صفحة جزء
وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمشي أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا وعن همام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انقطع شسع نعل أحدكم أو شراكه فلا يمشي في إحداهما بنعل والأخرى حافية ليحفهما جميعا أو لينعلهما جميعا رواه مسلم .


(الحديث الخامس) وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمشي أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو [ ص: 134 ] ليخلعهما جميعا وعن همام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انقطع شسع نعل أحدكم أو شراكه فلا يمشي في إحداهما بنعل والأخرى حافية ليحفهما جميعا أو لينعلهما جميعا رواه مسلم . (فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه من الطريق الأولى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي من طريق مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ورواه مسلم والنسائي وابن ماجه من رواية أبي رزين عن أبي هريرة بلفظ إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمشي في نعل واحدة حتى يصلحها ورواه مسلم أيضا من رواية الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة ورواه ابن ماجه من رواية محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ولا خف واحد الحديث .

(الثانية) فيه النهي عن المشي في نعل واحدة وذلك على طريق الكراهة دون التحريم كما نقل الإجماع على ذلك غير واحد منهم النووي وخالف فيه ابن حزم الظاهري فقال ولا يحل المشي في خف واحد ولا نعل واحدة .

(الثالثة) بوب الترمذي بعد إيراد هذا الحديث على الرخصة في المشي في نعل واحدة وروى فيه عن عائشة رضي الله عنها قالت (ربما مشى النبي صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة) ثم رواه موقوفا على عائشة وقال : إنه أصح قال القاضي أبو بكر بن العربي : وذلك والله أعلم عند الحاجة إليه أو يكون يسيرا ، وقال والدي رحمه الله في شرح الترمذي لعله بتقدير ثبوته وقع منه نادرا لبيان الجواز أو لعذر وفي بعض طرقه التصريح بالعذر رواه ابن عبد البر في التمهيد من رواية مندل عن الليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ربما انقطع شسع نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمشي في النعل الواحدة حتى تصلح وهذا لو ثبت كان محمولا على وقوعه نادرا لضرورة ويدل عليه قوله (ربما) فإنها للتقليل وكذلك فعل [ ص: 135 ] عائشة رضي الله عنها لعله لعذر .

وروى ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة كانت تمشي في خف واحد ، وتقول : لأخيفن أبا هريرة وإسناده صحيح وقال والدي : فما الذي أرادت بإخافة أبي هريرة أو مخالفته إن كانت الرواية لأخالفن ولعل أبا هريرة كان يشدد في ذلك ويمنع منه فأرادت عائشة رضي الله عنها أن تبين أن ذلك ليس على المنع وإنما هو على التنزيه والأولوية ، وقال ابن عبد البر : لم يلتفت أهل العلم إلى معارضة عائشة لأبي هريرة لضعف إسناد حديثها ولأن السنن لا تعارض بالرأي .

قال : وقد روي عنها أنها لم تعارض أبا هريرة برأيها وقالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في نعل واحدة قال : وهذا الحديث عند أهل العلم غير صحيح . انتهى .

وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسا أن يمشي في نعل واحدة إذا انقطع شسعه ما بينه وبين أن يصلح شسعه وروى أيضا من رواية يزيد بن أبي زياد عن رجل من مزينة قال : رأيت عليا يمشي في نعل واحدة بالمدائن كان يصلح شسعه قال : والدي ، وهذا الإسناد لا يصح عن علي ، لكن رواه ابن عبد البر في التمهيد من رواية سليمان بن يسار من أصحاب المقصورة عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه أن عليا رضي الله عنه كان يمشي في النعل الواحدة قال والدي رحمه الله : وهذا إسناد جيد ، قال ابن عبد البر وهذا معناه لو صح أنه كان عن ضرورة أو كان يسيرا لجواز أن يصلح الأخرى لا أنه أطال ذلك ، والله أعلم .

قال : ولا حجة في مثل هذا الإسناد قال والدي : سليمان بن يسار هذا ومحمد بن عمر وأبوه ذكرهم ابن حبان في الثقات ، ووثق العجلي أيضا أباه عمر بن علي وباقيهم رجال الصحيح وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن زيد بن محمد أنه رأى سالم بن عبد الله يمشي في نعل واحدة وقال القاضي عياض : روي عن بعض السلف في المشي في نعل واحدة أو خف واحد أثر لم يصح أو له تأويل في الشيء اليسير بقدر ما يصلح الأخرى قال : واختلف المذهب عندنا في ذلك هل يقف حتى يصلحها أو يمشي أثناء ما يصلحها فمنع من ذلك مالك ، وإن كان في أرض حارة أي منع الوقوف في [ ص: 136 ] نعل واحدة والمشي في نعل واحدة معا كما أفصح به أبو العباس القرطبي وقال : ليحفهما ولا بد حتى يصلح الأخرى إلا في الوقوف الخفيف والمشي اليسير ، لكن حكى ابن عبد البر عن مالك أنه سئل عن الذي ينقطع شسع نعله وهو في أرض حارة هل يمشي في الأخرى حتى يصلحها قال : لا ولكن ليحفهما جميعا أو ليقف ثم قال ابن عبد البر هذا هو الصحيح من الفتوى وهو الصحيح في الأثر وعليه العلماء .

(الرابعة) قال النووي قال العلماء : سببه أن ذلك تشويه ومشقة ومخالف للوقار ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعسر مشيه وربما كان سببا للعثار . انتهى .

وقال أبو بكر بن العربي : قيل : لأنها مشية الشيطان وقيل : لأنها خارجة عن الاعتدال فهو إذا تحفظ بالرجل الحافية تعثر بالأخرى أو يكون أحد شقيه أعلى في المشي من الآخر وذلك اختلال ، وقال البيهقي في شعب الإيمان يحتمل أن يكون النهي عن ذلك لما فيه من القبح والشهرة وامتداد الأبصار إلى من يرى ذلك منه وكل لباس صار لصاحبه به شهرة في القبح فحكمه أن يتقى ويجتنب ؛ لأنه في معنى المثلة ، وقال الخطابي هذا قد يجمع أمورا :

(منها) أنه قد يشق عليه المشي على هذه الحال ؛ لأن رفع أحد القدمين منه على الحفاء إنما هو موضع التوقي والتهيب لأذى يصيبه أو حجر يصدمه ويكون وضعه القدم الآخر على خلاف ذلك من الاعتماد به والوضع له من غير محاشاة أو تقية فيختلف من ذلك مشيه ويحتاج معه إلى أن ينتقل عن سجية المشي على عادته المعتادة فلا يأمن عند ذلك العثار والعنت وقد يتصور فاعله عند الناس بصورة من إحدى رجليه أقصر من الأخرى ولا خفاء بقبح منظر هذا الفعل وكل أمر يشتهره الناس ويرفعون إليه أبصارهم فهو مكروه مرغوب عنه .

(الخامسة) قال ابن الأثير في النهاية النعل مؤنثة وهي التي تلبس في المشي تسمى الآن تاسومة انتهى .

ومقتضاه أن اسم النعل لا يطلق على كل ما يلبس في الرجل ويوافقه كلام أبي بكر بن العربي فإنه قال : إن النعل لباس الأنبياء وإنما اتخذ الناس غيره لما في بلادهم من الطين لكن قال في المحكم : النعل والنعلة ما وقيت به القدم من الأرض ثم قال : فأما قول كثير لها نعل فإنه حرك حرف [ ص: 137 ] الحلق لانفتاح ما قبله كما قال بعضهم : يعرق وهو محموم ؛ وهذا لا يعد لغة وإنما هو متبع ما قبله . انتهى .

وهو صريح في شمول هذا الاسم لكل ما يوقى به القدم .

(السادسة) قال ابن عبد البر في قوله لينعلهما أراد القدمين وهما لم يتقدم لهما ذكر وإنما تقدم ذكر النعل ، ولو أراد النعلين لقال لينتعلهما وهذا هو المشهور من لغة العرب ومتكرر في القرآن كثيرا أن يأتي بضمير ما لم يتقدم ذكره لما يدل عليه فحوى الخطاب ، قال والدي رحمه الله : الظاهر عود الضمير إلى النعلين بدليل قوله في رواية مسلم أو ليخلعهما ويقال : نعلت وانتعلت كما حكاه الجوهري ولا حاجة حينئذ إلى عود الضمير على ما لم يتقدم له ذكر .

(قلت) وهذا اللفظ وهو قوله : ليخلعهما كذا هو في روايتنا من الموطإ من طريق أبي مصعب وهو في صحيح البخاري بلفظ ليخلعهما ، وكذا هو عند ابن عبد البر من الموطإ قال النووي وكلاهما صحيح ورواية البخاري أحسن . انتهى .

فأفاد ابن عبد البر أن الضمير في قوله : لينعلهما على القدمين لعوده عليهما في قوله أو ليحفهما ، وأعاده والدي رحمه الله على النعلين لعوده عليهما في قوله : أو ليخلعهما وما حكاه عن الجوهري من أنه يقال : نعل وانتعل أي لبس النعل ، ذكره أيضا صاحب النهاية وكذا في المشارق وزاد على ذلك أن ضبط هذه اللفظة في هذا الحديث بالفتح فإنه قال : نعلت ، إذا لبست النعل ، وكذلك لينعلهما جميعا أي ليجعل ذلك في رجليه . انتهى .

وكذا في المحكم إلا أنه جعله مكسور العين فقال : ونعل نعلا وتنعل وانتعل لبس النعل .

(السابعة) قوله لينعلهما قال النووي : هو بضم الياء وقال والدي رحمه الله في شرح الترمذي فيه نظر .

(قلت) إن كان الضمير عائدا على القدمين كما قاله ابن عبد البر فينبغي أن يكون بالضم ويكون معنى أنعلهما أي ألبسهما نعلا فقد ذكر أهل اللغة أنه يقال : أنعل دابته رباعي .

قال الجوهري : أنعلت دابتي وخفي ولا يقال : نعلت ، وقال في النهاية : أنعلت الخيل بالهمز ، وقال في المحكم : أنعل الدابة والبعير ونعلهما بالتشديد وقال في المشارق بعد ما تقدم وقوله : إن غسان تنعل الخيل أي تجعل لها نعلا بضم التاء يقال في هذا : أنعل رباعي وفي السيف كذلك إذا جعلت له نعالا ولا يقال عند أكثرهم نعل ، وقد قيل فيها : نعل أيضا . انتهى .

وقد يقال بالفتح [ ص: 138 ] ولو عاد الضمير على القدمين إما لهذه اللغة التي حكيناها آنفا عن المشارق وإما لأن المحكي عن هؤلاء في أنعل بالهمز إنما هو جعل النعل لا ألبسه ، فأما بمعنى اللبس فهو بالفتح وهو صريح كلام المشارق كما تقدم ذكره ، وأما إذا كان الضمير عائدا على النعلين كما قاله والدي رحمه الله فإنه يتعين معه الفتح ، والله أعلم .

(الثامنة) الشسع بكسر الشين المعجمة وإسكان السين المهملة وبالعين المهملة أحد سيور النعل وهو الذي يدخل بين الأصبعين ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام ، والزمام السير الذي يعقد فيه الشسع والشراك بكسر الشين المعجمة أحد سيور النعل الذي يكون على وجهها وكلاهما يختل المشي في النعل بفقده .

(التاسعة) التقييد بهذه الحالة ليس للإذن في المشي بنعل واحدة عند فقد ذلك ، وإنما هو تصوير للواقع وخارج مخرج الغالب فلا مفهوم له أو يقال هذا من مفهوم الموافقة ، فإنه إذا نهي عنه حين الاحتياج إليه فمع عدم الاحتياج إليه أولى وفي هذا رد على من أجاز ذلك لضرورة إلى أن يصلح النعل التي فسدت وقد تقدم بيان ذلك .

(العاشرة) وقوله فلا يمشي على سبيل التمثيل فوقوفه وإحداهما بنعل والأخرى حافية كذلك كما تقدم عن مالك رحمه الله ، وقد يقال : جلوسه وهو لابس إحداهما دون الأخرى كذلك وقد يقال : لا يلحق بما تقدم لانتفاء المفاسد المتقدم ذكرها فيه بل قد ينازع في التحاق وقوفه بإحداهما بمشيه بإحداهما لما تقدم من انتفاء المفسدة إلا أن يقال : النعل زينة وفيه تزين إحداهما دون الأخرى ، ومقتضى هذا أنه يلحق بذلك حالة الجلوس أيضا والله أعلم .

(الحادية عشرة) قوله والأخرى حافية يحتمل أن يكون جملة حالية فيكون الخبران مرفوعين ويحتمل أن يكون قوله والأخرى معطوفا على قوله إحداهما وقوله : حافية ، منصوب على الحال أي لا يمشين في إحداهما بنعل والأخرى حافية والأول هو الذي ضبطناه وقوله ليحفهما هو بضم أوله ، وقوله أو لينعلهما تقدم الكلام عليه .

(الثانية عشرة) قال الخطابي قد يدخل في هذا كل لباس شفع كالخفين وإدخال اليد في الكمين والتردي بالرداء على المنكبين فلو أرسله على أحد المنكبين وعرى منه الجانب الآخر كان مكروها على معنى [ ص: 139 ] الحديث ، ولو أخرج إحدى يديه من كمه وترك الأخرى داخل الكم كان كذلك في الكراهة ، والله أعلم .

(الثالثة عشرة) قال الخطابي أيضا في شرح البخاري قد أبدع عوام الناس في آخر الزمان لبس الخواتيم في اليدين ولبس ذلك من جملة هذا الباب ، ولا هو بحميد في مذاهب أهل الفضل والنبل وربما ظاهر بعضهم بلبس العدد من الخواتيم زوجين زوجين وكل ذلك مكروه وليس من لباس العلية من الناس وبالجملة فليس يستحسن أن يتختم الرجل إلا بخاتم واحد منقوش فيلبس للحاجة إلى نقشه لا لحسنه وبهجة لونه . انتهى .

وقال الدارمي في الاستذكار يكره للرجل لبس فوق خاتمين فضة ، وقال الخوارزمي في الكافي : يجوز له أن يلبس زوجا في اليد وفردا في الأخرى فإن لبس في هذه زوجا وفي الأخرى زوجا ، فقال الصيدلاني في الفتاوى : لا يجوز ، وقال المحب الطبري في شرح التنبيه : المتجه أنه لا يجوز للرجل لبس الخاتمين سواء أكانا في يدين أم يد واحدة ؛ لأن الرخصة لم ترد بذلك ولم أقف فيه على نقل . انتهى .

وقد عرفت أن المسألة منقولة ، وكلام الرافعي يشعر بالمنع من ذلك مطلقا فإنه قال : ولو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة أو المرأة خلاخيل كثيرة للبس الواحد منها بعد الواحد جاز . انتهى .

فقوله (للبس الواحد بعد الواحد) يشعر بأنه لا يجوز الجمع ، وقد يكون مراده لبس واحد فوق آخر ويدل لذلك قرنه بالخلاخيل ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية