صفحة جزء
باب شروط الصلاة عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ .


باب شروط الصلاة (الحديث الأول) عن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ .

فيه فوائد :

(الأولى) استدل به العلماء على اشتراط الطهارة في صحة الصلاة وهو مجمع عليه حكى الإجماع في ذلك جماعة من الأئمة قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة ولا يتم ذلك إلا بأن يكون انتفاء القبول دليلا على انتفاء الصحة فإن فسرناه بأنه ترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء فيقال : الغرض من الصلاة وقوعها مجزئة بمطابقتها للأمر فإذا حصل هذا [ ص: 214 ] الفرض ثبت القبول على هذا التفسير .

وإذا ثبت القبول على هذا التفسير ثبتت الصحة وإذا انتفى القبول انتفت الصحة وقد حرر المتأخرون في هذا بحثا ؛ لأن انتفاء القبول قد ورد في مواضع مع ثبوت الصحة كالعبد الآبق ، وأنه لا يقبل الله له صلاة وكما ورد فيمن أتى عرافا وفي شارب الخمر وإن فسرناه بأنه كون العبادة بحيث يترتب الثواب عليها فهو أخص من الصحة فلا يلزم من نفيه نفيها ؛ لأنه لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم قال : وهذا إن نفع في تلك الأحاديث التي نفي فيها القبول مع بقاء الصحة فإنه يضر في الاستدلال بنفي القبول على نفي الصحة اللهم إلا أن يقال دل الدليل على كون القبول من لوازم الصحة فإذا انتفى انتفت فيصح الاستدلال بنفي القبول على نفي الصحة حينئذ .

ويحتاج في تلك الأحاديث التي نفي عنها القبول مع بقاء الصحة إلى جواب على أنه يرد على من فسر القبول بكون العبادة مثابا عليها أو مرضية أو ما أشبه ذلك إذا كان مقصوده بذلك أن لا يلزم من نفي القبول نفي الصحة أن يقال القواعد الشرعية تقتضي أن العبادة إذا أتي بها مطابقة الأمر كانت سببا للثواب والدرجات والظواهر في ذلك لا تحصى انتهى .

وقد تضمن كلامه للقبول تفسيرين : أحدهما : أنه ترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء والثاني : أنه كون العبادة بحيث يترتب الثواب عليها وإنه يلزم من نفي القبول نفي الصحة بالتفسير الأول ولا يلزم بالتفسير الثاني إلا على البحث الذي ذكره في آخر كلامه .

وقال القاضي أبو بكر بن العربي : القبول في ألسنة السلف الرضا قبلت الشيء رضيته وأردته والتزمت العوض عنه فقبول الله للعمل هو رضاه به وثوابه عليه ، وكذا فسر صاحبا المشارق والنهاية القبول بأنه المحبة والرضا ، وفي الصحاح يقال على فلان قبول إذا قبلته النفس والذي ينبغي أن يقال في اختلاف الأحاديث التي ذكرها وكونها مستوية في نفي القبول فانتفت الصحة معه في بعضها دون بعض أنه لا يلزم من نفي القبول نفي الصحة لكنا ننظر في المواضع التي نفي فيها القبول فإن كان ذلك العمل قد اقترنت به معصية علمنا أن عدم قبول ذلك العمل إنما هو لوجود تلك المعصية فمن هذا الوجه كان ذلك العمل غير مرضي [ ص: 215 ] لكنه صحيح في نفسه لاجتماع الشروط والأركان فيه ، وهذا كصلاة العبد الآبق وشارب الخمر وآتي العراف فهؤلاء إنما لم تقبل صلاتهم للمعصية التي ارتكبوها مع صحة صلاتهم ، وإن لم يقترن بذلك العمل معصية فعدم قبوله إنما هو لفقد شرط من شروطه فهو حينئذ غير صحيح ؛ لأن الشرط ما يلزم من عدمه العدم ، وهذا كصلاة المحدث والمرأة مكشوفة الرأس فإن الحدث وكشف المرأة رأسها حيث لا يراها الرجال الأجانب ليس معصية فعدم قبول هذه العبادة إنما هو لأن ضد الحدث الذي هو الطهارة شرط في صحة الصلاة وكذلك ضد الكشف وهو الستر شرط في صحة الصلاة ففقدت الصحة لفقد شرطها فاعتبر ما ذكرته تجد جميع الأحاديث ماشية عليه من غير خلل ولا اضطراب والله أعلم .

(الثانية) قوله صلاة أحدكم مفرد مضاف فيعم كل صلاة سواء في ذلك الفريضة والنافلة وصلاة الجنازة ، وهذا أمر مجمع عليه إلا ما حكي عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري أنهما قالا تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة قال النووي وهذا مذهب باطل وأجمع العلماء على خلافه .

ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن حكم الوضوء حكم ما توضأ له من نافلة أو سنة وأما سجود التلاوة والشكر فإن أدخلناهما في مسمى الصلاة فقد تناولها لفظ الحديث وإن لم ندخلهما في مسمى الصلاة فقد جعل العلماء حكمهما كحكم الصلاة في اشتراط الطهارة ، وذكر القفال في محاسن الشريعة أن المعنى في ذلك أنهما شعبة من الصلاة وركن من أركانها حتى إن الصلاة تسمى سجودا ، فقد روي في الخبر إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يسجد سجدتين أي يصلي ركعتين .

وحكى النووي وغيره الإجماع على اشتراط الطهارة فيهما وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد فيه جهالة أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان ينزل عن راحلته فيهريق الماء ثم يركب فيقرأ السجدة ويسجد وما توضأ وعن الشعبي أنه قال في الرجل يقرأ السجدة وهو على غير وضوء قال يسجد حيت كان وجهه .

وقال ابن المنذر وروينا عن عثمان بن عفان في الحائض تسمع السجدة أنها تومئ برأسها وبه قال سعيد بن المسيب قال وتقول اللهم لك سجدت (الثالثة) قال القاضي أبو بكر بن العربي وهي من شرائط الأداء لا من شرط الوجوب بإجماع الأمة وفيما نقله من الإجماع نظر .

[ ص: 216 ] فعند المالكية في ذلك خلاف سنوضحه في الفائدة التي بعدها والذي دل عليه هذا الحديث كونها من شرائط الأداء بالتقدير المتقدم في الفائدة الأولى أما كون الوجوب متوقفا عليها فليس في الحديث تعرض له .

(الرابعة) استدل به القاضي عياض وغيره على أن فاقد الطهورين لا تجب عليه الصلاة وزاد صاحب المفهم على ذلك أن فيه دليلا على أنه لا يجب القضاء أيضا قال : لأن عدم قبولها لعدم شرطها يدل على أنه ليس مخاطبا بها حالة عدم شرطها فلا يترتب شيء في الذمة فلا تقضى وبه قال مالك وابن نافع قال :

وعلى هذا فتكون الطهارة من شروط الوجوب واختلف أصحاب مالك في هذه المسألة لاختلافهم في هذا الأصل انتهى .

وسبقه إلى هذا البناء أبو الطاهر بن بشير فقال : سبب هذا الخلاف يعني في فاقد الطهورين الخلاف في كون الطهارة شرطا في الوجوب فتسقط الصلاة عمن تعذرت عليه ، أو شرطا في الأداء فيقف الفعل على الوجود انتهى .

ونقل ابن عبد البر عن ابن خويز منداد أنه قال إنه الصحيح من مذهب مالك أعني أنه لا يجب الأداء ولا القضاء ثم قال ابن عبد البر ما أعرف كيف أقدم على أن أجعل هذا الصحيح من المذهب مع خلافه جمهور السلف وعامة الفقهاء وجماعة المالكيين قال : وهو قول ضعيف مهجور شاذ مرغوب عنه انتهى .

وفي المسألة أربعة أقوال أخر للشافعي وهي مذاهب لعلماء :

(أحدها) : أنه يجب عليه أن يصلي على حاله لحرمة الوقت ويجب أن يعيد إذا تمكن من أخذ الطهورين ، وبه قال ابن القاسم وأبو يوسف ومحمد وهو الأصح من مذهب الشافعي ورواية عن أحمد .

(الثاني) يحرم عليه أن يصلي لفقد شرط الصلاة وهو الطهارة ويجب القضاء إذا تمكن .

(الثالث) يستحب أن يصلي ويجب القضاء سواء أصلى أم لم يصل .

وقال أصبغ : يصلي إذا قدر وهو محتمل لإرادة هذا القول والذي قبله ونقل ابن المنذر عن الثوري والأوزاعي أنه لا يصلي حتى يجد أحدهما وكذا قال أبو حنيفة لا يصلي فإذا وجد ذلك صلى (الرابع) تجب الصلاة في الوقت ولا تجب إعادتها فإنها إنما تجب بأمر جديد وبه قال أحمد بن حنبل وأشهب وهو اختيار المزني قال أبو ثور : وهو القياس وحكي عنه أيضا أن القياس أنه لا يصلي حتى يجد أحد الطهورين ، ولهذا نقل عنه ابن المنذر [ ص: 217 ] قولين وهذا القول الرابع قال به ابن حزم وصححه القاضي أبو بكر بن العربي وقال النووي : إنه أقوى الأقوال دليلا .

قال : وكذا يقول المزني كل صلاة أمر بفعلها في الوقت على نوع من الخلل لا يجب قضاؤها وحكى ابن العربي قولا سادسا أنه يومئ إلى التيمم قال ابن العربي :

والذي أقول أنه إنما يومئ إلى الماء لا إلى التيمم ، واعلم أن هذه المسألة لا يمكن الخروج من الخلاف فيها فإن أحد الأقوال وجوب الصلاة في الوقت ، والآخر تحريمها ، وقياس السهو في الصلاة ترجح فعلها وحمل القائلون بوجوب الصلاة في هذه الصورة هذا الحديث على المتمكن من الطهارة وأخرجوا العاجز عن دلالة الحديث ، واستدلوا لوجوبها بقوله عليه الصلاة والسلام إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم والمكلف مأمور بالصلاة والطهارة فإذا عجز عن الطهارة لا تسقط عنه الصلاة والله أعلم .

(الخامسة) استدل به الخطابي على اشتراط الطهارة في صحة الطواف ؛ لأنه صلاة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله - تعالى - أحل فيه الكلام وقال الشيخ فتح الدين العمري في شرح الترمذي المشبه لا يقوى قوة المشبه به من كل وجه ومعلوم أن قوله عليه السلام الطواف صلاة أي يشبه الصلاة ، وقد نبه على الفرق بينهما بجواز الكلام فيه ، وكما أنه يجوز فيه ما لا يجوز في الصلاة فكذلك لا يشترط فيه كل ما يشترط في الصلاة ويرد على الخطابي إباحة الكلام فيه والمشي ، وليسا مما يباح في الصلاة انتهى كلامه ، وفيه نظر في مواضع :

(أحدها) في قوله : إن قوله صلى الله عليه وسلم الطواف صلاة أي يشبه الصلاة فلقائل أن يقول إنه صلاة حقيقة فإن الأصل في الإطلاق الحقيقة وهي حقيقة شرعية ، ويكون لفظ الصلاة مشتركا بين الصلاة المعهودة والطواف اشتراكا لفظيا .

(ثانيها) في قوله : وقد نبه على الفرق بينهما بجواز الكلام فيه فيقول قد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاة فثبت له جميع أحكام الصلاة إلا ما استثنى ، والاستثناء معيار العموم .

(ثالثها) في قوله وكما أنه يجوز فيه ما لا يجوز في الصلاة فكذلك لا يشترط فيه كل ما يشترط في الصلاة فنقول : هذا قياس معارض لظاهر الحديث ، وأيضا فلا ملازمة بينهما تصحح القياس ثم لو سلمنا صحته فذلك لا يمنع من الاستدلال بهذا الحديث على شيء يخالف القياس [ ص: 218 ]

(رابعها) في قوله ويرد على الخطابي إباحة الكلام فيه والمشي وليسا مما يباح في الصلاة فنقول هذا مما تقدم أن جميع ما يشترط في الصلاة يشترط في الطواف إلا ما يستثنى، وإباحة الكلام مستثناة بقوله وفعله والمشي مستثنى بفعله ولأنه لا يصدق اسم الطواف شرعا إلا بالمشي والله أعلم .

وقد دل على اشتراط الطهارة في صحة الطواف قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري وأنه عليه الصلاة والسلام طاف متطهرا ، وقال : خذوا عني مناسككم وبهذا قال الجمهور وسيأتي إيضاحه في الحج .

(السادسة) قد تقرر دلالة الحديث على بطلان الصلاة عند فقد الطهارة وهو دال على تحريم الصلاة في تلك الحالة لما فيه من التلاعب بتعاطي العبادة الفاسدة وهو كذلك إذا فعله متعمدا بلا عذر بل حكي عن أبي حنيفة أنه يكفر .

وقال الجمهور : لا يكفر لأن الكفر بالاعتقاد وهذا المصلي اعتقاده صحيح .

(السابعة) الحدث يطلق بإزاء معان :

(أحدها) : الخارج المخصوص وما في معناه مما يذكره الفقهاء في نواقض الوضوء حيث يقولون : الأحداث كذا وكذا .

(الثاني) : نفس خروج ذلك الخارج .

(الثالث) المنع المترتب على ذلك الخروج وبهذا المعنى يصح قولنا رفعت الحدث ؛ لأن الأولين يستحيل رفعهما بمعنى أن لا يكون وقعا إذ هما وقعا بخلاف المعنى الثالث ، وهو المنع فإن الشارع جعل للمنع غاية وهو استعمال المكلف الطهور ، فإذا استعمله صح قوله نويت رفع الحدث أي رفع ذلك المنع الممتد من الأمور المخصوصة .

(الرابع) : وصف حكمي يقدر قيامه بالأعضاء ينزل في ذلك منزلة الحسي قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة ذكره كثير من الفقهاء ، وهم مطالبون بدليل شرعي يدل على إثبات هذا المعنى الرابع وأقرب ما يذكر فيه أن الماء المستعمل قد انتقل إليه المانع القائم بالأعضاء .

والمسألة متنازع فيها فقد قال جماعة بطهورية الماء المستعمل ، ولو قيل بعدم طهوريته أو بنجاسته لم يلزم منه انتقال مانع فلا يتم الدليل (قلت) : الدليل عليه ما رواه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه وصححه عن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزاة ذات السلاسل فأشفقت أن أغتسل فأهلك فتيممت ثم صليت [ ص: 219 ] بأصحابي فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو وصليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت إني سمعت الله يقول ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة فدل على أن المنع المترتب على الخارج قد زال ثم أثبت له وصف الجنابة بقوله وأنت جنب وهذا يقوي القول بأن التيمم لا يرفع الحدث أي الوصف الحكمي المقدر وإن كان الحدث بالمعنى الثالث وهو المنع قد زال وإن اختص زواله ببعض الأحوال كفقد الماء أو وجوده مع الحاجة إليه وببعض الأوقات فإنه لا يرفع المنع إلا من فريضة واحدة .

ومن يرى أن التيمم رافع للحدث لا يثبت هذا المعنى ، ويقول : إذا زال المنع لم يبق حدث .

والظاهر : أن المراد بالحدث في هذا الحديث المعنى الأول أو الثاني ولا يمكن إرادة الثالث ؛ لأن هذا الحديث هو الدال على المنع فلو حملنا قوله إذا أحدث على المنع لم يكن فيه فائدة .

(فإن قلت) إنما يلزم ذلك أن لو قال يحرم على أحدكم الصلاة إذا أحدث فلا يمكن أن يكون معنى أحدث هنا : منع لاتحاد الشرط والجزاء ، والذي في الحديث إنما هو نفي القبول ولا امتناع في أن يقال لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا منع من الصلاة حتى يتوضأ .

(قلت) قد قررت دلالة نفي القبول على نفي الصحة في هذا الموضع ودلالة نفي الصحة على التحريم فالتحريم مدلول عليه بالحديث ، وإن لم يكن مصرحا به فيه والله أعلم .

(الثامنة) الظاهر أن المراد بالحدث هنا جميع نواقض الوضوء وهي مفصلة في مواضعها ، وقال صاحب المفهم : قوله أحدث كناية عما يخرج من السبيلين معتادا في جنسه وأوقاته عند مالك وجل أصحابه وقال ابن عبد الحكم والشافعي المعتبر الخارج النجس وحده فمن أي شيء خرج نقض وأوجب انتهى .

وفيه أمران أحدهما أنه لا معنى لتخصيصه بالخارج المخصوص فسائر نواقض الوضوء أحداث وعلى ذلك مشى ابن بطال في شرح البخاري كما سنحكي كلامه (ثانيهما) في نقله عن الشافعي نظر من وجهين :

(أحدهما) أنه لا يعتبر في الخارج كونه نجسا بل لو كان طاهرا كالدود والحصى نقض أيضا .

(الثاني) أنه لا يقول بالنقض من أي شيء خرج [ ص: 220 ] بل لا بد أن يكون من أحد السبيلين إلا فيما إذا انسد المخرج المعتاد وانفتح مخرج تحت المعدة فإنه ينتقض الوضوء بالخارج منه فإن انفتح فوقها أو انفتح تحتها مع انفتاح الأصلي أيضا ففيه قولان أصحهما عدم النقض وهذا الذي نقله عن الشافعي وهو قول أبي حنيفة أنه يحصل النقض بكل خارج نجس من البدن والله أعلم .

وفي صحيح البخاري في هذا الحديث في كتاب الطهارة قال رجل من حضرموت : ما الحدث يا أبا هريرة قال فساء أو ضراط قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة ولعله قامت له قرائن حالية اقتضت هذا التخصيص انتهى .

ولذلك أورد الترمذي في باب الوضوء من الريح مع أن هذه الزيادة ليست في روايته وقال ابن بطال إنما اقتصر على بعض الأحداث لأنه أجاب سائلا سأله عن المصلي يحدث في صلاته فخرج جوابه على ما يسبق المصلي من الأحداث في صلاته لأن البول والغائط والملامسة غير معهودة في الصلاة وهو نحو قوله عليه الصلاة والسلام للمصلي إذ أمره باستصحاب اليقين في الطهارة لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ، ولم يقصد به تعيين الأحداث وتعدادها قال : والأحداث التي أجمع العلماء أنها تنقض الوضوء سوى ما ذكره أبو هريرة البول والغائط والمذي والودي والمباشرة وزوال العقل بأي حال زال والنوم الكثير والأحداث التي اختلف في وجوب الوضوء منها القبلة والجسة ومس الذكر والرعاف ودم الفصد وما يخرج من السبيلين نادرا غير معتاد مثل سلس البول والمذي ودم الاستحاضة والدود يخرج من الدبر ، وليس عليه أذى ، وساق الكلام على ذلك ، ولا يخلو عن نظر .

وقال ابن التين : إنما استعمل هذا اللفظ حرصا على البيان ، وليس هذا عادة كلامه مثل قوله عليه الصلاة والسلام للمقر على نفسه بالزنا أنكتها لا يكني وكان أبو هريرة يخاطب رجلا أعجميا من حضرموت واقتصر على ما ذكره من الحدث ؛ لأنه سأله عن المصلي يحدث في صلاته فأجاب على ما يسبق المصلي من الأحداث انتهى .

(التاسعة) تكلم القفال في محاسن الشريعة على حكمة ربط الطهارة بالأحداث بما ملخصه أن الطهارة بالماء مستحسنة عقلا وعادة ، ولو لزم فعلها كل وقت لتعذر أو شق فعلقت بحال مخصوصة وهي الصلاة [ ص: 221 ] لأنها أولى ما تعلق به لما فيها من مناجاة الله تعالى ولو وجبت لكل صلاة لشق ولا بد لها من نهاية ينقضي حكمها بوجودها ، ولا يصلح أن تكون تلك النهاية عددا مخصوصا من الصلوات فإن الطهارة قد تجب لغير الصلاة فجعلت نهايتها خروج أشياء من البدن مستقذرة جرت العادات الحسنة باجتنابها وإزالتها وسميت تلك الأشياء أحداثا ثم كان زوال العقل يزيل التكليف وهو مظنة خروج الرائحة ولا يخلو في كثير من الأحوال عن اقتران نداوة بها فحسم الباب وألحقت بالغائط ونحوه .

وأيضا فإن زوال العقل بغير النوم يزيل التكليف وهو أشنع الأشياء وأفظعها فألحق لذلك بالنجاسة الخارجة من السبيلين ثم ذكر معنى آخر ، وهو أن الطهارة إنما تقع بما يتنظف به ، والخارج من البدن إما مستخبث كالبول ونحوه أو غير مستخبث كالعرق والبزاق ونحوهما فاختصت بخروج المستخبث لأنه الذي يحتاج إلى التنظيف منه قال : ثم إن الله - تعالى - نبهنا بما أمرنا به من الطهارة من الحدث على الطهارة من الآثام ؛ لأن أفعال البدن مستخبث كالمعصية وغير مستخبث كالطاعة فانقسم ما يخرج من البدن قسمين كانقسام ما يخرج من أفعال البدن قسمين وكان التطهير لازما للمذموم منهما في الناس والله أعلم .

وذكر القاضي أبو بكر بن العربي أن ربط الطهارة بالأحداث عبادة لا يعقل معناها قال وقد أشار بعض من تكلم على حكم الشريعة إلى أن في تعليقها بالأحداث معنى معقولا فلم يتفق له صحيحا انتهى .

وكأنه أشار بذلك إلى القفال وذكر الحكيم الترمذي في علله أن المعنى في ذلك أن مستقر الشيطان تحت المعدة في موضع الفضول فإذا خرج ريح الفضول أو بلته فهو من مستقره ولذلك نجس بنجاسة الشيطان وكفره فما خرج من السبيلين لزم منه التطهير ولذلك قال أهل المدينة لا يجب الوضوء من الخارج من غير السبيلين وأوجبه أهل الكوفة لنجاسته ، وإنما نجس لكونه من مستقر الشيطان ألا ترى أن ما خرج من النصف الأعلى من النخامة والبلغم والبصاق ليس نجسا والدم والعذرة والبول من مستقره ومجلسه فهو نجس بنجاسته من أي موضع خرج ولا ينظر من أي حد خرج وإنما ينظر من أين [ ص: 222 ] خرج قال : وقول أهل الكوفة أشبه بالحق انتهى .

(العاشرة) قال النووي قوله حتى يتوضأ معناه حتى يتطهر بماء أو تراب ، وإنما اقتصر على الوضوء لكونه الأصل أو الغالب .

(الحادية عشرة) فيه دليل على أنه لا يجب الوضوء لكل صلاة وإنما يجب على المحدث خاصة قال الشيخ تقي الدين : ووجه الاستدلال به أنه عليه الصلاة والسلام بقي عدم القبول ممتدا إلى غاية الوضوء وما بعد الغاية مخالف لما قبلها فيقتضي ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقا ، ويدخل تحته الصلاة الثانية قبل الوضوء لها ثانيا .

(قلت) قد يقال تحصل المخالفة بين ما قبل الوضوء وما بعده بقبول صلاة واحدة بعده إذ قبله لا يقبل شيء أصلا ويحتمل أن يقال في الاستدلال وجه آخر ، وهو أنه قيد عدم القبول بشرط الحدث ، ومفهومه حجة عند الأكثرين ومفهومه هنا أنه إذا لم يحدث تقبل صلاته ، وإن لم يجدد وضوءا .

(الثانية عشرة) قد يستأنس به لأصح الأوجه عند أصحابنا أن الطهارة تجب بالحدث والقيام إلى الصلاة والثاني : أنها تجب بالحدث وجوبا موسعا .

والثالث تجب بالقيام إلى الصلاة فقط .

(الثالثة عشرة) أورده البخاري في كتاب ترك الحيل وبوب عليه هناك بابا في الصلاة قال ابن بطال في شرحه معناه الرد على أبي حنيفة في قوله أن المحدث في صلاته يتوضأ ويبني على ما تقدم من صلاته وهو قول ابن أبي ليلى وقال مالك والشافعي يستأنف الصلاة ولا يبني وحجتهما هذا الحديث وقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة إلا بطهور .

قال ابن القصار ولا يخلو في الحال انصرافه من الصلاة وقد أحدث أن يكون مصليا أو غير مصل فبطل أن يكون مصليا لقوله لا صلاة إلا بطهور وهذا غير متطهر فلا يجوز له البناء ، وكل حدث منع ابتداء الصلاة منع البناء عليها يدل على ذلك أنه لو سبقه المني استأنف بالاتفاق منا ومنهم فإن احتجوا بالرعاف أنه يبني قيل الرعاف عندنا لا ينافي حكم الطهارة والحدث ينافيها .

قال ابن بطال : وهذا الحديث أيضا يرد قول أبي حنيفة : إن من قعد في الجلسة الأخيرة مقدار التشهد ثم أحدث فصلاته تامة وقال سائر العلماء لا تتم الصلاة إلا بالسلام ولا يجوز التحلل منها بما يفسدها إذا عرض في خلالها كالحج لا يتحلل منه بالجماع لأنه لو طرأ فيه أفسده انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية