صفحة جزء
وعن نافع أن عبد الله كان يقول : إن الرجال ، والنساء كانوا يتوضئون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا رواه البخاري .


(الحديث الثاني)

وعن نافع أن عبد الله كان يقول : إن الرجال ، والنساء كانوا يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا رواه البخاري (فيه فوائد) [ ص: 38 ]

(الأولى) أخرج هذا الحديث أيضا أبو داود ، والنسائي وابن ماجه من طريق مالك وأخرجه أبو داود أيضا من رواية أيوب وعبيد الله مفترقين كلهم عن نافع .

(الثانية) إضافة الصحابي الفعل إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على رفعه ؛ لأن الظاهر اطلاعه خلافا لأبي بكر الإسماعيلي وطائفة كما حكاه ابن الصلاح وغيره عنهم . وينبغي أن لا يجري خلاف الإسماعيلي في هذا الحديث ؛ لأن بعض النساء نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم معه كعائشة وميمونة وأم سلمة كما سيأتي في الأحاديث الصحيحة فهذا مصرح باطلاعه فلا يجري فيه الخلاف والله أعلم .

(الثالثة) حمل بعض العلماء قوله جميعا على أنهم كانوا يتوضئون في موضع واحد ، وأنه ليس المراد وضوء أحدهما بفضل الآخر حكاه ابن التين في شرح البخاري . وهذا يرده رواية هشام ابن عمار عن مالك فقال فيها من إناء واحد رواه ابن ماجه . وكذا رواه أبو داود من رواية أيوب عن نافع وفي رواية له من رواية عبيد الله عن نافع كنا نتوضأ نحن ، والنساء من إناء واحد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ندلي فيه أيدينا .

(الرابعة) حمل سحنون أيضا من المالكية معنى الحديث على أنه يتوضأ الرجال ويذهبون ، ثم تأتي النساء فيتوضئون حكاه ابن التين أيضا ، وهو خلاف الظاهر من قوله جميعا فهو ظاهر في اجتماعهما في حالة الاغتسال ، وكذا رواية ندلي أيدينا فيه ، وأصرح منه حديث عائشة كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة .

وهو متفق عليه وسيأتي في باب الغسل إن شاء الله تعالى وفي الصحيحين من حديث أم سلمة أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد وللبخاري من حديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل هو ، والمرأة من نسائه من إناء واحد . ولمسلم من حديث ميمونة أنها كانت تغتسل هي ، والنبي صلى الله عليه وسلم في إناء واحد وله من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة . وهذا أيضا يدل على بطلان ما خصصه به سحنون من تأخير غسل النساء عن الرجال وأصرح منه ما رواه أصحاب السنن من حديث ابن عباس اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه قالت : يا رسول الله إني كنت جنبا قال : إن الماء لا يجنب . لفظ الترمذي وقال [ ص: 39 ] حسن صحيح .

(الخامسة) أطلق ابن عمر في حديثه وضوء النساء ، والرجال جميعا ولا شك أنه ليس المراد به الرجال من النساء الأجانب ، وإنما أراد الزوجات أو من يحل له أن يرى منها مواضع الوضوء ولذلك بوب عليه البخاري باب وضوء الرجل مع امرأته .

(السادسة) فإن قيل فقد روى أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن من حديث أم صبية الجهنية قالت : اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد .

وليست أم صبية هذه زوجة ولا محرما نعم قيل : إنها خولة بنت قيس ، وإنها كانت زوجة حمزة وقيل : إن زوجة حمزة غيرها ، ولو ثبت ذلك فزوجة العم ليست محرما .

والجواب أنه لا يبعد عد ذلك من الخصائص فقد كان صلى الله عليه وسلم يقيل عند أم حرام كما ثبت في الصحيح وقول القاضي عياض ومن تبعه : إنه كانت بينهما محرمية من الرضاعة رده الحافظ أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في جزء له في ذلك ، وقد رأيت في كلام بعض العلماء من غير الشافعية الإشارة إلى أن ذلك من الخصائص ولم يذكره أصحابنا .

(السابعة) فيه حجة للجمهور أنه لا بأس أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة كعكسه ، وأنه لا بأس بوضوئهما واغتسالهما جميعا .

قال النووي : فأما تطهيرهما من إناء واحد فهو جائز بإجماع المسلمين ، وكذلك طهر المرأة بفضل الرجل جائز بالإجماع أيضا .

وأما طهر الرجل بفضلها فهو جائز عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وجماهير العلماء سواء خلت به أم لم تخل قال بعض أصحابنا : ولا كراهة في ذلك وذهب أحمد وداود إلى أنها إذا خلت بالماء واستعملته لا يجوز للرجل استعمال فضلها مطلقا وروي هذا عن عبد الله بن سرجس والحسن البصري وروي عن الحسن وابن المسيب كراهية فضلها مطلقا وروي عن أحمد كمذهبنا انتهى .

وما حكاه من إجماع المسلمين على جواز تطهيرهما من إناء واحد ، وكذلك حكاية صاحب المفهم أيضا الاتفاق عليه ليس بجيد .

فقد حكى ابن عبد البر في التمهيد عن طائفة أنه لا يجوز أن يغترف الرجل مع المرأة من إناء واحد ؛ لأن كل واحد منهما يتوضأ حينئذ بفضل صاحبه انتهى .

وكذلك نقل النووي الإجماع على جواز تطهرها بفضل الرجل فيه نظر فقد حكى الطحطاوي في شرح معاني الآثار عن قوم أنهم كرهوا أن يتوضأ كل منهما بفضل الآخر وحكى الترمذي [ ص: 40 ] عن أحمد وإسحاق أنهما كرها فضل طهورها ولم يريا بفضل سؤرها بأسا .

(الثامنة) احتج أحمد لما ذهب إليه بحديث الحكم بن عمرو الغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة أو قال بسؤرها . رواه أبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وهذا لفظه وقال حديث حسن وخالفه الجمهور في تحسينه كما قال النووي في الخلاصة فقال البخاري : حديث الحكم ليس بصحيح ، وقد ورد في حديث آخر النهي لكل منهما عن فضل الآخر رواه ابن ماجه من حديث عبد الله بن سرجس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة ، والمرأة بفضل وضوء الرجل ولكن يشرعان جميعا . قال البخاري الصحيح أنه موقوف على عبد الله بن سرجس ومن رفعه فقد أخطأ وهكذا قال الدارقطني وغيره ، وقد روى أبو داود بإسناد صحيح من رواية حميد الحميري قال : لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة . وزاد في رواية ليغترفا جميعا وأجاب الخطابي عن ذلك بأن النهي محمول على ما سال من الأعضاء عند التطهر به دون ما بقي في الإناء قال : ومن الناس من حمل النهي على الاستحباب دون الإيجاب قال الخطابي وإسناد حديث الإباحة أجود من إسناد خبر النهي .

(التاسعة) حكى الخطابي أيضا عن ابن عمر أنه كان يذهب إلى أن النهي عن فضل وضوء المرأة إنما هو إذا كانت جنبا أو حائضا ، فإذا كانت طاهرا فلا بأس به .

وهذا يرده حديث ابن عباس المتقدم الذي أخرجه أصحاب السنن ، وفيه فقالت إني كنت جنبا فقال : إن الماء لا يجنب .

صححه الترمذي ويرده ما في الصحيح من حديث عائشة كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ونحن جنبان .

وهذا وإن لم يكن صريحا في وضوئه بفضلها ، فإن تقدم اغتراف عائشة موجب لاستعماله لفضلها ، وقد روى الطحاوي في حديث عائشة هذا بإسناد صحيح يغترف قبلها وتغترف قبله والله أعلم .

(العاشرة) فيه حجة لطهارة الذمية وجواز استعمال فضل طهورها وسؤرها لجواز تزوجهن وعدم التفرقة في ذلك بين المسلمة وغيرها ، وقد أشار [ ص: 41 ] البخاري إلى استدلاله به على ذلك ، فإنه قال : باب وضوء الرجل مع امرأته ، ثم قال : وتوضأ عمر بالحميم ومن بيت نصرانية ، ثم ذكر حديث الباب ، وما دل عليه الحديث من طهارة سؤر أهل الكتاب ، وهو قول أكثر أهل العلم الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأبي ثور قال ابن المنذر : ولا أعلم أحدا كرهه يعني سؤر النصرانية غير أحمد وإسحاق وعن مالك روايتان انتهى .

وفي رواية الشافعي في الأم في أثر عمر من جرة نصرانية قال النووي في شرح المهذب : وحكم المسألة أنه يكره استعمال أواني الكفار وثيابهم سواء فيه أهل الكتاب وغيرهم ، والمتدين باستعمال النجاسة وغيره قال : وإذا تطهر من إناء كافر ولم يتيقن طهارته ولا نجاسته ، فإن كان من قوم لا يتدينون باستعمال النجاسة صحت طهارته بلا خلاف ، وإن كان من قوم يتدينون بها فوجهان الصحيح منهما أنه تصح طهارته .

(الحادية عشر) استدل به ابن عبد البر على أنه لا تحديد في ماء الوضوء ، والغسل فقال في التمهيد : وإذا جاز وضوء الجماعة معا رجالا ونساء ففي ذلك دليل على أنه لا تحديد ولا توقيت فيما يقتصر عليه المتوضئ ، والمغتسل من الماء إلا الإتيان منه بما أمر الله من غسل ومسح انتهى ، وفي وجه الدلالة منه نظر .

التالي السابق


الخدمات العلمية