صفحة جزء
حق الضيف عن عقبة بن عامر قال قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى في ذلك ؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا ، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم .


حق الضيف عن عقبة بن عامر أنه قال قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى في ذلك ؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم .

(فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه من هذا الوجه من طريق الليث بن سعد وأخرجه الترمذي من طريق عبد الله بن لهيعة كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة ولفظ الترمذي (قلت) يا رسول الله إنا نمر بقوم فلا هم يضيفونا ولا هم يؤدون ما لنا عليهم من حق ولا نأخذ منهم فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم إن أبوا إلا أن تأخذوا كرها فخذوا وقال حديث حسن .

(الثانية) [ ص: 225 ] قوله لا يقرونا بفتح الياء يقال قرى الضيف قرى بكسر القاف مقصور وقراء بفتح القاف ممدود .

(الثالثة) ظاهره أن قرى الضيف واجب بحيث لو امتنع من فعله أخذت الضيافة من الممتنع قهرا ، وقد حكي القول بظاهره عن الليث بن سعد وقال أحمد بن حنبل بوجوبه على أهل البادية دون أهل القرى ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي والجمهور أنها سنة متأكدة ولا يصل أمرها إلى الوجوب ولا إلى أخذها من الممتنع منها قهرا وأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة :

(أحدها) أنه محمول على المضطرين فإن ضيافتهم واجبة فإذا لم يضيفوهم فلهم أن يأخذوا حاجتهم من مال الممتنعين وهل هو بعوض أو بغير عوض ، ذهب الشافعي إلى الأول وحكي الثاني عن طائفة من أهل الحديث .

ذكر هذا الجواب الخطابي وغيره وحكي أن الذاهبين إلى أنه بغير عوض احتجوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه جلب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا من غنم لرجل من قريش له فيها عبد يرعاها وصاحبها غائب وشربه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في مخرجه من مكة إلى المدينة .

قال واحتجوا أيضا بحديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من دخل حائطا فليأكل منه ولا يتخذ خبنة ، وعن الحسن أنه قال (إذا مر الرجل بالإبل ، وهو عطشان صاح برب الإبل ثلاثا فإن أجابه وإلا حلب وشرب) .

(الثاني) أن المراد أن لكم أن تأخذوا من أعراضهم بألسنتكم وتذكروا للناس لؤمهم وبخلهم والعتب عليهم وذمهم حكاه المازري عن الشيخ أبي الحسن قال ولعله أراد حمل الحديث على ما يعم لأن ما قلناه أي من الجواب الأول يخص قال ولكنه مع خصوصيته أرجح من جهة أن العتب واللوم والذم عند الناس ندب الشرع إلى تركه لا إلى فعله .

(الثالث) أن هذا كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة فلما اتسع الإسلام نسخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام جائزته يوم وليلة .

قالوا والجائزة تفضل وليست بواجبة حكاه ابن بطال عن أكثر العلماء وقال النووي بعد ذكره عن حكاية القاضي عياض له : وهو تأويل ضعيف أو باطل لأن هذا الذي ادعاه قائله لا يعرف .

[ ص: 226 ] الرابع) أن هذا الحديث ورد في العمال المبعوثين من جهة الإمام بدليل قوله إنك تبعثنا فكان على المبعوث إليهم طعامهم ومركبهم وسكناهم يأخذونه عن العمل الذي يتولونه لأنه لا مقام لهم إلا بإقامة هذه الحقوق ، وذكره الخطابي وقال إنما يلزم ذلك لمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثهم في زمانه وليس إذ ذاك للمسلمين بين مال فأما اليوم فأرزاقهم في بيت المال لا حق لهم في أموال المسلمين قال وإلى نحو ذلك منه ذهب أبو يوسف في الضيافة على أهل نجران فزعم أنها كانت خاصة .

(الخامس) أنه محمول على من مر من أهل المدينة [ على ] الذين شرط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين قال الخطابي ، وقد كان عمر رضي الله عنه حين ضرب الجزية على نصارى الشام جعل عليهم الضيافة لمن نزل بهم فإذا شرطت على قوم من أهل الذمة مع الجزية فمنعوها كان للضيف أن يأخذ حقه من عرض أموالهم قال النووي وهذا أيضا ضعيف إنما صار هذا في زمن عمر رضي الله عنه أي فكيف يحمل الحديث عليه .

(السادس) بوب عليه الترمذي في جامعه ما يحل من أموال أهل الذمة ، ثم قال إنما معنى الحديث أنهم كانوا يخرجون في الغزو فيمرون بقوم ولا يجدون من الطعام ما يشترون بالثمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن أبوا أن يبيعوا إلا أن تأخذوا كرها فخذوا " .

هكذا روي في بعض الحديث مفسرا (وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأمر بنحو هذا انتهى) .

وتبويبه قد يوافق الجواب الخامس ولكن ما شرح به الحديث يقتضي حمله على من امتنع من بيع للمحتاج ، وإن لم يصل به الحال للضرورة فإن كان مضطرا فهو الجواب الأول والله أعلم .

(الرابعة) استدل به البخاري رحمه الله على مسألة الظفر وأن الإنسان إذا كان له على غيره حق فمنعه إياه وجحده كان له أن يأخذ ما قدر عليه من ماله في مقابلة ما منعه من حقه فبوب عليه (باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه ) وحكي عن ابن سيرين أنه قال يقاصه وقرأ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به وبهذا قال الشافعي فجزم بالأخذ فيما إذا لم يمكن تحصيل الحق بالقاضي بأن يكون منكرا ولا بينة لصاحب الحق قال ولا يأخذ غير الجنس مع ظفره بالجنس فإن لم يجد إلا غير [ ص: 227 ] الجنس جاز الأخذ ، وإن أمكن تحصيل الحق بالقاضي بأن كان مقرا مماطلا أو منكرا عليه بينة أو كان يرجو إقراره لو حضر عند القاضي وعرض عليه اليمين فهل يستقل بالأخذ أو يجب الرفع إلى القاضي ؟ فيه للشافعية وجهان أصحهما عند أكثرهم جواز الأخذ وقال ابن بطال اختلف قول مالك في ذلك فروى ابن القاسم عنه أنه لا يفعل وروي عنه الأخذ إذا لم يكن فيه زيادة وروى ابن وهب عنه أنه إذا لم يكن على الجاحد دين فله الأخذ ، وإن كان عليه دين فليس له أن يأخذ إلا بقدر ما يكون فيه أسوة بالغرماء وقال أبو حنيفة يأخذ من الذهب الذهب ومن الفضة الفضة ومن المكيل المكيل ومن الموزون الموزون ولا يأخذ غير ذلك وقال زفر .

له أن يأخذ العوض بالقيمة ، قال ابن بطال وأولى الأقوال بالصواب قول من أجاز بدلالة الآية وحديث هند ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز لها أن تطعم عائلة زوجها من ماله بالمعروف عوضا عما قصر في إطعامهم فدخل في معنى ذلك كل من وجب عليه حق لم يوفه أو جحده فيجوز له الاقتصاص منه انتهى .

وقد يقال إن في الاستدلال بحديث عتبة على ذلك نظر فإنه لم يقل فيه خذوا منهم بطريق الظفر والقهر فلعل معناه خذوا منهم برفع الأمر إلى الحكام ليلزموهم بما يجب عليهم من ذلك ، وفي سنن أبي داود من حديث المقدام بن معدي كرب أبي كريمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل أضاف قوما فأصبح الضيف محروما فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلة من زرعه وماله ورواه أيضا بلفظ ليلة الضيف حق على كل مسلم فمن أصبح بفنائه فهو دين عليه فإن شاء اقتضى ، وإن شاء ترك فظاهر هذا الحديث أنه يقتضي ويطالب وينصره المسلمون ليصل إلى حقه لا أنه يأخذ ذلك بيده من غير علم أحد والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية