صفحة جزء
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسم خضر إلا أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز خضراء الفروة الحشيش الأبيض وما أشبهه .

قال عبد الله بن أحمد أظن هذا تفسيرا من عبد الرزاق رواه البخاري .


(الحديث الثاني) وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسم خضر إلا أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز خضراء الفروة الحشيش الأبيض وما أشبهه .

قال عبد الله بن أحمد : [ ص: 153 ] أظن هذا تفسيرا من عبد الرزاق رواه البخاري . (فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه من هذا الوجه الترمذي عن يحيى بن موسى عن عبد الرزاق وقال : صحيح غريب وأخرجه البخاري من طريق عبد الله بن المبارك كلاهما عن معمر عن همام عن أبي هريرة وليس في رواية واحد منهما تفسير الفروة .

(الثانية) قوله :

(لم يسم خضر) كذا ضبطنا الفعل مبنيا للمفعول وخضر نائب الفاعل أي لم يسم بهذا الاسم إلا لهذا المعنى وهذا يدل على أنه لقب لقب به دال على رفعته وأن الأرض البيضاء ببركته تخضر بمجرد جلوسه عليها واسمه ( بليا ) بباء موحدة ثم لام مكسورة ثم مثناة تحت ( ابن ملكان ) بفتح الميم وإسكان اللام ، وقيل : كليان وكنيته أبو العباس وقد اختلف الناس في الخضر اختلافا متباينا فاختلفوا أولا في نسبه ومن أغرب ما قيل في ذلك أنه ابن آدم لصلبه وأنه من الملائكة وقيل : إنه من بني إسرائيل وقيل : كان من أبناء الملوك الذين تزهدوا في الدنيا ، وقال ابن قتيبة في المعارف : قال وهب بن منبه : اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح وذكر الثعلبي ثلاثة أقوال في أن الخضر كان في زمن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم أم بعده بقليل أم بكثير واختلف أيضا في نبوته والمشهور أنه نبي وحكاه ابن عطية عن الجمهور .

وقال القشيري وكثيرون : هو ولي وحكاه البغوي في تفسيره عن أكثر أهل العلم والذاهبون إلى نبوته اختلفوا في رسالته واختلف أيضا في حياته فكثير من المحدثين على وفاته واستدل على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد وقال أبو عمرو بن الصلاح هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم في ذلك قال : وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين .

وقال النووي وجمهور العلماء على أنه حي موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة ، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ [ ص: 154 ] عنه وسؤاله وجوابه ووجوده في الموضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تشهر قال : ويتأولون الحديث المتقدم على أنه كان على البحر لا على الأرض أو أنه عام مخصوص .

وقال الثعلبي المفسر : الخضر نبي معمر على جميع الأقوال محجوب عن الأبصار يعني عن أبصار أكثر الناس قال : وقيل : إنه لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن وصنف أبو الفرج بن الجوزي كتابا في حياته .

(الثالثة) هذا المذكور في الحديث هو الصحيح في سبب تلقيبه خضرا وحكاه النووي عن الأكثرين ثم قال : وقيل : لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله قال : والصواب الأول لهذا الحديث .

(قلت) والقول الثاني محكي عن مجاهد .

(الرابعة) هل هذا الوصف وهو اخضرار ما تحته بجلوسه عليه وقع له مرة على سبيل المعجزة أو الكرامة فلقب به أو هو وصف مستمر له ليس في الحديث ما يدل على استمراره له وهو محتمل . .

(الخامسة) تفسير الفروة هنا بأنها الحشيش الأبيض هو المشهور قال في الصحاح : الفروة قطعة نبات مجتمعة يابسة وكذا حكاه في المشارق عن الحربي أنه قال : هي قطعة يابسة من حشيش ثم قال : وقال المطرز عن ابن الأعرابي : الفروة أرض بيضاء ليس فيها نبات ، وكذا قال الخطابي : الفروة جلدة وجه الأرض أنبتت وصارت خضراء بعد أن كانت جرداء ، ثم قال : ويقال فذكر القول الأول ومشى على ذلك الهروي وابن الأثير فرجحا أنها هنا الأرض اليابسة .

(السادسة) إنما فسر الفروة بالحشيش ؛ لأنه اسم لليابس فإن كان رطبا قيل له : خلاء بفتح الخاء مقصور ، ويقال لهما جميعا : الكلأ مقصور مهموز وقوله الأبيض زيادة تأكيد ؛ لأنه إذا يبس ابيض .

(السابعة) ما ظنه عبد الله بن الإمام أحمد من أن هذا تفسير من عبد الرزاق جزم به القاضي عياض والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية