صفحة جزء
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له مرة رفعه ؟ قال نعم وقال مرة يبلغ به يقولون الكرم إنما الكرم قلب المؤمن وعن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يقل أحدكم للعنب الكرم فإنما الكرم الرجل المسلم ولمسلم من حديث وائل بن حجر ولكن قولوا العنب والحبلة .


(الحديث الثاني) وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل له مرة رفعه قال نعم وقال مرة يبلغ به يقولون العنب الكرم إنما الكرم قلب المؤمن وعن همام عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم لا يقل أحدكم للعنب الكرم فإنما الكرم الرجل المسلم (فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه من الطريق الأولى البخاري ومسلم من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، وأخرجه من الطريق الثانية مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام وأخرجه أيضا من طريق أبي الزناد عن الأعرج ، ومن [ ص: 159 ] طريق محمد بن سيرين وأخرجه البخاري أيضا من طريق أبي سلمة كلهم عن أبي هريرة وفي صحيح مسلم من حديث وائل بن حجر لا تقولوا الكرم ولكن قولوا العنب والحبلة .

(الثانية) فيه النهي عن تسمية العنب كرما وليس ذلك على سبيل التحريم ، وإنما هو على سبيل الكراهة كما ذكره النووي في شرح مسلم

وقال أبو العباس القرطبي : هو على جهة الإرشاد لما هو الأولى في الإطلاق انتهى .

وفي استعمال لفظ الإرشاد هنا نظر ؛ لأن الإرشاد ما تعلق بمصلحة دنيوية ، والمصلحة هنا دينية كما ستعرفه فاستعمال النووي لفظ الكراهة أولى ، والله أعلم .

(الثالثة) قال النووي : في هذه الأحاديث كراهية تسمية العنب كرما وكراهية تسمية شجر العنب كرما ، بل يقال عنب أو حبلة (قلت) ليس في صحيح مسلم التصريح بالنهي عن تسمية شجر العنب كرما إلا أن يقال العنب يطلق على الثمرة نفسها وعلى الشجرة المثمرة كذلك ، فيحمل الحديث عليها على قاعدة الشافعي وغيره من حمل المشترك على معنييه أو يكون إطلاقه على أحدهما حقيقة وعلى الآخر مجازا فيحمل اللفظ على حقيقته ومجازه ، ويكون حكم أحدهما مأخوذا من النص ، والآخر من الاستنباط .

(الرابعة) قال أبو العباس القرطبي : إنما سمت العرب العنب بالكرم لكثرة حمله وسهولة قطافه وكثرة منافعه ، وأصل الكرم الكثرة والكريم من الرجال هو الكثير العطاء والنفع ، يقال : رجل كريم وكرام لمن كان كذلك وكرام لمن كثر منه ذلك وهي للمبالغة ، ويقال أيضا : رجل كرم بفتح الراء وامرأة كرم ورجال كرم ونساء كرم وصف بالمصدر على حد عدل وزور وفطر انتهى .

(الخامسة) قال النووي قال العلماء سبب كراهة ذلك أن لفظة الكرم كانت العرب تطلقها على شجرة العنب وعلى العنب وعلى الخمر المتخذة من العنب سموها كرما لكونها متخذة منها ؛ ولأنها تحمل على الكرم والسخاء فكره الشرع إطلاق هذه اللفظة على العنب وشجره ؛ لأنهم إذا سمعوا اللفظة ربما تذكروا الخمر ، وهيجت نفوسهم إليها فوقعوا فيها ، أو قاربوا ذلك وذكر الخطابي في شرح البخاري نحوا منه وقال أبو العباس القرطبي : إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسمية العنب بالكرم ؛ لأنه لما حرم الخمر عليهم وكانت طباعهم تحثهم [ ص: 160 ] على الكرم كره عليه الصلاة والسلام أن يسمى هذا المحرم باسم يهيج طباعهم إليه عند ذكره ، فيكون ذلك كالمحرك على الوقوع في المحرمات ، قاله أبو عبد الله المازري . قال القرطبي : وفيه نظر لأن محل النهي إنما هو تسمية العنب بالكرم وليست العنبة محرمة ، وإنما المحرمة الخمر ، ولم تسم الخمر عنبا حتى ينهى عنها ، وإنما العنب هو الذي يسمى خمرا باسم ما يئول إليه من الخمرية كما قال تعالى إني أراني أعصر خمرا وقول أبي عبد الله كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمي هذا المحرم باسم يهيج الطباع إليه ليس بصحيح ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن تسمية المحرم الذي هو الخمر بالعنب في هذا الحديث بل عن تسمية العنب بالكرم ، فتأمله ترشد .

(السادسة) قال النووي في تتمة كلامه المتقدم الذي حكاه عن العلماء وقال : إنما يستحق هذا الاسم الرجل المسلم أو قلب المؤمن ؛ لأن الكرم مشتق من الكرم بفتح الراء وقد قال تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم فسمي كرما لما فيه من الإيمان والهدى والنور والتقوى والصفات المستحقة لهذا الاسم ، وكذلك الرجل المسلم وقال أبو العباس القرطبي بعد كلامه المتقدم : وإنما محمل هذا الحديث عندي محمل قوله عليه السلام : ليس المسكين بالطواف .

وليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب أي الأحق باسم الكرم المسلم أو قلب المسلم ، وذلك لما حواه من العلوم والفضائل والأعمال الصالحة والمنافع العامة ، فهو أحق باسم الكريم والكرم من العنب (قلت) : وهذا المعنى هو الذي اعتمده البخاري في صحيحه فقال باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الكرم قلب المؤمن وقد قال : إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة كقوله : إنما الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب وكقوله لا ملك إلا الله فوصفه بانتهاء الملك ، ثم ذكر الملوك أيضا فقال إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها .

(السابعة) الحبلة بفتح الحاء المهملة وبفتح الباء وبإسكانها والفتح أكثر وأفصح قال القاضي عياض في الإكمال : أصل الكرمة وقال النووي في شرح مسلم شجرة العنب ، وقال في الصحاح القضيب من الكرم ، وقال في النهاية : الأصل أو القضيب من شجر الأعناب ، وقال في المحكم : الحبلة أي بفتح الحاء والباء والحبلة أي بضم الحاء وإسكان الباء الكرم وقيل الأصل من أصول الكرم والحبل أي بفتح الحاء [ ص: 161 ] والباء شجر العنب الواحدة حبلة ، وحبلة عمرو ضرب من العنب بالطائف بيضاء محدد الأطراف متداحضة العناقيد انتهى . وأما الحبلة بضم الحاء وإسكان الباء فهي ثمر السمر ، وقيل : ثمر العضاه مطلقا وقيل غير ذلك ومنه حديث وما لنا طعام إلا ورق الحبلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية