صفحة جزء
وعن عبيدة قال قال علي لأهل النهروان : فيهم رجل مثدون اليد أو مودن اليد أو مخدج اليد لولا أن تبطروا لأنبأتكم ما قضى الله على لسان نبيه لمن قتلهم : قال عبيدة فقلت لعلي أنت سمعته ؟ قال نعم ، ورب الكعبة يحلف عليها ثلاثا رواه مسلم ، وقال أنت سمعته من محمد صلى الله عليه وسلم الحديث ، واتفقا عليه من رواية سويد بن غفلة عن علي بلفظ آخر ، وفيه فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة .


الحديث الثاني .

وعن عبيدة قال قال علي لأهل النهروان فيهم رجل مثدون اليد أو مودن اليد أو مخدج اليد لولا أن تبطروا لأنبأتكم ما قضى الله على لسان نبيه لمن قتلهم [ ص: 279 ] قال عبيدة فقلت لعلي أنت سمعته ؟ قال نعم ورب الكعبة يحلف عليها ثلاثا رواه مسلم واتفقا عليه من وجه آخر . (فيه) فوائد (الأولى) أخرجه مسلم ، وأبو داود ، وابن ماجه من طريق أيوب السختياني ، ومسلم أيضا من طريق عبد الله بن عون كلاهما عن محمد بن سيرين عن عبيدة ، وأخرجه مسلم ، وأبو داود من طريق زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي الذين ساروا إلى الخوارج فقال علي أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم ، وهو عليهم لا تجاوز قراءتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم مما قضى لهم على لسان نبيهم لاتكلوا عن العمل ، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض ، وفيه فقال علي التمسوا فيهم المخدج فالتمسوه فلم يجدوه فقام علي بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال أخروهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر ثم قال صدق الله وبلغ ، قال فقام إليه عبادة السلماني فقال يا أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أي والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له .

وأخرجه مسلم أيضا من طريق عبيد الله بن أبي رافع أن الحرورية لما خرجت ، وهو مع علي بن أبي طالب قالوا لا حكم إلا لله فقال علي كلمة [ ص: 280 ] حق أريد بها باطل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم ، وأشار إلى حلقه هم من أبغض خلق الله إليه منهم رجل أسود إحدى يديه ظبي شاة أو حلمة ثدي فلما قتلهم علي بن أبي طالب قال انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا فقال ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه قال عبيد الله ، وأنا حاضر ذلك من أمرهم ، وقول علي فيهم .

وروى الشيخان ، وأبو داود ، والنسائي من رواية سويد بن غفلة قال قال علي بن أبي طالب إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول عليه ما لم يقل وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة .

وروى أبو داود في سننه عن أبي الوصي قال قال علي اطلبوا المجدع ، فذكر الحديث فاستخرجوه من تحت القتلى في طين قال أبو الوصي فكأني أنظر إليه حيش عليه فربطت له إحدى يديه مثل ثدي المرأة عليها شعيرات مثل شعيرات تكون على ذنب اليربوع .

وعن أبي مريم قال : إن كان ذلك المجدع لمعنا يومئذ في المسجد نجالسه بالليل والنهار ، وكان فقيرا ، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي مع الناس ، وقد كسوته برنسا لي قال أبو مريم ، وكان المجدع يسمى نافعا ذا الثدي ، وكان في يده مثل ثدي المرأة [ و ] على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي عليه شعرات مثل سبالة السنور .

(الثانية) قوله قال علي لأهل النهروان اللام للتبيين أي قال هذا الكلام في حق أهل النهروان المراد بهم الخوارج المارقون في زمن علي رضي الله عنه ، وكان اجتماعهم في هذا المكان ، وهو بفتح النون وإسكان الهاء وفتح الراء المهملة ، وهي بلدة على أربع فراسخ من الدجلة ويقال لهم الحرورية نسبة إلى حروراء [ ص: 281 ] وهو بالمد والقصر موضع بظاهر الكوفة اجتمع فيه أوائل الخوارج ثم كثر استعماله حتى استعمل في كل خارجي .

(الثالثة) قوله فيهم رجل مثدون اليد أو مودن اليد أو مخدج اليد شك من الراوي في اللفظ الذي قاله فأما المثدون فبفتح الميم ، وإسكان الثاء المثلثة ، وضم الدال المهملة ، وإسكان الواو وآخره نون ، وهو صغير اليد مجتمعها كثندوة الثدي ، وهي بفتح الثاء المثلثة بلا همز وبضمها مع الهمز ، وكأن أصله مثنود فقدمت الدال على النون كما قالوا في جبذ جذب ، وعاث في الأرض وعثا ، وحكي في المحكم هذا القلب عن ابن جني ، وقال إنه ليس بشيء ، وأما (المودن) فبضم الميم وإسكان الواو وفتح الدال المهملة ويقال بالهمز وبتركه وهو ناقص اليد ، ويقال له أيضا . ودين ومودون ، وأما (المخدج) فبضم الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة وآخره جيم ، ومعناه ناقص اليد يقال خدجت الناقة إذ ألقت ولدها قبل تمام الأيام ، وإن كان تام الخلقة ، فهو خديج ، وأخدجت إذا جاءت به ناقص الخلق ، وإن كانت أيامه تامة فهو مخدج ، ويستعمل ذلك أيضا في كل ذات ظلف وحافر بل في الآدميات أيضا ، ومنه وكل أنثى حملت خدوجا .

(الرابعة) قوله لولا أن تبطروا أي تطغوا ، وأصل البطر الطغيان عند النعمة والعافية فيسوء احتماله لها فيكون منه الكبر والأشر والبذخ ، وشدة المرح .

(الخامسة) قوله أنت سمعته كذا في روايتنا هنا الاقتصار على ذلك ، والمراد من النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مصرح به في رواية مسلم ، والمعنى دال عليه .

(السادسة) قوله لمن قتلهم أي قاتلهم ، وفيه الترغيب في قتال الخوارج وفي الرواية الأخرى التصريح بالأمر بذلك قال النووي : وهو إجماع من العلماء قال القاضي عياض أجمع العلماء على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على الإمام ، وخالفوا رأي الجماعة ، وشقوا العصا وجب قتالهم بعد إنذارهم والإعذار إليهم قال الله تعالى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله لكن لا يجهز على جريحهم ، ولا يتبع منهزمهم ، ولا يقتل أسيرهم ، ولا تباح أموالهم ، وما لم يخرجوا عن الطاعة وينتصبوا للحرب لا يقاتلون بل يوعظون ويستتابون عن بدعتهم وباطلهم ، وهذا كله ما لم يكفروا ببدعتهم فإن كانت البدعة مما [ ص: 282 ] يكفرون بها جرت عليهم أحكام المرتدين ، وأما البغاة الذين لا يكفرون فيورثون ويرثون ، ودمهم في حال القتال هذا ، وكذا أموالهم التي تتلف في القتال ، والأصح أنهم لا يضمنون أيضا ما أتلفوه على أهل العدل في حال القتال من نفس ومال ، وما أتلفوه في غير حال القتال من نفس ومال ضمنوه ، ولا يحل الانتفاع بشيء من دوابهم وسلاحهم في حال الحرب عندنا وعند الجمهور ، وجوزه أبو حنيفة .

(السابعة) قوله يحلف عليها ثلاثا قد تبين برواية أخرى لمسلم أن الحلف وتكريره كان باستحلاف عبيدة ، وليس ذلك لشك في خبره ، وإنما هو ليسمع الحاضرين ، ويؤكد ذلك عندهم ، وتظهر لهم المعجزة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويظهر لهم أن عليا ، وأصحابه أولى الطائفتين بالحق ، وأنهم محقون في قتالهم ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية