صفحة جزء
باب اللعان) عن نافع عن ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وألحق الولد بالمرأة وفي رواية لهما أنه من الأنصار وفي رواية لهما فرق بين أخوي بني عجلان ، وقال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب زاد البخاري فأبيا فقال الله يعلم فذكرها ثلاثا ، وفي رواية لهما لا سبيل لك عليها قال مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كذبت عليها فذاك أبعد لك ولهما من حديث سهل بن سعد تسميته بعويمر العجلاني .


(باب اللعان) (الحديث الأول) عن نافع عن ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وألحق الولد بالمرأة (فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه الأئمة الستة من هذا الوجه من طريق مالك ، وفي رواية مسلم (وألحق الولد بأمه) وفي رواية الترمذي والنسائي ، وألحق الولد بالأم ، وحكى [ ص: 109 ] ابن عبد البر عن قوم أن مالكا انفرد بقوله فيه ألحق الولد بالمرأة أو بالأم ، ووافقهم على ذلك ، وقال حسبك بمالك حفظا وإتقانا ، وقد قال جماعة من أئمة أهل الحديث إن مالكا أثبت في نافع ، وابن شهاب من غيره ثم ذكر أنها محفوظة من حديث سهل بن سعد فإن فيه فكان الولد يدعى لأمه وحكى ابن العربي انفراد مالك بذلك عن يحيى بن معين ، وأورد ابن عبد البر الحديث من الموطإ من طريق يحيى بن يحيى الأندلسي بلفظ وانتقل من ولدها قال : وأكثرهم يقولون وانتفى من ولدها ، والمعنى واحد قال : وربما لم يذكر بعضهم فيه (انتفى ، ولا انتقل) ثم رواه كذلك من طريق سعيد بن منصور عن مالك ثم قال : وقال قوم في هذا الحديث من مالك أن الرجل قذف امرأته ، وليس هذا في الموطإ ، ولا نعرفه من مذهبه ثم رواه بهذه الزيادة من طريق عاصم بن مهجع خال مسدد ، ويحيى بن أبي زائدة ، والحسن بن سوار ثلاثتهم عن مالك ، واتفق عليه الشيخان من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بلفظ لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجل من الأنصار وامرأته وفرق بينهما ، وفي لفظ للبخاري فرق بين رجل وامرأته قذفها ، وأحلفهما ، وأخرجه البخاري من طريق جويرة عن نافع عن ابن عمر أن رجلا من الأنصار قذف امرأته فأحلفهما النبي صلى الله عليه وسلم ثم فرق بينهما ، وأخرجه الشيخان ، وأبو داود ، والنسائي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عمر بلفظ فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني عجلان ، وقال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب زاد البخاري فأبيا فقال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب فأبيا فقال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب فأبيا ففرق بينهما ، ولفظ أبي داود يرددها ثلاث مرات ، ولفظ النسائي قالها ثلاثا ، وفي لفظ لهم من هذا الوجه لا سبيل لك عليها قال مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك .

(الثانية) قوله (إن رجلا لاعن امرأته) قد عرفت أن في الصحيحين أنه من الأنصار ، وفي رواية لهما أنه من بني العجلان ، وبنو العجلان من بلي . وإنما هو من الأنصار بالحلف ، وذكر المصنف رحمه الله في النسخة الكبرى أن هذا الرجل هو عويمر العجلاني [ ص: 110 ] فقال : ولهما أي للشيخين من حديث سهل بن سعد تسميته بعويمر العجلاني ، ولذا قال ابن العربي إنه عويمر . وكذا قال أبو العباس القرطبي في قوله في حديث ابن عمر أول من سأل عن ذلك فلان ابن فلان هو ، والله أعلم عويمر العجلاني فإن قلت كيف جزم الشيخ ، وقبله ابن العربي ، والقرطبي بذلك مع أن في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أنه هلال بن أمية ، وكذا في صحيح مسلم من حديث أنس (قلت) كلامهم في تفسير المبهم في حديث ابن عمر . ولما قال ابن عمر في الروايات في الصحيحين فرق بين أخوي بني عجلان تعين بذلك أنه أراد عويمرا العجلاني لا هلال بن أمية ، وإن كان الآخر قد لاعن على أن بعض الناس قد أنكر ملاعنة هلال بن أمية بالكلية فقال أبو بكر بن العربي قال الناس هو وهم من هشام بن حسان ، وعليه دار حديث ابن عباس بذلك ، وحديث أنس قال : وقد رواه القاسم عن ابن عباس كما رواه الناس فبين فيه الصواب . وقال أبو العباس القرطبي ، وقد أنكر أبو عبد الله أخو المهلب في هذه الأحاديث هلال بن أمية ، وقال هو خطأ ، والصحيح عويمر ، ونحوا منه قال الطبري . وقال إنما هو عويمر ، وهو الذي قذفها بشريك ابن سحماء ، والله أعلم .

وكذلك حكي في تهذيب الأسماء في الملاعن ثلاثة أقوال عويمر ، وهلال بن أمية ، وعاصم بن عدي . وحكي عن الواحدي أنه قال أظهر هذه الأقوال أنه عويمر لكثرة الأحاديث ، وكنت أنكرت على النووي حكاية الخلاف في ذلك للجزم بأن هلالا لاعن أيضا كما تقدم من الصحيحين ، وكتبت ذلك في المبهمات قبل أن أرى هذا الإنكار لكن في حكاية قول بأنه عاصم بن عدي نظر فلم يصح أن عاصما لاعن زوجته بل لم نقف على ذلك في شيء من الكتب المشهورة . وقد أنكر والدي رحمه الله في شرح الترمذي على ابن العربي قوله إن هشام بن حسان دار عليه حديث ابن عباس ، وقال قد تابعه عليه عباد بن منصور فرواه عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينه ، وسمع بأذنيه فلم يهجه حتى أصبح ثم عدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نزول الآية وقصة [ ص: 111 ] اللعان . رواه أبو داود في سننه من رواية يزيد بن هارون أنا عباد بن منصور ، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده أطول منه قال ثنا عباد بن منصور ، وتابعهما أيضا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رواه ابن مردويه في تفسيره ، وابن عبد البر في التمهيد قال : وقوله ، وقد رواه القاسم عن ابن عباس كما رواه الناس يوهم أن القاسم سمى الملاعن عويمرا ، وليس كذلك ، والذي في الصحيحين أنه أبهمه لم يسم عويمرا ، ولا هلالا ، وإنما قال فأتاه رجل من قومه أي من قوم عاصم بن عدي . وليس فيه ذكر لعويمر قال النسائي في رواية القاسم عن ابن عباس لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العجلاني ، وامرأته والعجلاني هو عويمر كما ثبت مسمى منسوبا من حديث سهل في الصحيحين ثم ذكر والدي رحمه الله أن الصواب أنهما قضيتان

قال : وقد وقع التصريح بذلك في بعض طرق حديث ابن مسعود قال كنا ليلة الجمعة في المسجد إذ قال رجل لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فإن قتله قتلتموه ، وإن تكلم جلدتموه ، ولأذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية اللعان ثم جاء رجل فقذف امرأته فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما الحديث

قال والدي ، وإسناده صحيح رواه ابن مردويه في تفسيره قال فقد بين في هذه الرواية أن الذي سأل أولا غير الذي قذف ثانيا ، وأن القرآن نزل قبل أن يلاعن الثاني ، وهذا واضح جلي (قلت) ليس في هذه الرواية وقوع اللعان مرتين ، وهو الذي فيه الكلام ، وإن كان كلام الأكثرين يدل على ذلك ، وهو مقتضى صحة الروايتين ، وقد ذكر الخطيب في مبهماته أن الملاعن في حديث سهل هو عويمر بن سهل الحارث العجلاني ، وفي حديث ابن عباس هو هلال بن أمية ، ولم يبين المبهم في حديث ابن عمر ، وهو عويمر كما تقدم ، وما ذكره الخطيب من أن عويمرا هو ابن الحارث ينبغي النظر فيه فإن في سنن أبي داود من حديث سهل بن سعد تسميته عويمر بن أشقر العجلاني .

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب عويمر بن أبيض العجلاني الأنصاري صاحب اللعان ، وذكر قبل ذلك عويمر بن الأشقر بن عوف الأنصاري قيل إنه من بني مازن شهد بدرا يعد من أهل المدينة ، ولم [ ص: 112 ] يزد على ذلك ، ولم يذكر أنه الملاعن فحصل في اسم والد عويمر ثلاثة أقوال الحارث أشقر أبيض ، والأوسط هو الأولى لورود الرواية في سنن أبي داود كما ذكرته ، والله أعلم .

وقال ابن طاهر في مبهماته اسم امرأة هلال المقذوفة خولة بنت عاصم لها ذكر ، وليست لها رواية .

(الرابعة) قال النووي في شرح مسلم اختلف العلماء في نزول آية اللعان هل هو بسبب عويمر العجلاني أم بسبب هلال بن أمية وقال بعضهم بسبب عويمر العجلاني واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم لعويمر قد أنزل فيك ، وفي صاحبتك ، وقال جمهور العلماء سبب نزولها قصة هلال ، وكان أول رجل لاعن في الإسلام قال الماوردي في الحاوي قال الأكثرون قضية هلال بن أمية أسبق من قضية العجلاني قال : والنقل فيهما مشتبه مختلف ، وقال ابن الصباغ في الشامل قصة هلال تبين أن الآية نزلت فيه أولا قال .

وأما قوله عليه الصلاة والسلام لعويمر إن الله قد أنزل فيك ، وفي صاحبتك فمعناه ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس قال النووي ، ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الآية فيهما ، وسبق هلال باللعان فيصدق أنها نزلت في ذا وذاك ، وأن هلالا أول من لاعن انتهى .

وسبقه إلى ذلك الخطيب البغدادي فقال لعلهما اتفقا كونهما معا في وقت واحد أو في ميقاتين ، ونزلت آية اللعان في تلك الحال ، وروينا عن جابر قال ما نزلت آية اللعان إلا لكثرة السؤال ، وكذا قال أبو العباس القرطبي يحتمل أن تكون القضيتان متقاربتي الزمان فنزلت بسببهما معا ، ويحتمل أن تكون الآية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أي كرر نزولها عليه كما قاله بعض العلماء في سورة الفاتحة إنها نزلت بمكة ، وتكرر نزولها بالمدينة قال : وهذه الاحتمالات ، وإن بعدت فهي أولى من أن يطرق الوهم للرواة الأئمة الحفاظ انتهى .

وحكى القرطبي عن البخاري أن نزولها بسبب هلال بن أمية

(الخامسة) اللعان هو الكلمات المعروفة التي يلقنها الزوج والزوجة عند قذفه إياها ، وهي قول الزوج أربع مرات أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . وقول الزوجة أربع مرات : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا [ ص: 113 ] والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين كما دل عليه التنزيل ، وسمي لعانا لقول الزوج ، وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين قال العلماء من أصحابنا وغيرهم ، واختير لفظ اللعن على لفظ الغضب ، وإن كانا موجودين في الآية الكريمة ، وفي صورة اللعان لأن لفظ اللعنة متقدم في الآية الكريمة ، ولأن جانب الرجل فيه أقوى من جانبها لأنه قادر على الابتداء باللعان دونها ، ولأنه قد ينفك لعانه عن لعانها ، ولا ينعكس ، وقيل سمي لعانا من اللعن ، وهو الطرد والإبعاد لأن كلا منهما يبعد عن صاحبه ، ويحرم النكاح بينهما على التأبيد بخلاف المطلق وغيره ، واللعان عند جمهور أصحابنا يمين ، وقيل شهادة ، وقيل يمين فيها شوب شهادة ، وقيل عكسه قال العلماء ، وليس من الأيمان شيء متعدد إلا اللعان ، والقسامة ، ولا يمين في جانب المدعي إلا فيهما قال العلماء ، وجوز اللعان لحفظ الأنساب ودفع المعرة عن الأزواج ، وأجمع العلماء على صحة اللعان في الجملة قالوا وكانت قصة اللعان في شعبان سنة تسع من الهجرة ، وممن نقله القاضي عياض عن ابن جرير الطبري .

(السادسة) تبين بقوله في حديث سهل بن سعد ، وهو في الصحيح ، وكانت حاملا أن قوله هنا (وانتفى من ولدها) أراد به الحمل الذي لم تضعه ذلك الوقت ، ويوافقه أيضا ما رواه الدارقطني والبيهقي من حديث عبيد الله بن جعفر قال حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته ، وأنكر حملها الذي في بطنها ، وقال هو لابن سحماء قال صلى الله عليه وسلم هات امرأتك فقد أنزل القرآن فيكما فلاعن بينهما بعد العصر على المنبر ، وفيه دليل على صحة لعان الحامل لنفي الحمل ، وبه قال مالك والشافعي والجمهور ، وذهب أبو حنيفة وأحمد وعبد الملك بن الماجشون إلى أنه لا يصح لعان الحامل لنفي الحمل ، وإنما يكون لدفع العقوبة عند القذف فإن كانت مع ذلك حاملا لم ينتف الحمل قال الحنابلة إلا أن يصف زنا يلزم منه نفيه كمن ادعى زناها في طهر لم يصبها فيه ، واعتزلها حتى ظهر حملها ثم لاعنها لذلك ثم وضعته لمدة الإمكان من دعواه فإنه ينتفي عنه ، واعتل هؤلاء في إنكار نفي الحمل بأنه لا يتحقق ، وأجابوا عن هذا الحديث بأنه عليه الصلاة والسلام عرف وجود الحمل بالوحي ، وفيه نظر [ ص: 114 ] لأنه عليه الصلاة والسلام إنما يرتب الأحكام على الأمور الظاهرة التي يمكن أن يشاركه فيها الحكام بعده ، وقد رتب على الحمل أحكام كثيرة كإبل الدية إذ قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم منها أربعون خلفة في بطونها أولادها ، وطلاق الحامل في قوله صلى الله عليه وسلم ليطلقها طاهرا أو حاملا ، وتأخير رجم الحامل في نظائر عديدة كإيجاب النفقة ، والرد بالعيب ، والنهي عن وطئها في السبي .

(السابعة) فيه أن نفي الولد سبب للعان ، وقد ذكر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم أن للعان سببين (أحدهما) قذف الزوجة بالزنا ، وإن لم يكن هناك ولد ، وقد دل عليه قوله تعالى والذين يرمون أزواجهم الآية ، و (الثاني) نفي الولد ، وإن لم ينضم إليه قذف ، وليس في هذا الحديث في الروايات المشهورة ذكر قذف لكن قد ذكر في بعض الرويات كما تقدم ، وهو مصرح به في غيره من الأحاديث ، والله أعلم .

(الثامنة) استدل بقوله ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما على أنه لا تقع الفرقة بمجرد اللعان بل يتوقف ذلك على تفريق الحاكم بينهما ، وهو مذهب الحنفية ، ورواية عن أحمد ، وقال به أحمد بن أبي صفرة من المالكية ثم اختلفوا في هذا التفريق فقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وعبيد الله بن الحسن هو طلقة بائنة فلو كذب نفسه بعد ذلك جاز له نكاحها ، وهو رواية عن أحمد ، وقال أبو يوسف هو تحريم مؤبد ، والذي عليه جمهور العلماء حصول الفرقة بمجرد اللعان من غير توقف على تفريق ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وزفر ثم قال الشافعي ، وبعض المالكية تحصل الفرقة بتمام لعانه هو وإن لم تلتعن هي ، وقال أحمد لا يحصل ذلك إلا بتمام لعانهما معا ، وهو المشهور عند المالكية ، وبه قال أهل الظاهر قالوا : وهي فرقة فسخ وحرمة مؤبدة ، وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه ليس معناه إنشاء الفرقة بينهما بل إظهار ذلك ، وبيان حكم الشرع فيه ، ويدل لذلك قوله عليه الصلاة والسلام لا سبيل لك عليها ، وهو في الصحيحين وغيرهما كما تقدم قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة ، ويحتمل أن يكون (لا سبيل لك عليها) راجعا إلى المال ، وقوله في حديث سهل ، وهو في صحيح مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلكم التفريق بين كل متلاعنين قال أبو بكر بن العربي أخبر عليه الصلاة والسلام بقوله ذلكم عن قوله لا سبيل [ ص: 115 ] لك عليها ، وقال كذا حكم كل متلاعنين فإن كان الفراق لا يكون إلا بحكم فقد نفذ الحكم فيه من الحاكم الأعظم صلى الله عليه وسلم بقوله ذلكم التفريق بين كل متلاعنين ، ولو أشار إلى الطلاق لتزوجها بعد زوج بحكم القرآن ، وروى أبو داود وغيره من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس الحديث ، وفيه ، وقضى أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا بيت لها عليه ، ولا قوت من أجل أنهما متفرقان من غير طلاق ، ولا متوفى عنها ، وروى أبو داود أيضا من حديث سهل بن سعد في حديث المتلاعنين قال فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا ، وعن علي وابن مسعود قالا مضت السنة في المتلاعنين أن لا يجتمعا أبدا ، وعن عمر بن الخطاب ففرق بينهما ، ولا يجتمعان أبدا ، والخلاف في هذه المسألة بين أبي حنيفة والجمهور قريب المدرك من الخلاف بينهم وبينه في استحقاق القاتل السلب ، وفي إحياء الموات هو يقف كلا منهما على إذن الإمام ، ويجعل قوله عليه الصلاة والسلام من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه تنفيلا ، وقوله عليه الصلاة والسلام من أحيا أرضا ميتة فهي له إذنا حكميا يحتاج معه في كل وقت إلى إذن خليفة ذلك الوقت كما أذن هو في ذلك الزمان كما جعل تفريقه عليه الصلاة والسلام هنا بين المتلاعنين بطريق الحكم والقضاء حتى يحتاج في كل واقعة إلى تفريق القاضي ، والجمهور يجعلون ذلك في المواضع الثلاثة بيانا للشرع العام المطرد سواء قاله الإمام أم لم يقله ، ولقد أبعد عثمان البتي في قوله لا أثر للعان في الفرقة ، ولا يحصل به فراق أصلا ، وسبقه إلى ذلك مصعب بن الزبير ففي صحيح مسلم عنه أنه لا يفرق بين المتلاعنين ، وحكاه الطبري عن جابر بن زيد ، ويقابله في البعد قول أبي عبيدة القاسم بن سلام أنها تحرم عليه بنفس القذف بغير لعان .

(التاسعة) نقل ابن عبد البر عن أبي خيثمة في تاريخه قال سئل يحيى بن معين عن حديث ابن عيينة أي الزهري عن سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فقال أخطأ ليس النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما ، وقال أبو داود في سننه لم يتابع ابن عيينة أحد على أنه فرق بين المتلاعنين قال ابن عبد البر فإن صح هذا ، ولم يكن فيه وهم فالوجه أن يحمل كلام ابن معين على حديث [ ص: 116 ] ابن شهاب عن سهل فإنه صح عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام فرق بينهما ، وظاهر كلام ابن معين يقتضي أنه لم يفرق بينهما أي مطلقا ، وهو خطأ ثم قال : ويحتمل أنه أراد بقوله ليس النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما أن اللعان فرق بينهما فإن كان أراد هذا فهو مذهب أكثر أهل العلم .

(العاشرة) قوله (وألحق الولد بالمرأة) اختلف في المراد به فقيل معناه نفى عنه نسب الأب ، وأبقى عليه الأم التي لا بد له منها لأنه قد يتخيل من انتفاء نسب الأب انتفاء نسب الأم أيضا ، وقيل جعلها له أبا وأما ، وبالأول قال الأكثرون فلم يورثوا الأم منه إلا ما كانت ترثه منه لو كان له أب ، وهو السدس في حالة ، والثلث في أخرى ، وورثوا إخوته لأمه منه للواحد منهم السدس ، ولأكثر من ذلك الثلث ، ويدل له قول سهل بن سعد ، وهو في الصحيح ثم جرت السنة أن يرثها ، وترث منه ما فرض الله لها ، والذاهبون إلى القول الثاني اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال :

(أحدها) أن أمه تحوز جميع ميراثه فإنها عصبة ، وبمنزلة أبيه حكي ذلك عن عبد الله بن مسعود وواثلة بن الأسقع ، وطائفة ، وهو رواية عن أحمد .

(الثاني) أن عصبته عصبة أمه قال جماعة ، وهو المشهور عن أحمد بن حنبل ، واختاره الخرقي ، وروي عن علي ابن مسعود وابن عمر وعطاء .

(الثالث) أن ميراثه لأمه ، ولإخوته بالفرض والرد ، وهو قول أبي حنيفة ، ورواية عن أحمد أيضا قال فإن لم يكن ذو فرض بحال فعصبته عصبة أمه ، وهذه الأقوال الثلاثة صادرة عن من يورث ذوي الأرحام ، والأول مذهب مالك والشافعي ، والجمهور .

(الحادية عشر) قوله وقال : والله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب قال القاضي عياض ظاهره أنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان ، والمراد بيان أنه يلزم الكاذب التوبة قال : وقال الداودي إنما قاله قبل اللعان تحذيرا لهما منه قال والأول أظهر وأولى بسياق الكلام ، وفيه رد على من قال من النحاة إن لفظة أحد لا تستعمل إلا في النفي ، وعلى قول من قال منهم لا تستعمل إلا في الوصف ، ولا تقع موقع واحد ، وقد وقعت في هذا الحديث في غير وصف ولا نفي ، ووقعت موقع واحد ، وقد أجازه المبرد ، ويؤيده قوله تعالى فشهادة أحدهم قال النووي ، وفيه أن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد [ ص: 117 ] منهما ، وإن علمنا كذب أحدهما على الإبهام

واستدل به أبو العباس القرطبي لمذهبه أنه لا كفارة في اليمين الغموس لأنه عليه الصلاة والسلام قال أحدكما كاذب ، ولم يذكر له كفارة ، ولو وجبت لبينها لأنه وقت البيان (قلت) وجواب الجمهور عنه أنه لم يعين الحانث حتى يأمره بالكفارة ، وأما في الباطن فقد حصل البيان بأنه كفارة اليمين ، والله أعلم .

(الثانية عشرة) (فأبيا) أي أبى كل منهما أن يعترف بالكذب ، وظاهر رواية البخاري هذه يوافق ما تقدم عن الداودي فإن فيها بعد حكاية قوله عليه الصلاة والسلام لهما هذا الكلام ثلاثا ، وإبائهما (ففرق بينهما) .

(الثالثة عشرة) قوله (مالي) أي طلب المهر الذي أصدقها إياه فأجابه عليه الصلاة والسلام بأنه لا رجوع له بالمهر سواء صدق أم كذب لأنه قد استقر بالدخول ، واستوفى ما قوبل به ، وهو الوطء ، ولو مرة ، وإن كان كذب عليها فهو أبعد له لأنه قد ظلمها في عرضها فكيف يجمع إلى ذلك ظلمها في مالها ، وفيه دليل على استقرار (المهر) بالدخول ، وعلى ثبوت مهر الملاعنة المدخول بها ، والمسألتان مجمع عليهما ، وفيه أنها لو صدقته ، وأقرت بالزنا لم يسقط بذلك مهرها ، أما لو تلاعنا قبل الدخول بها فمذهب الشافعي أنها كغيرها لها نصف الصداق لأن الفرقة من جهته ، وحكاه أبو العباس القرطبي عن فقهاء الأمصار ، ونص عليه مالك في الموطإ ، وحكاه الخطابي عن الحسن وقتادة وسعيد بن جبير ومالك والأوزاعي ، وقال الزهري ليس هذا شيء منه لأنه فسخ قال أبو العباس القرطبي ، وحكاه البغداديون عن المذهب (قلت) وهو مقتضى إطلاق ابن الحاجب في مختصره سقوط جميع المهر بالفسخ قبل المسيس قال ابن يونس : وفي كتاب ابن الحاجب أن الملاعنة قبل البناء لا صداق لها ، وقال أبو العباس القرطبي ، والمشهور أن عليها النصف انتهى .

وعن أحمد بن حنبل روايتان في التنصيف والسقوط ، وقال الحكم وحماد وأبو الزناد لها الصداق كله إذ ليس بطلاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية