صفحة جزء
وعن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق : ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا كما حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس وفي طريق للبخاري وهي صلاة العصر ولمسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وفيه ثم صلاها بين العشاءين المغرب ، والعشاء .


(الحديث الخامس) وعن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ما لهم ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا كما حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس فيه فوائد :

(الأولى) يوم الخندق إحدى غزواته صلى الله عليه وسلم ويقال له يوم الأحزاب ، وقد عبر به في رواية مسلم وفي هذا الحديث ، والمشهور أنه كان في السنة الرابعة [ ص: 169 ] وقيل في الخامسة وليس المراد بيوم الخندق يوما بعينه بل هو إشارة إلى الغزاة كما يقال يوم بدر ويوم أحد ونحو ذلك وسمي بذلك للخندق الذي حفر حول المدينة ، وهو فارسي معرب وأصله كندة أي محفور .

(الثانية) الضمائر في قوله ما لهم ملأ الله بيوتهم وقبورهم يعود على المشركين الذين شغلوه عن الصلاة بمقاتلتهم ، وهو دعاء بدليل قوله في رواية الترمذي : اللهم املأ قبورهم وبيوتهم نارا ففيه جواز الدعاء على المشركين بمثل هذا ، وفي رواية أبي عوانة في صحيحه وبطونهم وفي رواية للبخاري في التفسير ملأ الله قبورهم وبيوتهم أو أجوافهم شك يحيى نارا وفي رواية لمسلم ملأ الله قبورهم نارا أو بيوتهم أو بطونهم شك شعبة في البيوت ، والبطون .

(الثالثة) مقتضى هذا الحديث أنه استمر اشتغاله بقتال المشركين حتى غابت الشمس ويعارضه ما في صحيح مسلم عن ابن مسعود أنه قال حبس المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا أو حشى الله أجوافهم وقبورهم نارا ، ومقتضى هذا أنه لم يخرج الوقت بالكلية .

وقال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة : انحبس انتهى إلى ذلك الوقت أي الحمرة أو الصفرة ولم تقع الصلاة إلا بعد المغرب ، وقد يكون ذلك للاشتغال بأسباب الصلاة أو غيرها انتهى وروى ابن حبان في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الخندق : شغلونا عن صلاة العصر ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا أو قلوبهم قال ، ولم يصلها يومئذ حتى غابت الشمس فقد يفهم من هذا اللفظ الأخير أنه لم يؤخر بعد المغيب سوى الصلاة فقط مع تقديم الأسباب على خروج الوقت .

وهذا يؤيد الجواب المتقدم ويمكن أن يجاب بجواب آخر ، وهو أن وقعة الخندق بقيت أياما فأخر في بعضها الصلاة إلى الحمرة أو الصفرة وفي بعضها إلى الغروب ويؤيده أن راوي التأخير إلى الغروب غير راوي التأخير إلى الحمرة أو الصفرة على أن لفظ رواية ابن ماجه لحديث ابن مسعود حتى غابت الشمس .

(الرابعة) مقتضى هذه الرواية المشهورة أنه لم يفت غير العصر وفي الموطإ الظهر ، والعصر وفي جامع الترمذي [ ص: 170 ] عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق الحديث وقال ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله فمال ابن العربي إلى الترجيح ، وقال : الصحيح أن التي شغل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة ، وهي العصر وقال النووي : طريق الجمع بين هذه الروايات أن وقعة الخندق بقيت أياما فكان هذا في بعض الأيام ، وهذا في بعضها .

(الخامسة) قال النووي : وأما تأخير النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر حتى غربت الشمس فكان قبل نزول صلاة الخوف قال العلماء يحتمل أنه أخرها نسيانا لا عمدا وكان السبب في النسيان الاشتغال بأمر العدو ويحتمل أنه أخرها عمدا للاشتغال بالعدو وكان هذا عذرا في تأخير الصلاة قبل نزول صلاة الخوف .

وأما اليوم فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العدو ، والقتال بل يصلي صلاة الخوف على حسب الحال ، ولها أنواع معروفة في كتب الفقه انتهى .

وقال القاضي عياض بعد ذكره الاحتمالين المتقدمين وذهب مكحول إلى تأخير صلاة الخوف إذا لم يمكن أداؤها معه إلى وقت الأمن على ظاهر هذا الحديث ، والصحيح الذي عليه الجمهور صلاتها على سنتها إذا أمكن ، فإن لم يستطع فبحسب قدرته ولا يؤخرها ، ثم قال وقيل فيه وجه آخر أن يكونوا على غير وضوء فلم يمكنهم ترك ما هم فيه للوضوء ، والتيمم ولا الصلاة دون طهارة ونقل القرطبي التأخير على ظاهر هذا الحديث عن مكحول ، والشاميين .

(السادسة) قوله عن الصلاة الوسطى كذا الرواية ، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته نحو قوله تعالى وما كنت بجانب الغربي ومذهب الكوفيين جوازه ومنعه البصريون وأولوا ما كان نحو هذا بأن قدروا فيه موصوفا محذوفا فالتقدير عندهم في الآية وما كنت بجانب الغربي وفي الحديث حبسونا عن الصلاة الوسطى أي عن فعل الصلاة الوسطى .

(السابعة) الوسطى فعلى واختلفوا هل هو فعلى من العدد المتوسط ، وهو مساو في البعد لكل واحد من الطرفين أي إن هذه الصلاة متوسطة في العدد بين شيء قبلها وشيء بعدها أو من الوسط ، وهو الفاضل ومنه قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا فالمراد بكونها وسطى أي [ ص: 171 ] فضلى قولان مشهوران ، وعلى الأول فذكر بعضهم احتمالين في قوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى

أحدهما أن قوله حافظوا على الصلوات يدل على ثلاثة من الصلوات إذ أقل الجمع ثلاثة على الأصح وقوله ، والصلاة الوسطى يدل على صلاتين إحداهما من جوهر اللفظ إذ العطف يقتضي المغايرة ، والأخرى من لازمه إذ لا يمكن أن يكون للمجموع من هذه الصلاة ، ومن الصلوات المذكورة قبلها وسط فلا بد من ضم أخرى إليها حتى تصير خمسة فيكون لها وسط .

(ثانيهما) أن قوله حافظوا على الصلوات يتناول الصلوات الخمس وقوله : والصلاة الوسطى من عطف الخاص على العام ، وهو دال على شرفه ، والاهتمام به ، وهذا الثاني أرجح ، وهذا الخلاف مبني على مسألة أصولية ذكرها الروياني في البحر عن والده ، وهي أن اللفظ العام إذا عقب بذكر من كان من حق العموم أن يتناوله هل يدل هذا التخصيص على أنه غير مراد باللفظ العام إذا لو كان داخلا تحته لم يكن للإفراد فائدة أو هو داخل في العموم وفائدته التأكيد ومثل له بهذه الآية الكريمة .

وقال الطحاوي قال قوم سميت صلاة العصر الوسطى ؛ لأنها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار وقال آخرون ما رويناه عن عبيد الله بن محمد بن عائشة قال : إن آدم عليه السلام لما تليت عليه عند الفجر صلى ركعتين فصارت الصبح وفدي إسحاق عند الظهر فصلى إبراهيم عليه السلام أربعا فصارت الظهر وبعث عزير فقيل كم لبثت فقال يوما فرأى الشمس فقال أو بعض يوم فصلى أربعا فصارت العصر وغفر لداود عليه السلام عند المغرب فقام يصلي أربع ركعات فجهد فجلس في الثالثة فصارت المغرب ثلاثا وأول من صلى العشاء الآخرة نبينا صلى الله عليه وسلم فلذلك قالوا الصلاة الوسطى هي صلاة العصر .

قال الطحاوي فهذا عندنا معنى صحيح ؛ لأن أولى الصلوات إن كانت الصبح وآخرها العشاء الآخرة فالوسطى فيما بين الأولى ، والأخيرة ، وهي العصر انتهى وقال القاضي عياض ذكر الوسطى إما أن يراد به التوسط في الركوع والسجود أو في العدد أو في الزمان فأما الركوع والسجود ، فإن حكم الصلوات فيها واحد فهذا القسم لا يراعى للاتفاق عليه .

وأما القسمان الآخران ، فإن راعينا العدد أدى إلى [ ص: 172 ] مذهب قبيصة بن ذؤيب أنها المغرب ؛ لأن أكثر أعداد الصلوات أربع ركعات وأقلها اثنتان ، والوسط ثلاث فهي المغرب ، وإن راعينا الأوسط في الزمان كان الأبين أن الصحيح أحد قولين إما الصبح وإما العصر فأما الصبح ، فإنا إذا قلنا : إن ما بين الفجر وطلوع الشمس ليس من النهار ولا من الليل كانت هي الوسطى ؛ لأن الظهر والعصر من النهار ، والمغرب والعشاء من الليل وبقي وقت الصبح مشتركا فهو وسط بين الوقتين ، وعلى القول بأن ذلك الزمان من النهار يكون الأظهر أن الوسطى العصر ؛ لأن الصبح والظهر سابقتان للعصر ، والمغرب والعشاء متأخران عن العصر فهي إذا وسط بينهما انتهى .

وقال أبو العباس القرطبي لا يصلح هذا الذي ذكر أن يكون سببا للخلاف فيها إذ لا مناسبة لما ذكر لكون هذه الصلاة أفضل وأوكد من غيرها أما أعداد الركعات فالمناسب هو أن يكون الرباعية أفضل ؛ لأنها أكثر ركعات وأكثر عملا ، والقاعدة أن ما كثر عمله كثر ثوابه .

وأما مراعاة أعداد الصلوات فيلزم منه أن تكون كل صلاة هي الوسطى ، وهو الذي أبطلناه وأيضا فلا مناسبة بين ذلك وبين أكثرية الثواب ، وأما اعتبارها من حيث الأزمان فغير مناسب أيضا ؛ لأن نسبة الصلاة إلى الزمان كلها من حيث الزمانية واحدة ، فإن فرض شيء يكون في بعض الأزمان أفضل فذلك لأمر خارج الأزمان قال : والذي يظهر لي أن السبب في خلافهم فيها اختلافهم في مفهوم الكتاب ، والسنة وساق الكلام على ذلك .

وقال الشيخ زكي الدين المنذري في المراد بالوسطى ثلاثة أقوال : أحدها أوسط الصلوات مقدارا ، والثاني أنها أوسطها محلا والثالث أنها أفضلها وأوسط كل شيء أفضله فمن قال الوسطى الفضلى جاز لكل مذهب أن يدعيه ومن قال مقدارا فهي المغرب ؛ لأن أقلها ركعتان وأكثرها أربع ومن قال محلا ذكر كل واحد مناسبة توجه بها قوله ، ثم حكى مذاهب العلماء فيها كما سيأتي .

(الثامنة) في صحيح البخاري ، وهي صلاة العصر وفي صحيح مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر [ ص: 173 ] وهي حجة واضحة لمن قال : إن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر قال الترمذي ، وهو قول أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم وعزاه للجمهور أيضا الماوردي ، والبغوي وابن عطية وغيرهم وبه قال أبو حنيفة وصاحباه وأحمد وداود وابن المنذر وابن حبيب من المالكية والماوردي من الشافعية وحكاه ابن المنذر عن علي وأبي هريرة وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وابن عمر وابن عباس وعبيدة السلماني والحسن البصري والضحاك بن مزاحم وحكاه الخطابي عن عائشة وحفصة وحكاه البيهقي عن أبي بن كعب وعبد الله بن عمرو وحكاه النووي في شرح مسلم عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وقتادة والكلبي ومقاتل .

والقول الثاني إنها الصبح حكاه ابن المنذر عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وعكرمة وطاوس وعطاء ومجاهد وحكاه الخطابي عن أبي موسى الأشعري وجابر بن عبد الله ، والمكيين وحكاه البيهقي عن أنس بن مالك وحكاه النووي عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل والربيع بن أنس وبه قال مالك والشافعي كما نص عليه جمهور أصحابه نعم قال الماوردي مذهب الشافعي أنها العصر لصحة الأحاديث فيه قال : وإنما نص على أنها الصبح ؛ لأنه لم تبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر ومذهبه اتباع الحديث .

وأما نقل ابن عبد البر ، والقاضي عياض عن الشافعي أنه يقول : إنها العصر فهو وهم أو مؤول على ما تقدم عن الماوردي وحكى الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره عن علي بن أبي طالب أنها الصبح ، وهي رواية عنه ذكرها مالك في الموطإ أنه بلغه أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس كانا يقولان : الصلاة الوسطى صلاة الصبح قال مالك : وذلك رأيي وقال ابن عبد البر : لا خلاف عن علي من وجه صحيح أنها العصر .

قال : وقد روي من حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي أنه قال في الصلاة الوسطى صلاة الصبح قال : وحسين هذا متروك الحديث مديني ولا يصح حديثه بهذا الإسناد قال : وقال قوم إن ما أرسله مالك في الموطإ عن علي أخذه من حديث ضميرة هذا ؛ لأنه لا يوجد عن علي إلا من حديثه والصحيح عن علي من وجوه شتى صحاح أنه قال في الصلاة الوسطى صلاة العصر .

(القول الثالث) أنها صلاة [ ص: 174 ] الظهر رواه أبو داود في سننه عن زيد بن ثابت قال ابن المنذر ورويناه عن ابن عمر وعائشة وعبد الله بن شداد ورواه البيهقي عن أسامة بن زيد وأبي سعيد الخدري وابن عمر ، وهو رواية عن أبي حنيفة .

(الرابع) أنها المغرب قاله قبيصة بن ذؤيب ، وهو رواية عن قتادة .

(الخامس) أنها العشاء حكاها أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان عن بعضهم وإليه ذهب علي بن أحمد النيسابوري في تفسيره .

(السادس) أنها إحدى الخمس مبهمة واستأثر الله بعلمها قاله الربيع بن خيثم وحكي عن سعيد بن المسيب ونافع وشريح ، ومال إليه أبو الحسن بن المفضل المقدسي وصححه القاضي أبو بكر بن عربي قال : لأن الأحاديث التي ساقها الترمذي لم يصححها ويعارضها حديث عائشة (قلت) قد صحح البخاري وغيره حديث علي .

(السابع) أنها جميع الخمس حكاه النقاش في تفسيره عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن غنم وحكاه أبو العباس القرطبي عن معاذ وقال : لأنها أوسط الدين وضعفه القاضي عياض وقال النووي : وهو ضعيف أو غلط ؛ لأن العرب لا تذكر الشيء مفصلا ، ثم تحمله ، وإنما تذكره مجملا ، ثم تفصله أو تفصل بعضه تنبيها عن فضيلته ، وقال القرطبي : إنه أضعف هذه الأقوال ؛ لأنه يؤدي إلى خلاف عادة الفصاحة من أوجه :

(أحدها) فذكر ما تقدم عن النووي .

(ثانيها) أن الفصحاء لا يطلقون لفظ الجمع ويعطفون عليه أحد مفرداته ويريدون بذلك المفرد ذلك الجمع ، فإن ذلك في غاية العي والإلباس .

(ثالثها) أنه لو أراد بالصلاة الوسطى الصلوات لكان كأنه قال حافظوا على الصلوات ، والصلاة ويريد بالثاني الأول ، ولو كان كذلك لما كان فصيحا في لفظه ولا صحيحا في معناه إذا لا يحصل باللفظ الثاني تأكيد الأول ؛ لأنه معطوف عليه ولا يفيد معنى آخر فيكون حشوا وحمل كلام الله على شيء من هذه الثلاثة غير مسوغ ولا جائز انتهى .

ومال ابن عبد البر إلى هذا القول فقال في التمهيد : كل واحدة من الخمس وسطى ؛ لأن قبل كل واحدة منهن صلاتين وبعدها صلاتين ، والمحافظة على جميعهن واجب .

(الثامن) أنها صلاة الجمعة حكاه الماوردي وغيره وضعفه القاضي عياض والنووي بأن المفهوم من الإيصاء بالمحافظة عليها إنما هو ؛ لأنها معرضة للضياع ، وهذا لا يليق [ ص: 175 ] بالجمعة ، فإن الناس يحافظون عليها في العادة أكثر من غيرها ؛ لأنها تأتي في الأسبوع مرة بخلاف غيرها .

(قلت) ويمكن أن يقال إن المفهوم من الإيصاء بالمحافظة عليها كونها أفضل من غيرها وأشد تأكدا فيخشى من عاقبة إضاعتها ، والتفريط فيها أكثر من غيرها ، وهذا موجود في الجمعة والله أعلم .

(التاسع) أنها الجمعة في يوم الجمعة وفي سائر الأيام الظهر حكاه أبو بكر محمد بن مقسم في تفسيره عن علي بن أبي طالب .

(العاشر) أن الصلاة الوسطى صلاتان العشاء ، والصبح حكاه ابن مقسم في تفسيره عن أبي الدرداء .

(الحادي عشر) أنهما صلاتان إحداهما ثابتة بالقرآن ، وهي الصبح ، والأخرى ثابتة بالسنة ، وهي العصر ذهب إليه أبو بكر الأبهري المالكي ، وهو أخص من القول الذي قبله .

(الثاني عشر) أنها الجماعة في سائر الصلوات حكاه الماوردي في تفسيره .

(الثالث عشر) أنها صلاة الخوف قال الحافظ شرف الدين الدمياطي في كتابه كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى حكاه لنا من يوثق به من أهل العلم .

(الرابع عشر) أنها الوتر ذهب إليه الإمام علم الدين السخاوي كما نقله الدمياطي (الخامس عشر) أنها صلاة عيد الأضحى (السادس عشر) أنها صلاة عيد الفطر قال الدمياطي حكاهما لنا من وقف عليهما في بعض الشروح المطولة .

(السابع عشر) أنها صلاة الضحى حكى الدمياطي عن بعض شيوخه الفضلاء أنه قال أظنني وقفت عليه قال : ثم تردد فيه قال النووي بعد حكايته الأقوال الثمانية المبدوء بها ، والصحيح من هذه الأقوال قولان العصر ، والصبح وأصحهما العصر للأحاديث الصحيحة ومن قال هي الصبح يتأول الأحاديث على أن العصر تسمى وسطى ويقول : إنها غير الوسطى المذكورة في القرآن ، وهذا تأويل ضعيف ومن قال : إنها الصبح يحتج بأنها تأتي في وقت مشقة بسبب برد الشتاء وطيب النوم في الصيف ، والنعاس وفتور الأعضاء وغفلة الناس فخصت بالمحافظة عليها لكونها معرضة للضياع بخلاف غيرها ، ومن قال : إنها العصر يقول إنها تأتي في وقت اشتغال الناس بمعائشهم وأعمالهم انتهى .

(التاسعة) استدل به على أن الوتر ليس بواجب ؛ لأنه لو كان واجبا لكانت الصلوات ستا فلا تكون واحدة منهن وسطا ، وهو مبني على [ ص: 176 ] أن الوسطى هنا من العدد ، وأنها صلاة واحدة (العاشرة) إيراد المصنف رحمه الله لهذا الحديث في باب المواقيت استطراد لما ذكر وقت العصر ذكر فضلها ، وكذا فعل غيره من الفقهاء ويمكن أن يكون له مدخل في المواقيت ؛ لأنه لما دل على فضلها دل على المحافظة عليها في وقتها فيكون ذلك تأكيدا لأمر الوقت والله أعلم .

(الحادية عشر) قوله في رواية مسلم : ثم صلاها بين العشاءين المغرب ، والعشاء دليل على أنه لا يجب مراعاة الترتيب في قضاء الفائتة بل له تقديم الحاضرة ، فإنه يقتضي أنه صلى المغرب قبل أن يصلي العصر وبهذا قال الشافعي فلم يوجب الترتيب لكنه جعله الأفضل وذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد إلى وجوب الترتيب ويعارض هذا الحديث ما في صحيح مسلم عن جابر في هذه القصة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب .

وهذا صريح في مراعاة الترتيب فلعلهما قضيتان ولعله أراد في حديث علي بين وقتي العشاءين بناء على أن وقت المغرب مضيق فبين وقتها ووقت العشاء حينئذ زمن صلى فيه العصر لكن يلزم على هذا الجواب إخراج المغرب عن وقتها مع القول بتضييقه .

والقائل بوجوب الترتيب قد يجيب عن حديث علي بأنها واقعة عين محتملة فمن الجائز أن يكون ضاق وقت المغرب وخشى فواتها لو اشتغل بالعصر فاحتاج لترك الترتيب لضيق الوقت وبدأ بالمغرب وهذه الصورة ، وهي ما إذا ضاق وقت الحاضرة وافق الحنفية ، والحنابلة على سقوط الترتيب فيها وفي رواية عن أحمد وجوب الترتيب مع ضيق الوقت أيضا وحكي ذلك عن بعض السلف ، وهو المشهور من مذهب مالك .

وقال ابن وهب : يبدأ بصاحبة الوقت في هذه الصورة وقال أشهب : يخير بينهما ، والأحسن في الجمع بين الحديثين أنه عليه الصلاة والسلام صلى المغرب أولا ناسيا أنه ترك العصر ، ثم تذكرها بعد فراغه من المغرب فصلاها ، ثم أعاد صلاة المغرب فصدق أنه صلى العصر قبل المغرب وأنه صلى المغرب قبل العصر ؛ لأنه صلى المغرب مرتين ويدل لهذا ما رواه الإمام أحمد [ ص: 177 ] في مسنده عن أبي جمعة حبيب بن سباع وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب فلما فرغ قال : هل علم أحد منكم أني صليت العصر فقالوا : يا رسول الله ما صليتها فأمر المؤذن فأقام الصلاة فصلى العصر ، ثم أعاد المغرب وروى أبو يعلى الموصلي في مسنده عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام ، فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ، ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام وروي موقوفا على ابن عمر .

(الثانية عشر) وفيه إطلاق العشاءين على المغرب ، والعشاء ، وقد أنكره بعضهم ؛ لأن المغرب لا تسمى عشاء قال النووي : وهذا غلط ؛ لأن التثنية هنا للتغليب كالأبوين ، والقمرين ، والعمرين ونظائرها ا هـ (فإن قلت) كيف الجمع بين هذا وبين نهيه صلى الله عليه وسلم عن تسمية المغرب عشاء ، وقد صرح الفقهاء الشافعية بأنه مكروه .

(قلت) لعل النهي إنما هو عن إفرادها بهذا الاسم فأما إذا أطلقه عليها مع العشاء على سبيل التغليب فهذا لا ينكر ؛ لأنه مجاز خارج عن أصل الوضع على أن هذا الإطلاق هنا ليس مرفوعا ، وإنما هو من كلام الصحابي والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية