صفحة جزء
وعن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وعن عبيد الله عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ، وزاد قالت ولا أعلمه إلا كان قدر ما ينزل هذا ويرقى هذا ولابن حبان من حديثها إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال وللنسائي من حديث أنيسة بنت خبيب إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا قال ابن عبد البر : إن المحفوظ والصواب الأول ؛ وقال ابن خزيمة : يجوز أن تكون بينهما نوب ، وبه جزم ابن حبان في الجمع بينهما .


الحديث الثاني [ ص: 205 ] وعن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم إن بلالا يؤذن بليل كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وعن عبيد الله عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد قالت ولا أعلمه إلا كان قدر ما ينزل هذا ، ويرقى هذا . وفيه فوائد :

(الأولى) فيه جواز الأذان للصبح قبل دخول وقتها وبه قال مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وعبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وداود والجمهور ورجع إليه أبو يوسف بعد أن كان يقول بالمنع وروى الشافعي في كتابه القديم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال عجلوا الأذان بالصبح يدلج المدلج وتخرج العاهرة وعن عروة بن الزبير أنه قال : إن بعد النداء بالصبح لحزبا حسنا إن الرجل ليقرأ سورة البقرة وعن حبان بن الحارث قال أتيت عليا يدير أبي موسى وهو يتسحر فقال إذن فاطعم فقلت : إني أريد الصوم قال : وأنا أريد الصوم فطعم فلما فرغ أمر ابن النباح فأقام الصلاة قال الشافعي : وهو لا يأمر بالإقامة إلا بعد النداء وحين طلع الفجر أمر بالإقامة ففي هذا دلالة على أن الأذان كان قبل الفجر ، وذهب آخرون إلى منع الأذان لها قبل دخول وقتها كسائر الصلوات ، وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن والحسن بن صالح بن حيي .

قالوا : فإن أذن لها قبل الفجر أعاد الأذان بعده وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عائشة قالت : ما كانوا يؤذنون حتى ينفجر الفجر وعن إبراهيم النخعي قال شيعنا علقمة إلى مكة فخرجنا بليل فسمع مؤذنا يؤذن فقال أما هذا فقد خالف سنة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لو كان نائما لكان خيرا له فإذا طلع الفجر [ ص: 206 ] أذن وعن إبراهيم النخعي أنه كره أن يؤذن قبل الفجر .

وعن عبيد الله بن عمر قلت لنافع إنهم كانوا ينادون قبل الفجر قال ما كان النداء إلا مع الفجر .

وحكى ابن حزم عن الحسن البصري أنه قيل له الرجل يؤذن قبل الفجر يوقظ الناس فغضب وقال علوج أفراع لو أدركهم عمر بن الخطاب لأوجع جنوبهم من أذن قبل الفجر فإنما صلى أهل ذلك المسجد بإقامة لا أذان فيها وعن إبراهيم النخعي أنه قال كانوا إذا أذن المؤذن بليل قالوا له اتق الله وأعد أذانك .

وحكى ابن المنذر وغيره في المسألة مذهبا ثالثا عن طائفة من أهل الحديث أنه إن كان للمسجد مؤذنان يؤذن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعد الفجر فلا بأس أن يؤذن للصبح إذا كان هكذا ، وبه قال ابن حزم الظاهري فقال يجوز أن يؤذن قبل طلوع الفجر الثاني بمقدار ما يتم المؤذن أذانه وينزل من المنارة أو العلو ويصعد مؤذن آخر ويطلع الفجر قبل ابتداء الثاني في الأذان ، واحتج المانعون بحديث ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام فرجع فنادى ألا إن العبد نام رواه أبو داود في سننه وصحح وقفه على عمر في أذان مؤذن له يقال له مسعود ، وأجاب الجمهور عنه بأجوبة : " أحدها " ضعفه كما تقدم عن أبي داود وضعفه أيضا الشافعي وعلي بن المديني ومحمد بن يحيى الذهلي والترمذي وأبو حاتم وأبو بكر الأثرم والدارقطني والبيهقي وغيرهم " .

ثانيها " أنه عارضه على تقدير صحته ما هو أصح منه ، وهو قوله عليه السلام إن بلالا يؤذن بليل الحديث قال البيهقي والأحاديث الصحاح التي تقدم ذكرها مع فعل أهل الحرمين أولى بالقبول منه ثم روى بإسناده عن شعيب بن حرب قال قلت لمالك بن أنس أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن يعيد الأذان فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بلالا يؤذن بليل .

قلت : أليس قد أمره أن يعيد الأذان قال لا لم يزل الأذان عندنا بليل " ثالثها " قال الخطابي يشبه أن يكون هذا فيما تقدم من أول زمان الهجرة فإن الثابت عن بلال أنه كان في آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن بليل ثم يؤذن بعده ابن أم مكتوم مع الفجر ، وأجاب المانعون عن حديث الباب بأن هذا الأذان لم يكن لأجل الصلاة ، وإنما كان لإيقاظ النائمين للسحور [ ص: 207 ] وغيره أجاب بمعناه الطحاوي وابن حزم ويرده حديث زياد بن الحارث الصدائي قال لما كان أول أذان الصبح أمرني يعني النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت ، فجعلت أقول أقيم يا رسول الله فجعل ينظر إلى ناحية المشرق إلى الفجر ، فيقول : لا حتى إذا طلع الفجر الحديث .

رواه أبو داود وغيره وهو صريح في الأذان للصبح قبل الوقت من غير إعادته بعد دخول الوقت قال ابن عبد البر : وفي إجماع المسلمين على أن النافلة بالليل والنهار لا أذان لها ما يدل على أن أذان بلال بالليل إنما كان لصلاة الصبح جوز الطحاوي أن يكون بلال كان يؤذن في وقت يرى أن الفجر قد طلع فيه ولا يتحقق ذلك لضعف بصره ثم استدل بما رواه عن أنس مرفوعا لا يغرنكم أذان بلال فإن في بصره شيئا قال الطحاوي فدل على أن بلالا كان يريد الفجر فيخطئه لضعف بصره .

(قلت) : وهذا ضعيف لأن قوله عليه الصلاة والسلام إن بلالا يؤذن بليل يقتضي أن هذه كانت طريقته وعادته دائما .

ولو كان لا يقع ذلك منه إلا لخطأ لم يقع إلا نادرا فإنه لولا أن الغالب إصابته لما رتب مؤذنا واعتمد عليه في الأوقات .

وفي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنعن أحدكم أو أحدا منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم الحديث وهذا صريح في أنه كان يؤذن قبل الفجر يقصد ذلك ويتعمده والله أعلم .

(الثانية) قال العلماء الذاهبون إلى الأذان للصبح قبل دخول وقتها إن المعنى في ذلك أن صلاة الفجر في أول الوقت ذات فضل وهي تأتي في حال نوم فلو لم يؤذن حتى يطلع الفجر لما تمكنوا بعد الوضوء والغسل والاجتماع في المسجد من الصلاة إلا بعد الإسفار كثيرا فشرع الأذان ليلا لهذه العلة كي ينتبه الناس ويتأهبوا في أول الوقت .

وهذا أصل لما يفعله الناس من ذكر الله تعالى وتسبيحه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أذان الصبح وكذلك يفعلون يوم الجمعة لكونه شرع للناس التكبير لصلاة الجمعة .

(الثالثة) فيه أنه يستحب أن يؤذن للفجر مرتان مرة قبل الفجر ومرة بعده وبهذا صرح أصحابنا .

قالوا : فإن اقتصر على أذان واحد فالأفضل أن يكون بعد الفجر على ما هو المعهود في سائر الصلوات فإن اقتصر على الأذان لها قبله أجزأه .

(الرابعة) اختلفوا في أول الوقت الذي [ ص: 208 ] يؤذن للصبح فيه وفي ذلك لأصحابنا أوجه أحدها : يقدم في الشتاء لسبع يبقى من الليل وفي الصيف لنصف سبع تقريبا لا تحديدا وصححه الرافعي من أصحابنا ، وذكر النووي أن من رجحه اعتمد حديثا باطلا محرفا .

(قلت) وكأنه أشار بذلك إلى ما رواه الشافعي في كتابه القديم عن سعد القرظ قال : أذنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بقباء وفي زمن عمر بالمدينة فكان أذاننا للصبح لوقت واحد في الشتاء لسبع ونصف يبقى وفي الصيف لسبع يبقى منه .

(والثاني) : يقدم لسبع يبقى من الليل من غير تفريق في ذلك بين الشتاء والصيف ذكره البغوي في التهذيب .

(والثالث) يدخل بذهاب وقت الاختيار للعشاء وهو ثلث الليل أو نصفه وبهذا قال ابن حبيب صاحب مالك .

(والرابع) وقته النصف الأخير من الليل ولا يجوز قبله وصححه النووي وبه قال أبو يوسف وحكاه ابن قدامة في المغني عن بعض أصحابهم ثم قال ، وقد روى الأثرم عن أبي جابر قال كان مؤذن مسجد دمشق يؤذن لصلاة الصبح في السحر بقدر ما يسير الراكب ستة أميال فلا ينكر ذلك مكحول ولا يقول فيه شيئا .

(والخامس) جميع الليل وقت له وهذا شاذ .

(والسادس) : أنه إنما يدخل وقته في السحر قبيل الفجر وعليه يدل قوله في الحديث ولم يكن بينهما إلا قدر ما ينزل هذا ويرقى هذا واختاره الشيخ الإمام تقي الدين السبكي وحكاه عن القاضي حسين والبغوي وبه قال ابن حزم كما تقدم كلامه في ذلك وابن عبد البر وإليه يميل كلام ابن قدامة في المغني فهذه الأوجه الستة في مذهبنا وبعضها في غير مذهبنا كما حكيته فيما تقدم .

(وفي المسألة مذهب سابع) أنه يدخل وقت الأذان لها لسدس يبقى من الليل ، وهو المشهور عند المالكية ووجهوه بأنه الوقت الذي يمكن الجنب والمعتصر والمتوضئ والمتأهب لذلك كله من أمره ويخرج إلى الجماعة فجعلوه تقديرا لذلك كله .

(فإن قلت) وفي المسألة مذهب ثامن : أنه يؤذن لها عند انقضاء صلاة العتمة وهو عند المالكية (قلت) قد فسره الحاكي له وهو القاضي أبو بكر بن العربي بأن المراد العتمة التي تصلى في آخر وقتها ، وهو نصف الليل أو ثلثه فعاد هذا إلى المذهب الثالث وهو قول ابن حبيب كما قدمته فليس مذهبا زائدا على ما تقدم .

(الخامسة) : هذه الرواية التي رواها الشيخ رحمه الله من مسند أحمد صريحة في [ ص: 209 ] أن القائل ولا أعلمه إلا كان قدر ما ينزل هذا ويرقى هذا راوية الحديث عائشة رضي الله عنها فإن فيها قالت لكن في صحيح البخاري في كتاب الصيام قال القاسم ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا فكان شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني رحمه الله يعتمد هذه الرواية ويجعل هذا الكلام في غيرها مدرجا وفيه نظر لأن في رواية أحمد التصريح بأنه من قول عائشة ففيها زيادة علم يجب الأخذ بها .

والظاهر أن قول البخاري قال القاسم أي في روايته عن عائشة وذلك لأنه روى الحديث المذكور من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ومن طريق القاسم بن محمد عن عائشة ثم بين أن هذه الزيادة في رواية القاسم أي عن عائشة وليست في حديث ابن عمر لأنه لو أطلق ذكرها لتوهم أنها في الإسنادين معا ، ولم يرد بذلك أن القاسم قالها من عند نفسه بدليل رواية أحمد التي ذكرتها والله أعلم .

(السادسة) استثنى أحمد من الأذان قبل الفجر شهر رمضان فقال : إنه يكره فيه الأذان قبل الفجر لئلا يغتر الناس به فيتركوا سحورهم وهذا تخصيص لا دليل عليه وإذا علم من عادة المؤذن أنه يؤذن قبل الفجر لم يغتر الناس بأذانه فيتركوا سحورهم ، والعجب أن أبا الحسن بن القطان قال في بيان الوهم والإيهام : إن بلالا إنما كان يؤذن ليلا في رمضان خاصة فهذا عكس المحكي عن أحمد ولم أعلم مستند ابن القطان في ذلك .

وقد قال فخر الدين بن قدامة بعد نقله كلام أحمد : ويحتمل أن لا يكره في حق من عرفت عادته بالأذان في الليل لأن بلالا كان يفعل ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال فإنه يؤذن بالليل لينبه نائمكم ويرجع قائمكم .

قال ابن قدامة : وينبغي لمن يؤذن قبل الوقت أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالي كلها ليعلم الناس ذلك من عادته ولا يؤذن في الوقت تارة وقبله أخرى فيقع الإلباس انتهى .

(السابعة) روى ابن حبان في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا [ ص: 210 ] واشربوا حتى يؤذن بلال وللنسائي من حديث أنيسة بنت خبيب إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا وهاتان الروايتان معارضتان للرواية المشهورة فقال ابن عبد البر إن المحفوظ والصواب الأول وقال ابن خزيمة يجوز أن يكون بينهما نوب وجزم به ابن حبان في الجمع بينهما ونظير هاتين الروايتين في المعارضة ما في سنن أبي داود عن بلال رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يديه عرضا لكنه من رواية شداد مولى عياض بن عامر عنه وقد قال أبو داود وغيره : إنه لم يدرك بلالا وأيضا فلم يرو عنه سوى جعفر بن برقان ولذلك قال أبو بكر الأثرم هذا إسناد مجهول منقطع وقال ابن عبد البر هذا حديث لا تقوم به الحجة ولا يقبل لضعفه وانقطاعه انتهى .

وبتقدير صحته فالجواب عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال هذا الكلام لبلال في نوبته التي كان يتأخر فيها أذانه ويتقدم فيها أذان ابن أم مكتوم ، فإنه كانت بينهما نوب كما تقدم ، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام قال له هذا الكلام في أول الأمر قبل أن ينصب للمسجد مؤذنان ، وتقدم عن ابن القطان حمل أذان بلال بليل على رمضان خاصة وتقدم عن أحمد بن حنبل أنه عكس ذلك فكره الأذان قبل الصبح في رمضان خاصة فيجعل الجمع بين الحديثين بحمل أحدهما على رمضان والآخر على غيره والله أعلم .

(الثامنة) : استدل به على أنه يجوز في الرواية الاعتماد على الصوت من غير رواية المخبر بأن يكون وراء حجاب إذا كان عارفا بالصوت واعتمد في ذلك على إخبار ثقة فإن ابن أم مكتوم [ ص: 211 ] لم يكن يشاهد ما يعرف به دخول الوقت وإنما كان يعتمد في ذلك على إخبار من يخبره بذلك ممن يثق به وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وأيضا فإنه عليه الصلاة والسلام أمر بالاعتماد على صوت المؤذن من غير مشاهدته فإن ذلك يكون في الليل وظلمته ولا بد أن يميز صوت بلال من صوت ابن أم مكتوم فإن لكل منهما حكما غير حكم الآخر ، وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف .

وعن شعبة بن الحجاج منعه لاحتمال الاشتباه .

وأما في باب الشهادة فالأكثر على المنع من الاعتماد على الصوت فيها ، وباب الشهادة أضيق وبالاحتياط أجدر ، ومن جوز استدل بهذا الحديث قال المهلب : فيه جواز شهادة الأعمى على الصوت لأنه ميز صوت من علمه الوقت ممن يثق به فقام أذانه على قبوله مقام شهادة المخبر له انتهى .

(التاسعة) فيه جواز أن يكون المؤذن أعمى فإن ابن أم مكتوم كان أعمى ، وهو جائز بلا كراهة إذا كان معه بصير كما كان بلال وابن أم مكتوم قال أصحابنا : ويكره أن يكون الأعمى مؤذنا وحده وروى البيهقي في سننه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يكره أن يكون المؤذن أعمى قال البيهقي : وهذا والذي روي عن ابن مسعود في ذلك محمول على أعمى منفرد لا يكون معه بصير يعلمه الوقت انتهى .

وبوب عليه البخاري في صحيحه أذان الأعمى إذا كان له من يخبره ، وقال ابن بطال اختلفوا في أذان الأعمى فكرهه ابن مسعود وابن الزبير وكره ابن عباس إقامته وأجازه طائفة وروي أن مؤذن النخعي كان أعمى وأجازه مالك والكوفيون والشافعي وأحمد وإسحاق إذا كان له من يعرفه الوقت لأن ابن أم مكتوم إنما كان يؤذن بعد أن يقال له أصبحت أصبحت انتهى .

(العاشرة) فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له مؤذنان بالمدينة وفي صحيح مسلم عن عائشة وابن عمر قالا كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان بلال وابن أم مكتوم الأعمى وروى البيهقي عن عائشة قالت كان للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة مؤذنين بلال وأبو محذورة وابن أم مكتوم قال أبو بكر بن إسحاق الضبعي والخبران صحيحان فمن قال كان : له مؤذنان أراد اللذين كانا يؤذنان بالمدينة ، ومن قال : ثلاثة أراد أبا محذورة الذي كان يؤذن بمكة .

(قلت) وكان له مؤذن رابع وهو سعد القرظ أذن للنبي صلى الله عليه وسلم بقباء [ ص: 212 ] مرارا ثم صار بعد النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنا بالمدينة لما ترك بلال الأذان ، وأذن له زياد بن الحارث الصدائي أيضا ، وقال إن أخا صداء أذن ، ومن أذن فهو يقيم رواه أبو داود وغيره لكنه لم يكن راتبا ولهذا عد مؤذنو النبي صلى الله عليه وسلم أربعة قال الشافعي رحمه الله وأحب أن أقتصر في المؤذنين على اثنين ؛ لأنا إنما حفظنا أنه أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان ولا نضيق إن أذن أكثر من اثنين واحتج الشافعي في الإملاء في جواز أكثر من اثنين بقصة عثمان فقال : ومعروف أنه زاد في عدد المؤذنين فجعله ثلاثة وذكر أبو علي الطبري والرافعي أن المستحب ألا يزاد على أربعة مؤذنين وحكاه النووي في شرح مسلم عن أصحابنا لكنه قال في الروضة أنكره كثيرون من أصحابنا .

وقالوا إنما الضبط بالحاجة ورؤية المصلحة فإن رأى الإمام المصلحة في الزيادة على الأربعة فعله ، وإن رأى الاقتصار على اثنين لم يزد قال النووي : وهذا هو الأصح المنصوص قال أصحابنا : وإذا كان للمسجد مؤذنان فأكثر فإن اتسع الوقت ترتبوا في الأذان فإن تنازعوا في الابتداء أقرع بينهم وإن ضاق الوقت فإن كان المسجد كبيرا أذنوا متفرقين في أقطاره وإن كان صغيرا وقفوا معا وأذنوا وهذا إذا لم يؤد اختلاف الأصوات إلى تشويش فإن أدى لم يؤذن إلا واحد فإن تنازعوا أقرع بينهم .

وأما الإقامة فإن أذنوا على الترتيب فالأول أولى بها إن كان هو المؤذن الراتب أو لم يكن هناك مؤذن راتب فإن كان الأول غير الراتب ففيه وجهان أصحهما أن الراتب أولى .

والثاني : أن الأول أولى ولو أقام في هذه الصورة غير من له ولاية الإقامة اعتد به على الصحيح المعروف ، وفي وجه ضعيف لا يعتد بالإقامة من غير السابق بالأذان تخريجا من قول الشافعي رحمه الله لا يجوز أن يخطب واحد ويصلي آخر .

أما إذا أذنوا معا فإن اتفقوا على إقامة واحد وإلا أقرع بينهم ولا يقيم في المسجد الواحد إلا واحد إلا إذا لم تحصل الكفاية بواحد وقيل لا بأس أن يقيموا معا إذا لم يؤد إلى التشويش .

(الحادية عشرة) فيه دليل على جواز تقليد الأعمى للبصير في معرفة الوقت أو جواز اجتهاده في ذلك فإن ابن أم مكتوم كان أعمى ولم يكن يعرف طلوع الفجر إلا بأحد هذين الأمرين ومما يرجح أنه كان يقلد قوله في بعض طرقه من حديث سهل بن سعد [ ص: 213 ] وكان ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة : ولو لم يرد ذلك لم يكن في اللفظ جواز رجوعه لاجتهاد بعينه لأن الدال على أحد الأمرين مبهم لا يدل على واحد منهما بعينه .

(الثانية عشرة) فيه دليل على جواز نسبة الإنسان إلى أمه وفي الصحابة جماعة عرفوا بذلك منهم ابن بحينة ويعلى بن منية والحارث بن البرصاء وغيرهم وحكي أن يحيى بن معين كان يقول حدثنا إسماعيل ابن علية فنهاه أحمد بن حنبل وقال قل إسماعيل بن إبراهيم فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه فقال : قد قبلنا منك يا معلم الخير ولهذا استثنى ابن الصلاح في علوم الحديث من الجواز ما يكرهه الملقب ، وهو حسن لكن قال والدي رحمه الله : الظاهر أن ما قاله أحمد على طريق الأدب لا اللزوم .

(الثالثة عشرة) فيه استحباب أن يكون الأذان على موضع عال لقوله ينزل هذا ويرقى هذا ، والحكمة فيه : أنه أبلغ في الإعلام وهو متفق عليه وهل يلحق به الإقامة في ذلك قال المحاملي والبغوي من أصحابنا : لا .

قال النووي وهذا الذي قالاه محمول على ما إذا لم يكن مسجد كبير تدعو الحاجة فيه إلى العلو للإعلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية