صفحة جزء
باب اتقاء الوجه في الحدود والتعزيرات .

عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه وقال مسلم (إذا ضرب) وللنسائي من حديث عمران بن حصين في الجهنية وهي حبلى من الزنا ارموا واتقوا وجهها ولأبي داود من حديث أبي بكر ارموا واتقوا الوجه .


باب اتقاء الوجه في الحدود والتعزيرات عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه (فيه) فوائد :

(الأولى) : أخرجه البخاري من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق به ، ومن طريق مالك وابن فلان عن سعيد المقبري عن أبيه أبي هريرة وليس في روايتيه هاتين لفظة أخاه ، وابن فلان هذا قيل إنه عبد الله بن زياد بن سمعان أحد الضعفاء وأخرجه مسلم من طريق أبي الزناد .

[ ص: 16 ] عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ إذا ضرب : ومن طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه ومن طريق أبي أيوب المراغي عن أبي هريرة بزيادة فإن الله خلق آدم على صورته وفي لفظ له من هذا الوجه فلا يلطمن الوجه .

(الثانية) : فيه النهي عن ضرب الوجه قال النووي قال العلماء هذا تصريح بالنهي عن ضرب الوجه ؛ لأنه لطيف يجمع المحاسن وأعضاؤه نفيسة لطيفة وأكثر الإدراك بها فقد يبطلها ضرب الوجه وقد ينقصها وقد يشين الوجه والشين فيه فاحش فإنه بارز ظاهر لا يمكن ستره ومتى ضربه لا يسلم من شين غالبا .

(الثالثة) : قد يقال إن قوله قاتل بمعنى قتل وإن المفاعلة هنا ليست على ظاهرها بل هي مثل عاقبت اللص وطارقت النعل ويدل لذلك قوله في الرواية الأخرى إذا ضرب .

وقوله في الرواية الأخرى فلا يلطمن الوجه وقد يقال هي على بابها والمراد أنه إذا حصلت مقاتلة من الجانبين ولو في دفع صائل ونحوه يتقي وجهه فما ظنك بما إذا لم يقع من الجانب الآخر ضرب فهو أولى بأن يتقي الوجه ؛ لأن صاحب المدافعة قد تضطره الحال إلى الضرب في وجهه ، ومع ذلك فنهى عنه فالذي لا يدافعه المضروب أولى بأن يؤمر باجتناب الوجه .

(الرابعة) : يدخل في ذلك ضرب الإمام أو مأذونه في الحدود والتعازير ، وضرب الإنسان زوجته أو ولده أو عبده على طريق التأديب ، وبوب البخاري في صحيحه على هذا الحديث : باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه ، ولم يرد تخصيص العبد بذلك بل العبد من جملة الأفراد الداخلة في الحديث ، وإنما خصه بالذكر ؛ لأن مقصوده بيان حكم الرقيق في ذلك وروى أبو داود والنسائي من حديث أبي بكرة قال شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على بغلته فجاءته امرأة حبلى فقالت إنها قد [ ص: 17 ] بغت فارجمها : الحديث وفيه ثم قال للمسلمين ارموها وإياكم ووجهها لفظ النسائي ولفظ أبي داود ارموا واتقوا الوجه .

(الخامسة) : ظاهر النهي التحريم وقد صرح أصحابنا وغيرهم باتقاء الوجه في ضرب الحدود وغيرها ولم يفصحوا عن حكمه وصرح ابن حزم الظاهري بوجوب ذلك .

(السادسة) : ظاهر قوله (أخاه) اختصاص ذلك بالمسلم وقد يقال إنه خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له ويؤيده أنه ورد غير مقيد بأحد وذلك في صحيح البخاري وغيره كما تقدم وقال أبو العباس القرطبي يعني بالأخوة هنا ، والله أعلم أخوة الآدمية فإن الناس كلهم بنو آدم ودل على ذلك قوله فإن الله خلق آدم على صورته أي على صورة وجه المضروب ، فكأن اللاطم في وجه أحد ولد آدم لطم وجه أبيه آدم وعلى هذا فيحرم لطم الوجه من المسلم والكافر ولو أراد الأخوة الدينية لما كان للتعليل بخلق آدم على صورته معنى لا يقال فالكافر مأمور بقتله وضربه في أي عضو كان إذ المقصود إتلافه والمبالغة في الانتقام منه ولا شك في أن ضرب الوجه أبلغ في الانتقام والعقوبة فلا يمنع وإنما مقصود الحديث إكرام وجه المؤمن لحرمته ؛ لأنا نقول : مسلم أنا مأمورون بقتل الكافر والمبالغة في الانتقام منه لكن إذا تمكنا من اجتناب وجهه اجتنبناه لشرف هذا العضو ؛ ولأن الشرع قد نزل هذا الوجه منزلة وجه أبينا ويقبح لطم الرجل وجها شبه وجه أبي اللاطم وليس كذلك كسائر الأعضاء ؛ لأنها كلها تابعة للوجه انتهى .

(السابعة) : قوله في رواية لمسلم فإن الله خلق آدم على صورته ظاهر أنه صريح في أن المراد على صورة المضروب ؛ فلهذا المعنى أمر بإكرامها ونهى عن ضربها وهذه الصيغة دالة على التعليل ولولا ذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بالتي قبلها وقد تقدم تقرير ذلك في كلام القرطبي وروي أنه عليه الصلاة والسلام مر على رجل يضرب عبده في وجهه لطما ويقول قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فقال عليه الصلاة والسلام إذا ضرب أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته وأعاد بعضهم الضمير على الله تعالى وأيده بالرواية التي لفظها إن الله خلق آدم على [ ص: 18 ] صورة الرحمن ولكن تلك الرواية ليست صحيحة قال المازري : هذا ليس بثابت عند أهل الحديث وكأن من نقله رواه بالمعنى الذي توهمه وغلط في ذلك ا هـ .

وبتقدير صحة ذلك من أحاديث الصفات وللسلف فيها مذهبان :

(أحدهما) : وهو مذهب جمهورهم الإمساك عن تأويلها والإيمان بأنها حق وأن ظاهرها غير مراد ، ولها معنى يليق بها .

(والثاني) تأويلها بحسب ما يليق بتنزيه الله تعالى ، وأنه ليس كمثله شيء ، وتأويله هنا أن هذه إضافة تشريف واختصاص كقوله تعالى ناقة الله وكما يقال في الكعبة " بيت الله " ونحو ذلك وأوله بعضهم بأن الصورة قد تطلق بمعنى الصفة كما يقال صورة هذه المسألة كذا أي صفتها كذا فمعناه أن الله تعالى خلق آدم عليه الصلاة والسلام موصوفا بالعلم الذي فضل به بينه وبين جميع الحيوانات وخصه منه بما لم يخص به أحدا من ملائكة الأرضين والسموات .

التالي السابق


الخدمات العلمية