صفحة جزء
وعن سعيد عن أبي هريرة جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي ولدت غلاما أسود . قال هل لك من إبل ؟ قال نعم . قال فما ألوانها ؟ قال حمر ، قال فيها أورق ؟ قال إن فيها لورقا ، قال أنى أتاه ذلك ؟ قال عسى أن يكون نزعه عرق ، قال : وهذا عسى أن يكون نزعه عرق زاد مسلم في رواية وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه قال : وزاد في آخر الحديث قال : ولم يرخص له في الانتفاء منه


[ ص: 118 ] الحديث الثاني)

وعن سعيد عن أبي هريرة قال جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود قال هل لك من إبل ؟ قال نعم قال فما ألوانها ؟ قال حمر قال هل فيها أورق ؟ قال إن فيها لورقا . قال : أنى أتاه ذلك ؟ قال عسى أن يكون نزعه عرق قال : وهذا عسى أن يكون نزعه عرق (فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه مسلم ، وأصحاب السنن الأربعة من هذا الوجه من طريق سفيان بن عيينة ، وأخرجه البخاري من طريق مالك ، وأخرجه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي من طريق معمر ، وفيه وهو حينئذ تعرض بأن ينفيه ، وفيه ولم يرخص له في الانتفاء منه ، وأخرجه مسلم من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ، وأخرجه النسائي من طريق شعيب بن أبي حمزة ، وفي آخره فمن أجل قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لا يجوز لرجل أن ينتفي من ولد ولد على فراشه إلا أن يزعم أنه رأى فاحشة خمستهم عن الزهري عن سعيد ، وهو ابن المسيب عن أبي هريرة ، وأخرجه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود من طريق يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ إن امرأتي ولدت غلاما أسود ، وإني أنكرته ، وفيه ولم يرخص له في الانتفاء منه لفظ البخاري ، ولم يذكر فيه مسلم هذه الزيادة ، ولم يسق أبو داود بقية لفظه ، وأخرجه مسلم أيضا من رواية عقيل عن الزهري [ ص: 119 ] أنه قال بلغنا أن أبا هريرة كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ما تقدم ، وذكر الدارقطني في العلل أن ابن إسحاق رواه عن الزهري عن ابن المسيب مرسلا قال : وقيل عن شعيب بن خالد عن الزهري عن سعيد ، وأبي سلمة عن أبي هريرة ، وكذلك قيل عن التابلتي عن الأوزاعي عن الزهري عنهما ، وذكر الدارقطني أيضا ممن رواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة غير من قدمنا ذكره يحيى بن سعيد الأنصاري ، وسليمان بن كثير ، والنعمان بن راشد ثم ذكر رواية يونس ، وقال لم يتابع عليه ، والمحفوظ حديث ابن المسيب .

(الثانية) قوله جاء رجل من بني فزارة هو بفتح الفاء ، وبالزاي ، وبعد الألف راء مهملة ، واسم هذا الرجل ضمضم بن قتادة كما ذكر ابن بشكوال ، وابن طاهر قال ابن طاهر : وامرأته من بني عجل .

(الثالثة) قوله إن امرأتي ولدت غلاما أسود تعريض بنفيه لمخالفة لونه للونه [ إذ ] هو كان أبيض ، وقد صرح بذلك في قوله في رواية مسلم يعرض بأن ينفيه ، وليس في ذلك تصريح بنفيه .

وأما قوله في الرواية الأخرى ، وإني أنكرته فمعناه استنكرت بقلبي أن يكون مني ، وليس معناه نفيه عن نفسه بلفظه ، وفيه أن التعريض بنفي الولد ليس نفيا .

(الرابعة) استدل به على أن التعريض بالقذف ليس قذفا ، وأنه لا يجب به الحد ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وآخرون ، وذهب المالكية إلى وجوب الحد بالتعريض إذا كان مفهوما ، وأجاب عنه أبو العباس القرطبي بأنه إنما لم يجب به الحد لأنه تعريض لطيف لم يقصد به العيب ، وكان على جهة الشكوى أو الاستفتاء ، وقال ابن دقيق العيد بعد ذكره إن فيه ما يشعر بأن التعريض بنفي الولد لا يوجب حدا كذا قيل ، وفيه نظر لانتفاء الحد أو التعزير عن المستفتين .

(الخامسة) الأورق هو الذي فيه سواد ليس بحالك بل يميل إلى الغبرة ، ومنه قيل للرماد أورق ، وللحمامة ورقاء ، والجمع ورق بضم الواو وإسكان الراء كأحمر وحمر .

(السادسة) قوله (أنى) بفتح الهمزة وتشديد النون أي ممن أتاه هذا اللون مع مخالفته للون أبويه ، والمراد بالعرق هنا الأصل من النسب تشبيها بعرق الشجرة ، ومنه قولهم فلان معرق في النسب والحسب ، وفي اللؤم والكرم ، ومعنى نزعه أشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه [ ص: 120 ] عليه ، وأصل النزع الجذب فكأنه جذبه إليه لشبهه يقال منه نزع الولد لأبيه ، وإلى أبيه ، ونزعه أبوه إليه .

(السابعة) وفيه ضرب الأمثال ، وتشبيه المجهول بالمعلوم لأن هذا السائل خفي عليه هذا في الآدميين فشبهه النبي صلى الله عليه وسلم بما يعرفه هو ، ويألفه ، ولا ينكره ، واستدل به أهل الأصول على العمل بالقياس فإنه عليه الصلاة والسلام شبه هذا الرجل المخالف للونه بولد الإبل المخالف لألوانها ، وذكر العلة الجامعة ، وهي نزوع العرق ، وقال ابن دقيق العيد إلا أنه تشبيه في أمر وجودي ، والذي حصلت المنازعة فيه هو التشبيه في الأحكام الشرعية انتهى قال الخطابي ، وهو أصل في قياس الشبه .

(الثامنة) وفيه أن الولد يلحق الزوج ، وإن خالف لونه لونه حتى لو كان الأب أبيض ، والولد أسود ، وعكسه لحقه ، ولا يحل له نفيه بمجرد المخالفة في اللون ، وكذا لو كان الزوجان أبيضين فجاء الولد أسود أو عكسه لاحتمال أنه نزعه عرق من أحد أسلافه ، وقد جزم الفقهاء من أصحابنا وغيرهم بأنه لا أثر لاختلاف الألوان المتقاربة كالأدمة والسمرة والشقرة القريبة من البياض ، وإنما اختلفوا عند الاختلاف بالبياض ، والسواد فقال المالكية ليس له نفيه بذلك ، وأطلق أبو العباس القرطبي نفي الخلاف فيه ، وكأنه أراد في مذهبه .

وقال الشافعية إن لم ينضم إليه قرينة الزنا حرم النفي ، وإن انضمت أو كان متهمها برجل فأتت بولد على لون ذلك الرجل ففيه ، وجهان أصحهما عند الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب ، وصاحبي الحاوي ، والعدة والنووي تحريم النفي أيضا ، وأصحهما عند البندنيجي والروياني وغيرهما جوازه ، وقال النووي في شرح مسلم ، وفي هذه الصور أي وهي ما إذا كان الزوجان أبيضين فجاء الولد أسود أو عكسه وجه لبعض أصحابنا ، وهو ضعيف أو غلط (قلت) إن كان هذا الوجه فيما إذا لم ينضم إليه قرينة الزنا فلم يحكه هو في الروضة تبعا للرافعي نعم حكاه ابن الرفعة في الكفاية ، وإن كان مع انضمامها فلا يقال فيه إنه غلط فقد صححه البندنيجي والروياني وغيرهما ، والله أعلم .

وقال الحنابلة يجوز النفي مع القرينة ، والخلاف عند عدمها ، وهو عكس الترتيب الذي ذكره أصحابنا .

(التاسعة) فيه الاحتياط للأنساب ، وإثباتها [ ص: 121 ] بمجرد الاحتمال ، والإمكان .

(العاشرة) قال الخطابي فيه الزجر عن تحقيق ظن السوء .

(الحادية عشرة) قال أبو العباس القرطبي فيه تنبيه على استحالة التسلسل العقلي ، وأن الحوادث لا بد لها أن تستند إلى أول ليس بحادث كما يعرف في الأصول الكلامية .

(الثانية عشرة) قال الخطابي فيه إن قوله ليس مني ليس قذفا لأمه بمجرد ذلك لجواز كونه لغيره بوطء شبهة أو من زوج متقدم (قلت) لم يصدر من هذا الرجل أنه قال ليس مني ، وإنما عرض بذلك كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية