صفحة جزء
وعنها قالت .

والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة للهوى كذا في سماعنا من المسند للهوى وقال الشيخان على اللهو وفي رواية للبخاري تسمع اللهو .


(الحديث الثاني) وعنها قالت والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة للهو وقال الشيخان على اللهو (فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه البخاري من طريق معمر بمعناه وفيه بعد قوله الحديثة السن (تسمع اللهو) وأخرجه البخاري أيضا من طريق صالح بن كيسان وفيه والحبشة يلعبون في المسجد وليس فيه ما بعد قوله إلى لعبهم ، وأخرجه البخاري تعليقا ومسلم مسندا من طريق يونس بن زيد وفيه حريصة على اللهو وذلك عند مسلم وليس عند البخاري فإنه إنما ساق هذه الرواية المعلقة مختصرة ، وأخرجه البخاري من طريق الأوزاعي وفيه (الحريصة على اللهو) وأخرجه مسلم والنسائي من طريق عمرو بن الحارث وفيه فاقدروا قدر الجارية الغربة الحديثة السن خمستهم عن الزهري عن عروة عن عائشة وله طرق أخرى تركتها اختصارا .

(الثانية) فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر وقال المهلب شارح البخاري : المسجد [ ص: 56 ] موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال مما يجمع منفعة الدين وأهله فهو جائز في المسجد واللعب بالحراب من تدريب الشجعان على معاني الحروب وهي من الاشتداد للعدو والقوة على الحرب فهو جائز في المسجد وغيره .

(الثالثة) وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال قال ابن بطال وقد يمكن أن يكون تركه إياها لتنظر إلى اللعب بالحراب لتضبط السنة في ذلك وتنقل تلك الحركات المحكمة إلى بعض من يأتي من أبناء المسلمين وتعرفهم بذلك .

(الرابعة) وفيه أنه لا بأس بترويح النفس بالنظر إلى بعض اللهو المباح .

(الخامسة) استدل به على جواز نظر المرأة للرجل وفيه لأصحابنا أوجه :

(أحدها) وهو الذي صحح الرافعي جوازه فتنظر جميع بدنه إلا ما بين السرة والركبة .

و (الثاني) لها أن تنظر منه ما يبدو في المهنة فقط وهذا الحديث محتمل للوجهين .

و (الثالث) وهو الذي صححه النووي لجماعة تحريم نظرها له كما يحرم نظره إليها واستدل هؤلاء بقوله تعالى وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن وبقوله عليه الصلاة والسلام لأم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما احتجبا عنه أي عن ابن أم مكتوم فقالتا : إنه أعمى لا يبصرنا فقال صلى الله عليه وسلم : أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه . رواه الترمذي وغيره وحسنه هو وغيره وأجابوا عن حديث عائشة هذا بجوابين :

(أحدهما) أنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت لعبهم وحرابهم ولا يلزم من ذلك تعمد النظر إلى البدن وإن وقع بلا قصد صرفته في الحال .

و (الثاني) لعل هذا كان قبل نزول الآية في تحريم النظر أو أنها كانت صغيرة قبل بلوغها فلم تكن مكلفة على قول من يقول : إن الصغير المراهق لا يمنع النظر ولا يخفى أن محل الخلاف فيما إذا كان النظر بغير شهوة ولا خوف فتنة فإن كان كذلك حرم قطعا .

(السادسة) وفيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة وحسن الخلق ومعاشرة الأهل بالمعروف وذلك من أوجه :

(منها) تمكينه عليه الصلاة والسلام عائشة من النظر إلى هذا اللهو .

(ومنها) أنه لم يقطع ذلك عليها بل جعل الخيرة إليها في قدر وقوفها.

(ومنها) مباشرته عليه الصلاة والسلام سترها بنفسه الكريمة وبردائه ومرافقتها في ذلك بنفسه وأنه لم يكله إلى غيرهوإلى ذلك أشارت بقولها : ثم [ ص: 57 ] يقوم من أجلي .

(السابعة) .

(إن قلت) في هذه الرواية أنها كانت في تلك الحالة بين أذنه وعاتقه وفي رواية أخرى خدي على خده وفي رواية أخرى فوضعت رأسي على منكبه وكلها في الصحيح فكيف الجمع بينها .

(قلت) لا تنافي بينها فإنها إذا وضعت رأسها على منكبه صارت بين أذنه وعاتقه فإن تمكنت في ذلك صار خدها على خده وإن لم يتمكن قارب خدها خده .

(الثامنة) قولها فاقدروا هو بضم الدال وكسرها لغتان حكاهما الجوهري وغيره وهو من التقدير أي قدروا في أنفسكم قدر رغبة من تكون بهذه الصفة من حداثة السن والحرص على اللهو ولا مانع لها من ذلك حتى ينتهي وأشارت بذلك إلى طول مدة وقوفها لذلك ، ومن المعلوم أن من كانت بهذه الصفة تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حبا بليغا وتحرص على إدامته ما أمكنها ولا يمكن ذلك إلا بعد زمن طويل .

وقوله في رواية مسلم العربة بفتح العين المهملة وكسر الراء وبالباء الموحدة ومعناه المشتهية للعب المحبة له .

(التاسعة) قوله : الحريصة للهو ، كذا وقع في أصلنا من مسند الإمام أحمد ومعناه أنها حريصة لأجل تحصيل ما تهواه نفسها من اللعب واللهو ولم تتصف بالحرص لأجل محبة المال كما يعهد من غيرها فإنها لم تكن بتلك الصفة ، وما كان حرصها إلا كحرص الصغار على تحصيل ما تهوى نفسها من النظر للعب ، وفي الصحيح حريصة على اللهو وهو أظهر توجيها وهو منصوب على الحال ، وفي رواية للبخاري تقدم ذكرها " الحديثة السن تسمع اللهو " أي إن حداثة سنها مع سماع اللهو يوجب ملازمتها له فما ظنك برؤية اللهو التي هي أبلغ من سماعه .

(العاشرة) قولها في أول الحديث (والله) فيه الحلف لتوكيد الأمر وتقويته وقولها رأيت بضم التاء والحجرة أرادت بها منزلها وكلام بعضهم يقتضي أن أصلها حظيرة الإبل والحبشة بفتح الحاء والباء والشين ويقال فيهم : حبش بغير هاء ، وقال صاحب المحكم وقد قالوا : الحبشة وليس بصحيح في القياس ؛ لأنه لا واحد له على مثال فاعل فيكون مكسرا على فعلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية