وقوله في رواية لأبي عبيد وتداعبها وتداعبك من الدعابة وهي المزح ، هكذا حكاه القاضي عياض عن جمهور المتكلمين في شرح هذا الحديث وقال بعضهم : يحتمل أن يكون من اللعاب وهو الريق [ ص: 11 ] وقوله في الرواية الأخرى (ولعابها) هو بكسر اللام وهو مصدر لاعب من الملاعبة كقاتل مقاتلة قال القاضي عياض والرواية في كتاب مسلم بالكسر لا غير ، ورواية أبي ذر الهروي من طريق المستملي لصحيح البخاري ولعابها بالضم يعني به ريقها عند التقبيل .

قال أبو العباس القرطبي : وفيه بعد والصواب الأول ، وقال عياض : إن الأول أظهر وأشهر ، وفي معجم الطبراني الكبير من حديث كعب بن عجرة فهلا بكرا تعضها وتعضك .

(الثالثة) وفيه استحباب نكاح البكر لكونه عليه الصلاة والسلام حض على ذلك ، وفي سنن ابن ماجه عن عبد الرحمن بن سالم عن عتبة بن غويم بن ساعدة الأنصاري عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير ورواه الطبراني في المعجم الكبير من حديث ابن مسعود وقوله أنتق أرحاما بالنون والتاء المثناة من فوق ، والقاف أي أكثر أولادا يقال للمرأة الكثيرة الولد : ناتق ؛ لأنها ترمي بالأولاد رميا ، والنتق الرمي والنفض والحركة وفي صحيح البخاري عن عائشة قالت قلت يا رسول الله أرأيت لو نزلت واديا وفيه شجرة قد أكل منها ، وشجرة لم يؤكل منها في أيها كنت ترتع بعيرك ، قال في الشجرة التي لم يؤكل منها قالت : فأنا هي ، تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها وقد استشكل بعضهم الحض على البكر مع الحض على الولود وقال : إنهما صفتان متنافيتان فإنها متى عرفت بكثرة الولادة لا تكون بكرا وأجيب عن ذلك بأنه قد تعرف كثرة أولادها من أقاربها ، وفيه نظر وقد يقال : هما صفتان مرغب فيهما فإما أن يحصل على البكر أو على كثرة الأولاد إن كانت ثيبا ، والحق أنه لا تنافي بينهما وأنه ليس المراد بالولود كثرة الأولاد ، وإنما المراد من هي في مظنة الولادة وهي الشابة دون العجوز التي انقطع حبلها فالصفتان حينئذ من واد واحد وهما متفقتان غير متنافيتين . والله أعلم .

(الرابعة) وفيه ملاعبة الرجل امرأته وملاطفته لها وتضاحكهما وحسن العشرة بينهما .

(الخامسة) وفيه سؤال الإمام والكبير أصحابه عن أمورهم وتفقد أحوالهم وإرشادهم إلى مصالحهم وتنبيههم على وجه المصلحة فيها [ ص: 12 ] وأن مثل ذلك من ذكر النكاح لا ينبغي الاستحياء منه .

(السادسة) وفيه فضيلة لجابر رضي الله عنه بإيثاره مصلحة إخوانه على حظ نفسه وأنه عند تزاحم المصلحتين ينبغي تقدم أهمهما وقد صوبه النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعل ودعا له لأجل ذلك ، وفيه الدعاء لمن فعل خيرا وإن لم يتعلق بالداعي .

(السابعة) وفيه جواز خدمة المرأة زوجها وأولاده وأخواته وعياله وأنه لا حرج على الرجل في قصده من امرأته ذلك وإن كان ذلك لا يجب عليها وإنما تفعله برضاها .

(الثامنة) هذه الرواية التي فيها الجزم بأن أخواته كن تسعا مقدمة على رواية حماد بن زيد التي فيها التردد بين التسع والسبع فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ .

(التاسعة) الخرقاء بفتح الخاء المعجمة وإسكان الراء المهملة وبالقاف الحمقاء الجاهلة بأعمال المنزل المحتاج إليها وهي تأنيث الأخرق وقوله : أجمع إليهن يحتمل أن يكون ضمنه معنى أضم ، ويحتمل أن يكون إلى بمعنى مع كما قيل في قوله من أنصاري إلى الله وفي قوله ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم وفي قوله إلى المرافق

(العاشرة) قوله (ولكن امرأة) رويناه بالرفع على حد قوله ثيب وهو خبر مبتدأ محذوف وقوله (تمشطهن) بفتح التاء وضم الشين أي تسرح شعرهن وقوله .

(وتقوم عليهن) أي تقوم بغير ذلك من مصالحهن وهو من ذكر العام بعد الخاص .

التالي السابق


الخدمات العلمية