صفحة جزء
وعن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا فلاجه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا القود يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكم كذا وكذا فلم يرضوا فقال لكم كذا وكذا فلم يرضوا ، فقال لكم كذا وكذا فرضوا : فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم ، قالوا نعم ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا أفرضيتم ، قالوا لا ، فهم المهاجرون بهم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفوا فكفوا ثم دعاهم فزادهم ، وقال أرضيتم قالوا نعم ؛ قال فإني خاطب على الناس ، ومخبرهم برضاكم ، قالوا نعم فخطب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أرضيتم ؟ قالوا نعم رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه .


الحديث الثالث .

وعن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا فلاجه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا القود يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكم كذا وكذا فلم يرضوا فقال لكم كذا وكذا فلم يرضوا فقال لكم كذا وكذا فرضوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني خاطب على الناس ، ومخبرهم برضاكم قالوا نعم فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون [ ص: 186 ] القود فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا أفرضيتم قالوا لا فهم المهاجرون بهم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفوا فكفوا ثم دعاهم فزادهم ، وقال أرضيتم قالوا نعم قال فإني خاطب الناس ، ومخبرهم برضاكم قالوا نعم ؛ فخطب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أرضيتم قالوا نعم رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه .

(فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه هؤلاء الثلاثة ، وابن حبان في صحيحه من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق عن معمر .

وقال ابن ماجه سمعت محمد بن يحيى يقول تفرد بهذا معمر لا أعلم رواه غيره .

(الثانية) أبو جهم بفتح الجيم وإسكان الهاء مكبر قيل اسمه عامر ، وقيل عبيد بن حذيفة قرشي عدوي أسلم عام الفتح ، وكان مقدما في قريش معظما ، وكانت فيه في بيته شدة ، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه يشير أن ضربه للنساء ، وكان عالما بالأنساب ، وهو من المعمرين شهد بنيان الكعبة في الجاهلية وفي زمن ابن الزبير ، وقيل إنه مات في آخر خلافة معاوية ، وهو صاحب الأنبجانية . . (الثالثة) المصدق بفتح الصاد وتخفيفها ، وكسر الدال وتشديدها هو عامل الصدقة التي يأخذها ، وأما بتشديد [ ص: 187 ] الصاد فهو المعطي ، وأصله المتصدق أدغمت التاء في الصاد لتقارب مخرجهما . وقال ثابت إنه يقال بالتخفيف للذي يأخذها ، والذي يعطيها ، وجاء استعمال المشدد في طالب الصدقة أيضا ، وأنكر ثعلب . (الرابعة)

قوله (فلاجه رجل) هو بتشديد الجيم كذا ضبطناه ، ورويناه أي تمادى في خصومته قال في الصحاح الملاجة التمادي في الخصومة ، وقال في المحكم لج في الأمر تمادى عليه ، وأبى أن ينصرف عنه ، ووقع في بعض نسخ أبي داود فلاحه بتشديد الحاء المهملة فإن صحت الرواية به فهو مثل الأول في المعنى من الإلحاح في المسألة ، وهو المداومة عليها ، ومنه قولهم ألح السحاب أي قام مطره ، وأورده الخطابي في معالم السنن من طريق ابن داسة عن أبي داود فلاجه رجل أو لاحاه على الشك ، ولم يتكلم على الأولى ، إنما تكلم على الثانية ، وهي قوله لاحاه ، وقال معناه نازعه ، وخاصمه ، وفي بعض الأمثال (عاداك من لاحاك) .

(الخامسة) قوله (فشجه) بالشين المعجمة ، والجيم أي جرحه في رأسه ووجهه ، والشجة الجراحة في الرأس أو الوجه دون غيرهما من البدن كذا ذكر صاحب المحكم من أهل اللغة .

وقال الفقهاء من أصحابنا وغيرهم ، وخصصها صاحبا الصحاح ، والمشارق بجراحة الرأس ، ولعلهما ذكرا الغالب ، وقال صاحب النهاية الشج في الرأس خاصة في الأصل ثم استعمل في غيره من الأعضاء ، وظاهر قوله في غيره أن ذلك لا يختص بالوجه ، وهو غير معروف .

(السادسة) قوله فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم أي المشجوج ، ومن يساعده على ذلك ، وقد تبين بآخر الحديث أنهم من بني ليث ، والقود بفتح القاف والواو القصاص ، وهو سنصوب بمحذوف أي فطلب القود .

(السابعة) تقرير النبي صلى الله عليه وسلم هذا على طلب القود ومراضاته له بما يختاره من العوض يدل على وجوب القصاص فيه ، وذلك يرد على قول أبي داود رحمه الله في تبويبه في سننه (العامل يصاب على يده الخطأ) فإنه لو كان خطأ لم يكن فيه قود .

(الثامنة) قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة لا قصاص في شيء من شجاج الرأس والوجه إلا في الموضحة ، وهي الجراحة التي توضح العظم أي تكشفه ، وقال مالك ومحمد بن الحسن يجب القصاص فيما قبلها أيضا من الجراحات ، وهي الحارصة ، والدامية ، والباضعة [ ص: 188 ] والمتلاحمة والسمحاق ، وإنما لا يجب القصاص فيما بعدها من الهاشمة ، وغيرها ، وقال أشهب يجب في الهاشمة القصاص إلا أن تصير منقلة ، وقال ابن القاسم أن تصير منقلة ، وقال ابن حزم الظاهري يجب القصاص في سائر الجروح تمسكا بقوله تعالى والجروح قصاص فعلى قول الأكثرين يتعين في هذه النسخة أن تكون موضحة لأنه لا قصاص فيما سواها ، وعلى قول غيرهم لا يتعين ذلك ، ولا يمكن الاستدلال بالحديث لأحد الشقين لأنها ، واقعة غير محتملة فلا استدلال بها .

(التاسعة) فيه وجوب القصاص على الوالي كغيره من الجناة قال الخطابي ، وروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما قادا من العمال ، وممن رأى عليهم القود الشافعي وأحمد وإسحاق (قلت) لا أعلم في ذلك خلافا عند العمد العدوان ، وإنما اختلفوا في ضمان الخطأ المقصود به التأديب والتعزير .

(العاشرة) إن قلت أرش الموضحة مقدر ، وهو خمس من الإبل كما روي ذلك من عدة طرق منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رواه أصحاب السنن الأربعة ، وحسنه الترمذي ، فلم وقعت المماكسة في ذلك والمراوضة ، ولم لا ألزموا بخمس من الإبل ؟ (قلت) هذا مما يدل على أن الجناية كانت عمدا فكانت الخيرة للمجني عليه في القصاص فروضي عن ذلك بزيادة على هذا ليعفو عن القصاص ، ولهذا قال الخطابي فيه دليل على جواز إرضاء المشجوج بأكثر من دية الشجة إذا طلب المشجوج القصاص .

(الحادية عشرة) قال الخطابي ، وفيه حجة لمن رأى وقوف الحاكم عن الحكم بعلمه لأنهم لما رضوا بما أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجعوا عنه لم يلزمهم برضاهم الأول حتى كان ما رضوا ظاهرا (قلت) ، وقد يقول المجوز للحكم بالعلم لم يصدر منهم أولا تصريح بالعفو عن القصاص على ذلك المقدار ، وإنما حصل منهم ركون لذلك لا يلزمهم الاستمرار عليهم ، وقد يقال كان قصد النبي صلى الله عليه وسلم تطييب خواطرهم ، واستمالتها ، وكان يعطيهم ذلك المبلغ من عنده فقصد أن يحصل منهم الرضى بذلك في الباطن والاستمرار عليه ، والله أعلم .

(الثانية عشرة) قال ابن حزم في هذا الخبر عذر الجاهل ، وأنه لا يخرج من الإسلام بما لو فعله العالم الذي قامت عليه الحجة لكان كافرا لأن هؤلاء الليثيين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه كفر مجرد بلا خلاف لكنهم [ ص: 189 ] عذروا بالجهالة فلم يكفروا (قلت) ويحتمل أنهم لما أنكروا الاستمرار على ذلك الرضى حيث يجوز لهم الرجوع عنه إذا لم يقع تصريح بالعفو أو ظنوا أن لهم الرجوع بعد العفو الصريح لا أنهم أنكروا أن ذلك وقع منهم قبل ذلك فإنه كفر بلا شك كما قال .

(الثالثة عشرة) قال الخطابي وفيه دليل على أن القول في الصدقة قول رب المال ، وأنه ليس للساعي ضربه ، وإكراهه على ما لم يظهر له من ماله .

التالي السابق


الخدمات العلمية