صفحة جزء
وعنه قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي .


الحديث الثاني وعنه قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم أنا عند ظن عبدي بي (فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه الأئمة الستة خلا أبا داود من طريق الأعمش عن أبي صالح وأخرجه مسلم والترمذي أيضا من طريق يزيد بن الأصم كلاهما عن أبي هريرة .

(الثانية) قوله أنا عند ظن عبدي بي قال القاضي عياض قيل معناه بالغفران له إذا استغفرني والقبول إذا تاب والإجابة إذا دعاني والكفاية إذا استكفاني لأن هذه الصفات لا تظهر من العبد إلا إذا حسن ظنه بالله وقوي يقينه قال القابسي ويحتمل أن يكون تحذيرا مما يجري في نفس العبد مثل قوله تعالى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله وقال الخطابي في قوله لا يموتن أحدكم إلا ، وهو يحسن الظن بالله تعالى يعني في حسن عمله فمن حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه .

وقد يكون من الرجاء وتأميل العفو واقتصر النووي في نقله عن القاضي عياض على القول الذي حكاه أولا والذي حكاه آخرا وعبر [ ص: 234 ] عنه بقوله وقيل المراد به الرجاء وتأميل العفو . ثم قال وهذا أصح .

وقال أبو العباس القرطبي قيل معناه ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن قبول الأعمال عند فعلها على شروطها تمسكا بصادق وعده وجزيل فضله قال ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة وكذلك ينبغي للتائب والمستغفر وللعامل أن يجتهد في القيام بما عليه من ذلك موقنا أن الله تعالى يقبل عمله ويغفر ذنبه فإن الله تعالى قد وعد بقبول التوبة الصادقة والأعمال الصالحة فأما لو عمل هذه الأعمال ، وهو يعتقد ، أو يظن أن الله لا يقبلها وأنها لا تنفعه فذلك هو القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله ، وهو من أعظم الكبائر ومن مات على ذلك وصل إلى ما ظن منه كما قد جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ما شاء .

فأما ظن الرحمة والمغفرة مع الإصرار على المعصية فذلك محض الجهل والغرة ، وهو يجره إلى مذهب المرجئة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله .

والظن تغليب أحد المجوزين بسبب يقتضي التغليب فلو خلا عن السبب المغلب لم يكن ظنا بل غرة وتمنيا انتهى .

(الثالثة) فيه ترجيح جانب الرجاء وأن الإنسان إذا أمل عفو الله وصفحه أعطاه الله أمله وعفا عنه .

وأما قوله تعالى وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون فذلك في حق الكفار وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله أي طلب المغفرة من غير تحفظ ولا توبة ولا تعاطي سبب والمؤمل عفو الله لا يكون أمله إلا عن سبب من توبة واستغفار وتقرب بحسنات تمحو سيئاته فيرجو لحوق الرحمة له ومحو سيئاته .

وقد كان السلف يستحبون استحضار ما يقتضي الرجاء قرب الموت ليحصل معه ظن المغفرة فيدخل في هذا الحديث ونحوه بخلاف زمن الصحة ينبغي فيه استحضار ما يقتضي الخوف ليكون أعون على العمل ، وأما حالة الموت [ ص: 235 ] فإنه لا عمل فيها فإذا لم يرج أيس وإذا رجا انبسط وحمله ذلك على التوبة والتقرب في تلك الحالة بما أمكنه والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية