صفحة جزء
باب الأذان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر ، حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيقول له : اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى وعن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نودي بالصلاة الحديث وقال فإذا قضي التأذين أقبل حتى إذا ثوب أدبر ولم يقل من قبل ، والباقي مثله سواء ، وفي رواية لمسلم ما يدري وقال البخاري (لا يدري) بدل (إن يدري) وإن بكسر الهمزة للنفي وقال ابن عبد البر الوجه حتى يضل الرجل أن يدري بفتح أن الناصبة وبالضاد المكسورة .


[ ص: 197 ] (باب الأذان) (الحديث الأول) عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه ويقول له اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى وعن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نودي بالصلاة الحديث وقال فإذا قضي التأذين أقبل حتى إذا ثوب أدبر ولم يقل من قبل والباقي مثله سواء فيه فوائد :

(الأولى) النداء بكسر النون وضمها لغتان الأولى أشهر وأفصح الأذان وفي الرواية الأولى للصلاة وفي الثانية بالصلاة وكلاهما صحيح .

يقال نودي للصلاة وبالصلاة وإلى الصلاة قال الله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة وقال تعالى وإذا ناديتم إلى الصلاة والتثويب : بالثاء المثناة ثم المثلثة المراد به ههنا : إقامة الصلاة ويدل لذلك قوله في رواية لمسلم فإذا سمع الإقامة ولا يمكن أن يكون المراد بالتثويب هنا قول المؤذن الصلاة [ ص: 198 ] خير من النوم مرتين ، وإن كان يسمى تثويبا لأمرين :

أحدهما : أن هذا خاص بأذان الصبح ، والحديث عام في كل أذان والثاني : أن الحديث دل على أن هذا التثويب يتخلل بينه وبين الأذان فصل يحضر فيه الشيطان ، والتثويب الذي في الصبح لا فصل بينه وبين الأذان بل هو في أثنائه .

وأصل التثويب أن يجيء الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر فسمي الدعاء تثويبا لذلك ، وكل داع مثوب وقيل إنما سمي تثويبا من ثاب يثوب إذا رجع فالمؤذن رجع بالإقامة إلى الدعاء للصلاة قال عبد المطلب :

فحــــنت نــــاقتي فعلمــــت أنـــي غـــريب حـــين ثـــاب إلــي عقلــي

وقال غيره :

لـــو رأينـــا التـــأكيد خطــة عجــز     مـــــا شـــــفعنا الأذان بــــالتثويب

قال ابن عبد البر يقال ثوب الداعي إذا كرر دعاءه إلى الحرب قال حسان بن ثابت

فــي فتيــة كســيوف الهنـد أوجـههم     لا ينكلـــون إذا مـــا ثـــوب الــداعي

وقال آخر

لخـــير نحــن عنــد النــاس منكــم     إذا الــــداعي المثــــوب قـــال يـــا لا

وقوله قضي النداء وقضي التثويب أي فرغ منه .

(الثانية) قوله يخطر بضم الطاء وكسرها لغتان حكاهما القاضي عياض في المشارق . قال : ضبطناه عن المتقنين بالكسر وسمعنا من أكثر الرواة بالضم قال : والكسر هو الوجه ومعناه يوسوس وهو من قولهم خطر الفحل بذنبه إذا حركه يضرب به فخذيه . وأما بالضم فمن السلوك والمرور أي يدنو منه فيمر بينه وبين القبلة فيشغله عما هو فيه وبهذا فسره الشارحون للموطأ فقال الباجي معناه أنه يحول بين المرء وبين ما يريد من نفسه من إقباله على صلاته وإخلاصه وبالأول فسره الخليل .

(الثالثة) المرء الإنسان وفيه سبع لغات فتح الميم وضمها وكسرها وتغيرها باعتبار إعراب اللفظة ، فإن كانت مرفوعة فالميم مضمومة [ ص: 199 ] وإن كانت منصوبة فالميم مفتوحة وإن كانت مجرورة فالميم مكسورة والخامسة والسادسة والسابعة امرؤ بزيادة همزة الوصل مع ضم الراء في سائر الأحوال ومع فتحها في سائر الأحوال ومع تغيرها باعتبار حركات الإعراب حكاهن في الصحاح إلا اللغة الثالثة والرابعة فحكاهما في المحكم وأنشد قول أبي خراش

جــمعت أمــورا ينفــد المـرء بعضهـا مـن الحلم والمعروف والحسب الضخم

وقال هكذا رواه السكري بكسر الميم ، وزعم أن ذلك لغة هذيل انتهى .

ويثنى فيقال : المرءان ، ولا جمع له من لفظه كما ذكره صاحبا الصحاح والمحكم وقال في المشارق : والجمع مرءون ومنه في الحديث أيها المرءون وذكر صاحب النهاية تبعا للهروي حديث الحسن أحسنوا ملأكم أيها المرءون وقال هو جمع المرء . قال : ومنه قول رؤبة لطائفة رآهم أين يريد المرءون قال في الصحاح وبعضهم يقول هذه مرأة صالحة ومرة أيضا بترك الهمز وتحريك الراء بحركتها وهذه امرأة مفتوحة الراء على كل حال .

(الرابعة) : المشهور في الرواية حتى يظل الرجل إن يدري كم صلى بفتح الظاء من يظل وكسر إن فيظل إحدى نواسخ الابتداء ترفع الاسم وتنصب الخبر .

ومعناها في الأصل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا وهي هنا بمعنى يصير كما في قوله تعالى ظل وجهه مسودا وقيل بمعنى يبقى ويدوم وإن نافية ويدل على ذلك قوله في رواية البخاري (لا يدري) وفي رواية مسلم (ما يدري) والثلاثة حروف نفي .

وقال ابن عبد البر : الرواية في أن ههنا عند أكثرهم بالفتح فيكون حينئذ لا يدري ، وكذلك رواه جماعة عن مالك حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى ومن رواها بكسر الهمزة فمعناه ما يدري كم صلى ، وإن بمعنى ما كثير انتهى .

واعترضه بعضهم فقال : وهذا غير صحيح ؛ لأن أن لا تكون نفيا ولا أعلم أحدا من النحويين حكى ذلك الوجه في هذه الرواية أن يدري بفتح الياء من يدري وتكون أن [ ص: 200 ] هي الناصبة للفعل ، ويكون يضل بضاد غير مشالة من الضلال الذي هو الحيرة كما يقال ضل عن الطريق فكأنه قال يحار الرجل ويذهل عن أن يدري كم صلى فتكون أن في موضع نصب بسقوط حرف الجر .

ويجوز أن يكون من الضلال الذي يريد به الخطأ فتكون الضاد مكسورة كقوله لا يضل ربي ولا ينسى وتكون أن في موضع نصب على المفعول الصحيح لأن ضل التي بمعنى أخطأ لا يحتاج تعديها إلى حرف الجر قال طرفة

وكــيف يضـل القصـد والحـق واضـح وللحـــق بيـــن الصـــالحين ســبيل



قال ولو روي حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى لكان وجها صحيحا يريد به حتى يضل الشيطان الرجل عن دراية كم صلى ولا أعلم أحدا رواه كذا لكنه لو روي لكان وجها صحيحا في المعنى غير خارج عن مراده صلى الله عليه وسلم انتهى .

وما أدري ما وجه تفرقة ابن عبد البر بين لا وما فجعل رواية الفتح بمعنى لا ورواية الكسر بمعنى ما مع أن لا وما بمعنى واحد ثم إنه أعني ابن عبد البر لا يعرف قوله يظل إلا بالظاء المشالة ولا يتجه مع ذلك في إن إلا الكسر ولا يتجه فيها الفتح إلا مع الضاد الساقطة كما حكيناه عن بعضهم ، وهي رواية قال القاضي عياض حكى الداودي أنه روى يضل بالضاد بمعنى ينسى ويذهب وهمه قال الله تعالى أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى وما حكيته عن ابن عبد البر من ضبطه أن هنا بالفتح وافقه عليه الأصيلي فضبطها بالفتح في صحيح البخاري وما حكيته عن المعترض عليه ذكره أيضا القاضي عياض فقال : ولا يصح تأويل النفي وتقدير لا مع الفتح وإنما يكون بمعنى ما ، والنفي مع الكسر .

قال : وفتحها لا يصح إلا على رواية من روى يضل بالضاد فيكون أن مع الفعل بعدها بتأويل المصدر ، ومفعول ضل أي يجهل درايته وينسى عدد ركعاته انتهى .

وما ذكره ابن عبد البر من أن أكثرهم على الفتح معارض بنقل القاضي عياض أن أكثرهم على الكسر ، وهو المشهور المعروف ، وما حكاه والدي رحمه الله عن ابن عبد البر أنه قال الوجه [ ص: 201 ] حتى يضل الرجل أن يدري بفتح " أن " الناصبة وبالضاد المكسورة لم أره في كلامه إنما تعرض بفتح الهمزة في أن ، ولم يذكر كون الضاد ساقطة هذا هو الذي وقعت عليه في الاستذكار والتمهيد .

فإما أن يكون الشيخ وقف على هذا الكلام في موضع آخر ، وإما أن يكون خرج على ما ذكره ابن عبد البر في فتح همزة أن يكون يضل بالضاد الساقطة ، وألزمه ذلك إذ لا يمكن مع فتح الهمزة أن يكون يظل بالظاء المشالة .

(الخامسة) اختلف العلماء في المعنى في إدبار الشيطان وهروبه عند سماع الأذان فقال المهلب : إنما يهرب - والله أعلم - من اتفاق الكل على الإعلان بشهادة التوحيد وإقامة الشريعة كما يفعل يوم عرفة لما يرى من اتفاق الكل على شهادة التوحيد لله - تعالى - وتنزل الرحمة فييأس أن يردهم عما أعلنوا به من ذلك ويوقن بالخيبة بما تفضل الله - تعالى - عليهم من ثواب ذلك ويذكر معصية الله ومضادته أمره فلا يملك الحدث لما حصل له من الخوف انتهى .

وذكر القاضي عياض نحوه ، وقيل : إنما أدبر عند الأذان لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد له بذلك يوم القيامة لقوله عليه الصلاة والسلام لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة وهذا قد حكاه النووي عن العلماء ، وهو مبني على أن الكافر يدخل في هذه الشهادة ، وهو الصحيح وحكى القاضي عياض قولا أن الكافر لا يدخل في هذه الشهادة ؛ لأنه لا شهادة له .

وقال لا يقبل هذا من قائله لما جاء في الآثار من خلافه وقال ابن عبد البر : إنما يفعل ذلك لما يلحقه من الذعر والخزي عند ذكر الله وذكر الله - تعالى - في الأذان تفزع منه القلوب ما لا تفزع من شيء من الذكر لما فيه من الجهر بالذكر وتعظيم الله تعالى فيه وإقامة دينه فيدبر الشيطان لشدة ذلك على قلبه انتهى .

وقال بعضهم سبب إدباره عظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد وإظهار شعار الإسلام وإعلانه ، وقيل ليأسه من الوسوسة عند الإعلان بالتوحيد ، وقيل لأنه دعاء إلى الصلاة التي فيها السجود الذي امتنع من فعله لما أمر به قال ابن بطال : وليس بشيء لأنه عليه الصلاة والسلام [ ص: 202 ] قد أخبر أنه إذا قضي التثويب أقبل يذكره ما لم يذكر يخلط عليه صلاته وكان فراره من الصلاة التي فيها السجود أولى لو كان كما زعموا انتهى .

قال القاضي عياض : ولا يلزم هذا الاعتراض إذ لعل نفاره إنما كان من سماع الأمر والدعاء بذلك لا من رؤيته ليغالط نفسه أنه لم يسمع دعاء ولا خالف أمرا (قلت) : أحسن ما ذكره القاضي عياض في جواب اعتراض ابن بطال أن نفرته عند الأذان إنما هو تصميم على مخالفة أمر الله واستمرار على معصيته وعدم الانقياد إليه والاستخفاف بأوامره فإذا دعا داعي الله فر منه وأعرض عنه واستخف به فإذا حضرت الصلاة حضر مع المصلين غير مشارك لهم في الصلاة بل ساعيا في إبطالها عليهم ، وهذا أبلغ في المعصية والاستخفاف مما لو غاب عن الصلاة بالكلية فصار حضوره عند الصلاة من جنس نفرته عند الأذان ومن مهيع واحد .

ومقصوده بالأمرين الاستخفاف بأوامر الله - تعالى - وعدم الانقياد إليها كما ذكرته والله أعلم .

(السادسة) وأما الحكمة في تصويته عند إدباره فقد تقدم من كلام المهلب أن ذلك بغير اختياره وإنما هو مغلوب عليه فيه لما حصل له من شدة الخوف ، ويحتمل أن المعنى في ذلك أن يشتغل بسماع ما يخرجه من الحدث عن سماع الأذان ، ويحتمل أن المعنى في ذلك الاستخفاف بالمؤذن وبما يقوله كما يعهد من حال المستخفين المستهزئين .

(السابعة) قال القاضي عياض في قوله وله ضراط : هذا يصح حمله على ظاهره إذ هو جسم متغذ يصح منه خروج الريح ، ويحتمل أنها عبارة واستعارة عن شدة الخوف والنفار كما يعتري الحمار (قلت) : ويحتمل أنها عبارة عن الاستخفاف كما قدمته ، والله أعلم .

(الثامنة) فيه فضل الأذان وعظم قدره لأن الشيطان يهرب منه ولا يهرب عند قراءة القرآن في الصلاة التي هي أفضل الأحوال بدليل قوله فإذا قضي التثويب أقبل ويكفي هذا في فضل الأذان .

(التاسعة) استدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان فإنه ذكر فيه أنه إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان ، وله ضراط إلى غاية لا يسمع فيها الأذان فدل على أنه كلما زاد في رفع صوته زاد الشيطان في الإبعاد ولا شك في استحباب فعل الأمور التي تبعد الشيطان وتطرده ، وقد دل هذا الحديث على أن زيادة الرفع زيادة له في الإبعاد إلا أنه يحتمل أن يقال قوله حتى [ ص: 203 ] لا يسمع التأذين ليس غاية للإبعاد في الإدبار بل غاية للزيادة في الضراط .

والمراد أنه يقصد بما يفعله من ذلك تصميم أذنه عن سماع صوت المؤذن لكن يدل على زيادته في الإبعاد ما رواه مسلم في صحيحه من رواية الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء قال سليمان يعني الأعمش فسألته عن الروحاء فقال : هي من المدينة ستة وثلاثون ميلا .

(العاشرة) قد يستدل به على أن الأذان أفضل من الإمامة وهو الذي صححه النووي خلافا للرافعي فإنه صحح تفضيل الإمامة وعن أحمد روايتان وفي المسألة لأصحابنا وجه ثالث وهو أنه إن قام بحقوق الإمامة كانت أفضل من الأذان وإلا فهو أفضل قال به أصحابنا أبو علي الطبري والقاضيان ابن كج والحسين والمسعودي ويوافقه قول الشافعي رحمه الله أحب الأذان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للمؤذنين وأكره الإمامة للضمان ، وما على الإمام فيها ، وإذا أم انبغى أن يتقي ويؤدي ما عليه في الإمامة ، فإن فعل رجوت أن يكون أحسن حالا من غيره انتهى .

وحكى النووي أول هذا النص مستدلا به على ترجيح الأذان مطلقا وأغفل بقيته وقد عرفت أنه دال على هذا التفصيل الذي ذكرته والله أعلم .

(الحادية عشرة) الظاهر أن المراد هنا جنس الشيطان فلا يختص ذلك بواحد من الشياطين دون واحد والشيطان كل عات متمرد سواء كان من الجن أو الإنس أو الدواب لكن المراد هنا شياطين الجن خاصة ، ويحتمل أن يختص ذلك بالشيطان الأكبر وهو إبليس لعنه الله .

( الثانية عشرة ) هل يتوقف هروب الشيطان من الأذان على كونه أذانا شرعيا مستجمعا للشروط واقعا في الوقت مقصودا به الإعلام بدخول وقت الصلاة أو يهرب من الإتيان بصورة الأذان وإن لم يوجد فيه ما تقدم الأقرب عندي الأول .

وكلام أبي صالح السمان راوي الحديث عن أبي هريرة يدل على أنه فهم الثاني ففي صحيح مسلم من رواية روح بن القاسم عن سهيل بن أبي صالح قال ( أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا أو صاحب لنا فناداه مناد من حائط باسمه قال وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا فذكرت ذلك لأبي [ ص: 204 ] فقال : لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص ) والحصاص بالحاء المهملة والصادين المهملتين هو الضراط كما في الرواية الأخرى .

وقيل شدة العدو وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : إن شيئا من الخلق لا يستطيع أن يتحول في غير خلقه ولكن للجن سحرة كسحرة الإنس فإذا خشيتم شيئا من ذلك فأذنوا بالصلاة وقال مالك بن أنس : استعمل زيد بن أسلم على معدن ابن سليم وكان معدنا لا يزال يصاب فيه الناس من الجن فلما وليهم شكوا ذلك إليه فأمرهم بالأذان وأن يرفعوا أصواتهم به ففعلوا فارتفع ذلك عنهم فهم عليه حتى اليوم قال مالك وأعجبني ذلك من رأي زيد بن أسلم .

(الثالثة عشرة) قال ابن بطال عن المهلب فيه من الفقه أن من نسي شيئا ، وأراد أن يتذكره فليصل ويجهد نفسه فيها من تخليص الوسوسة وأمور الدنيا فإن الشيطان لا بد أن يحاول تسهيته وإذكاره أمور الدنيا ليصده عن إخلاص نيته في الصلاة .

وقد روي عن أبي حنيفة أن رجلا دفن مالا ثم غاب عنه سنين كثيرة ثم قدم فطلبه فلم يهتد لمكانه فقصد أبا حنيفة فأعلمه بما دار له فقال له : صل في جوف الليل واخلص نيتك لله تعالى ولا تجر على قلبك شيئا من أمور الدنيا ثم عرفني بأمرك ففعل ذلك فذكر في الصلاة مكان المال فلما أصبح أتى أبا حنيفة فأعلمه بذلك فقال بعض جلسائه : من أين دللته على هذا - يرحمك الله - فقال استدللت من هذا الحديث وعلمت أن الشيطان سيرضى أن يصالحه بأن يذكره موضع ماله ويمنعه الإخلاص في صلاته فعجب الناس من حسن انتزاعه واستدلاله انتهى كلامه .

(الرابعة عشرة) وفيه دليل على أنه كان في زمنه عليه الصلاة والسلام يفصل بين الأذان والإقامة بزمن وذلك دليل على أنه لا يشترط في تحصيل فضيلة إيقاع الصلاة في أول وقتها انطباق أولها على أول الوقت إذ لو كان كذلك لما واظبوا على ترك هذه الفضيلة وهذا هو الصحيح المعروف وقيل لا يحصل ذلك إلا بأن ينطبق أول التكبيرة على أول الوقت ، وهو شاذ وهذا الحديث يدل على خلافه .

(الخامسة عشرة) وفيه دليل على أن الفكر في الصلاة والسهو فيها لا يبطلها وهو إجماع .

التالي السابق


الخدمات العلمية