صفحة جزء
باب الإمامة والإمارة عن عمر بن الخطاب حين قال له ابنه عبد الله بن عمر إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك زعموا أنك غير مستخلف فوضع رأسه ساعة ثم رفعه فقال إن الله عز وجل يحفظ دينه وإني لا أستخلف ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف ، وإن أستخلف فإن أبا بكر قد استخلف ، قال فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رحمه الله فعلمت أنه لم يكن يعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ، وأنه غير مستخلف زاد مسلم بعد قوله : زعموا أنك غير مستخلف (وأنه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثم إنه جاءك وتركها ، رأيت أن قد ضيع ، فرعاية الناس أشد ، قال فوافقه قولي) : ولهما في رواية (وددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا علي ، لا أتحملها حيا وميتا) : .


باب الإمامة والإمارة الحديث الأول

عن عمر بن الخطاب حين قال له ابنه عبد الله بن عمر إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك ، زعموا أنك غير مستخلف ، فوضع رأسه ساعة ثم رفعه فقال إن الله عز وجل يحفظ دينه وإني إن لا أستخلف ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف ، وإن أستخلف ، فإن أبا بكر قد استخلف قال ، فوالله ما هو [ ص: 74 ] إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رحمه الله فعلمت أنه لم يكن يعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وأنه غير مستخلف : (فيه) فوائد :

(الأولى) : أخرجه مسلم من هذا الوجه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر وفيه الزيادة التي ذكرها الشيخ رحمه الله في النسخة الكبرى من الأحكام وهي بعد قوله (زعموا أنك غير مستخلف وأنه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثم أنه جاءك وتركها رأيت أن قد ضيع فرعاية الناس أشد ؛ قال فوافقه قولي) : وأخرجه الشيخان من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر قال (حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه وقالوا جزاك الله خيرا فقال راغب وراهب فقالوا استخلف فقال أتحمل أمركم حيا وميتا لوددت أن حظي منها الكفاف لا علي ولا لي) : وذكر بقيته ، لفظ مسلم ، ولفظ البخاري (وددت بأني نجوت منها كفافا لا لي ولا علي لا أتحملها حيا وميتا) : .

(الثانية) : قوله (فآليت) : أي حلفت وفيه تلطف معه لهيبته وأنه لولا تورطه في اليمين لما جسر عليه بمخاطبته في ذلك (الثالثة) : إن قلت كيف يجتمع قوله (فوافقه قولي) : مع كونه لم يعمل بما قال (قلت) : لما وافقه قوله وضع رأسه ساعة ليتروى في ذلك فاستقر أمره بعد التروي على أن كلا الأمرين جائز له فيه سلف صالح وإن تركه أرجح للاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد انعقد الإجماع على أن الخليفة يجوز له الاستخلاف وتركه وعلى انعقاد الخلافة . [ ص: 75 ] بالاستخلاف وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لإنسان إذا لم يستخلفه الخليفة وعلى جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة كما فعل عمر رضي الله عنه بالستة .

(الرابعة) : قوله وإني إن لا أستخلف ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف : قال الخطابي معناه لم يسم رجلا بعينه للخلافة ولم يرد به أنه لم يأمر بذلك ولم يرشد إليه وأهمل الأمر بلا راع يرعاهم وقد قال عليه الصلاة والسلام الأئمة من قريش فكان معناه الأمر بعقد البيعة لإمام من قريش ولذلك رأيت الصحابة يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقضوا شيئا من أمر دفنه وتجهيزه حتى أحكموا أمر البيعة ونصبوا أبا بكر وكانوا يسمونه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان فعلهم صادرا عنه ومضافا إليه .

وذلك من أدل الدليل على وجوب الخلافة وأنه لا بد للناس من إمام يقوم بأمرهم ويمضي فيهم أحكام الله تعالى ، ويردعهم عن الشر ويمنعهم من التظالم والتفاسد ويدل على ذلك أيضا قضية موته ونصبه عليه الصلاة والسلام أميرا بعد أمير ، وهذا اتفاق الأمة لم يخالف فيه إلا الخوارج والمارقة الذين شقوا العصا وخلعوا ربقة الطاعة انتهى .

وقال النووي تبعا للقاضي عياض وأما ما حكي عن الأصم أنه قال لا يجب نصب خليفة فباطل محجوج بإجماع من قبله ولا حجة له في بقاء الصحابة بلا خلافة في مدة التشاور يوم السقيفة وأيام الشورى بعد وفاة عمر رضي الله عنه لأنهم لم يكونوا تاركين لنصب الخليفة بل كانوا ساعين في النظر فيمن يعقد له وحكي عن بعضهم أن نصب الخليفة واجب بالعقل .

قال النووي وفساد قوله ظاهر ؛ لأن العقل لا يوجب شيئا ولا يحسنه ولا يقبحه وإنما وقع ذلك بحسب العادة لا بذاته .

(الخامسة) : قال النووي وفي هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خليفة وهو إجماع أهل السنة وغيرهم قال القاضي عياض وخالف بكر بن أخت عبد الواحد فزعم أنه نص على أبي بكر وقال ابن الراوندي نص على العباس ؛ وقالت الشيعة والرافضة على علي ، وهذه دعاوى باطلة وجسارة على الافتراء ووقاحة في مكابرة الحس ، وذلك ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على اختيار أبي بكر وعلى تنفيذ عهده إلى عمر وعلى تنفيذ عهد عمر إلى [ ص: 76 ] الشورى ولم يخالف في شيء من ذلك أحد ولم يدع علي ولا العباس ولا أبو بكر وصية في وقت من الأوقات وقد اتفق علي والعباس على جميع هذا من غير ضرورة مانعة من ذكر وصية لو كانت فمن زعم أنه كان لأحد منهم وصية فقد نسب الأمة إلى اجتماعها على الخطأ واستمرارها عليه وكيف يحل لأحد من أهل القبلة أن ينسب الصحابة إلى المواطأة على الباطل في كل هذه الأحوال ولو كان شيء لنقل ، فإنه من الأمور المهمة انتهى .

(قلت) : لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر رضي الله عنه إلا إشارات لا تنصيص فيها (منها) : تقديمه للصلاة وهو أحد وظائف الإمامة العظمى و (قول) : يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ولهذا قال بعض الصحابة رضي الله عنهم رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا و (منها) : قوله عليه الصلاة والسلام لتلك المرأة لما قالت له أرأيت إن لم أجدك تعني الموت ائت أبا بكر .

(السادسة) : قوله (فعلمت أنه غير مستخلف) : أي على التعيين لكنه لم يهمل الأمر ولم يبطل الاستخلاف بل جعله شورى في قوم معدودين لا يعدوهم فكل من قام بها منهم كان رضى ولها أهلا فاختاروا عثمان رضي الله عنه وعقدوا له البيعة كما هو معروف والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية