صفحة جزء
باب الجلوس في المصلى وانتظار الصلاة عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث اللهم اغفر له اللهم ارحمه وعن همام عن أبي هريرة مثله وزاد مسلم اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه ؟ وفي رواية له حتى ينصرف أو يحدث قال أبو رافع لأبي هريرة ما يحدث ؟ قال يفسو أو يضرط وقال البخاري ما لم يؤذ يحدث فيه وفي رواية له ما لم يقم من صلاته أو يحدث وفي رواية له اللهم صل عليه وفي رواية له ما دام في المسجد ينتظر الصلاة


(باب الجلوس في المصلى وانتظار الصلاة) (الحديث الأول والثاني) عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث اللهم اغفر له اللهم ارحمه .

وعن همام عن أبي هريرة مثله (فيه) فوائد (الأولى) فيه استحباب انتظار الصلاة في المسجد وهو كذلك فإنه في صلاة ما دام ينتظر الصلاة كما سيأتي في الحديث الثالث الذي يليه إلا أن مالكا [ ص: 366 ] رحمه الله كره مكث الإمام في مصلاه بعد السلام كما سيأتي في الفائدة الثامنة بعد هذا .

(الثانية) ما المراد بكونه في مصلاه هل هو قبل صلاة الفرض أو بعد الفراغ من الفرض يحتمل كلا من الأمرين وقد بوب عليه البيهقي الترغيب في مكث المصلي في مصلاه لإطالة ذكر الله تعالى وهذا يدل أن المراد الجلوس بعد الفراغ من صلاة الفرض وهو ظاهر قوله أيضا في مصلاه الذي صلى فيه .

ويكون المراد بجلوسه انتظار صلاة أخرى لم تأت وهو مصرح به في بعض طرق حديث أبي هريرة عند أحمد ولفظه منتظر الصلاة بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه تصلي عليه ملائكة الله ما لم يحدث أو يقوم وهو في الرباط الأكبر وفي الصحيح أيضا وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط .

وروى ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بإسناد صحيح صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا قد حفزه النفس قد حسر عن ركبتيه قال أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى .

ويحتمل أن يراد انتظار الصلاة قبلها ويكون قوله ما دام في مصلاه الذي صلى فيه أي الذي صلى فيه تحية المسجد أو سنة الصلاة مثلا ويدل على أن هذا هو المراد قوله في بعض طرقه عند مسلم فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة تحبسه والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه .

الحديث ويدل عليه أيضا حديث أنس في الصحيح في تأخيره العشاء إلى شطر الليل وقوله صلى الله عليه وسلم صلى الناس ورقدوا ولم تزالوا [ ص: 367 ] في صلاة منذ انتظرتموها .

(الثالثة) ما المراد بمصلاه؟ هل المراد البقعة التي صلى فيها من المسجد حتى لو انتقل إلى بقعة أخرى في المسجد لم يكن له هذا الثواب المترتب عليه أو المراد بمصلاه جميع المسجد الذي صلى فيه ؟

يحتمل كلا من الأمرين والاحتمال الثاني أظهر وأرجح بدليل رواية البخاري المذكورة في الأصل ما دام في المسجد وكذا في رواية الترمذي فهذا يدل على أن المراد بمصلاه جميع المسجد وهو واضح ويؤيد الاحتمال الأول قوله في رواية مسلم وأبي داود وابن ماجه ما دام في مجلسه الذي صلى فيه .

(الرابعة) قوله ما دام في مصلاه الذي صلى فيه يقتضي حصول الثواب المذكور بمجرد جلوسه في مصلاه حتى يخرج لكن رواية البخاري تقتضي تقييد حصول الثواب بكون جلوسه ذلك لانتظار الصلاة فإنه قال فيها ما دام في المسجد ينتظر الصلاة وهو واضح قال ابن بطال ويدخل في ذلك من أشبههم في المعنى ممن حبس نفسه على أفعال البر كلها والله أعلم .

(الخامسة) المراد بصلاة الملائكة عليه ما فسره به في بقية الحديث من قوله اللهم اغفر له اللهم ارحمه وهو مصرح به من حديث علي في مسند أحمد وصلاتهم عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه وكذلك قوله عند مسلم اللهم تب عليه وعند البخاري التصريح بلفظ الصلاة اللهم صل عليه قال المهلب بن أبي صفرة وغيره والصلاة من الملائكة استغفار ودعاء .

(السادسة) قد يستدل بصلاة الملائكة بلفظ اللهم صل عليه على جواز إفراد آحاد الناس من غير الأنبياء بالصلاة عليه وقد اختلف فيه أصحابنا على ثلاثة أوجه :

(أحدها) أنه خلاف الأولى و (الثاني) مكروه و (الثالث) حرام وقد حكي عن نص الشافعي الجواز ومما روينا عنه من شعره قوله " على آل الرسول صلاة ربي " وقد يجيب من ذهب إلى المنع أنه لا يلزم من دعاء الملائكة بذلك جوازه لنا لأنهم ليسوا في محل التكليف بما ألزم به بنو آدم .

(السابعة) قال ابن بطال إن هذا الحديث تفسير لقوله تعالى ويستغفرون للذين آمنوا يريد المصلين والمنتظرين للصلاة انتهى .

وقد سمى الله تعالى الصلاة إيمانا في قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم أي صلاتكم نزلت في الذين ماتوا قبل تحويل القبلة كما ثبت في الصحيح .

(الثامنة) إذا كان المراد من الحديث [ ص: 368 ] الجلوس في المصلى بعد الفراغ من الصلاة فما الجمع بينه وبين ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام .

وعند البخاري من حديث أم سلمة أنه كان يمكث يسيرا كي ينصرف النساء .

فهذان الحديثان دالان على أن الأولى أن لا يمكث في مصلاه إلا بقدر ذلك والجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك الشيء وهو يحب فعله خشية أن يشق على الناس أو خشية أن يفرض عليهم كما ثبت في الصحيح وكان يندب إلى ذلك بالقول وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمكث كثيرا في مصلاه عند عدم الشغل كما ثبت في صحيح مسلم من حديث سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وفي لفظ له كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس وثبت أيضا من حديث عبد الله بن عمرو في سنن ابن ماجه حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين جلسوا بين المغرب والعشاء في المسجد ينتظرون الصلاة كما تقدم فهذان الوقتان يكون الشخص غالبا فارغا فيهما بعد الصبح وبعد المغرب وبقية صلوات النهار ربما يكون للرجل معاش وأشغال بعدها وكذلك العشاء للاشتغال بأسباب النوم وقد ذهب مالك إلى حديث عائشة وأم سلمة في انصراف الإمام بعد السلام فكره للإمام المقام في موضع مصلاه بعد سلامه ولا حجة فيه فقد ثبتت إقامته في مصلاه حتى تطلع الشمس فما وجه الكراهة حينئذ والله أعلم .

(التاسعة) اختلف في المراد بالحدث في قوله ما لم يحدث وقد فسره أبو هريرة بقوله يفسو ويضرط كما هو عند مسلم من رواية أبي رافع كما ذكر في الأصل وعند البخاري أيضا من رواية سعيد المقبري فقال رجل أعجمي ما الحدث يا أبا هريرة ؟ قال الصوت يعني الضرطة وكذا فسره أيضا أبو سعيد الخدري في روايته للحديث وهو عند أحمد قال صاحب المفهم وهو منه أي من أبي هريرة تمسك بالعرف الشرعي قال وقد فسره غيره بأنه الحدث الذي يصرفه عن إحضار قصد انتظار الصلاة وحمله على الإعراض عن ذلك سواء كان مسوغا أو غير مسوغ وهو تمسك بأصل اللغة قال وحمله بعضهم على إحداث مأثم والله [ ص: 369 ] أعلم .

(العاشرة) إذا فسرنا الحدث بالعرف الشرعي كما فسره أبو هريرة فما وجه اقتصاره على ذكر الضراط والفساء وليس الحدث منحصرا فيهما والجواب أنه لما ذكر الحدث في المسجد ترك أبو هريرة منه ما لا يشكل أمره من البول والغائط في المسجد فإنه لا يتعاطاه في المسجد ذو عقل ونبه أبو هريرة بالأدنى على الأعلى كما ثبت في جامع الترمذي من حديثه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا وضوء إلا من صوت أو ريح فإنه لم يرد به أنه لا يجب الوضوء من البول والغائط وإنما المراد به تفسير ما عدا العين الخارجة من أحد السبيلين وأنه لا يجب إلا من هذين الأمرين قرقرة البطن ونحوها وأما بقية الأحداث كلمس النساء ومس الفرج فمن لم ير النقض بها لا يجعل ذلك قاطعا لصلاة الملائكة لأنه باق على طهارته ولم يؤذ ولم يحدث وأما الذين رأوا ذلك ناقضا فيحتمل أن يقولوا ليس ذلك قاطعا لصلاة الملائكة أيضا لأن راوي الحديث فسره بما فسره به وهو أعرف بمقصود الحديث وهو واضح من جهة المعنى إذا ليس في الحدث بذلك نداء لبني آدم ولا للملائكة لعدم الرائحة الكريهة وكونه انتقض وضوءه لا يمنعه ذلك من كونه ينتظر الصلاة إذ هو منتظر يمكنه الوضوء عند الأذان أو عند حضور الصلاة في المسجد أو غيره فلا يخرجه ذلك عن كونه منتظرا للصلاة ويحتمل أن يقال إن الحدث كله قاطع لصلاة الملائكة لأنه ليس متهيئا لانتظار الصلاة وقد شرط في حصول ذلك كونه في المسجد ينتظر الصلاة كما هو عند البخاري .

(الحادية عشرة) في رواية مسلم ما لم يؤذ فيه إلى آخره قال صاحب المفهم أي ما لم يصدر عنه ما يتأذى به بنو آدم أو الملائكة قال ابن بطال تأول العلماء في ذلك الأذى أنه الغيبة وشبهها قال وإنما هو والله أعلم أذى الحدث يفسر ذلك حديث الثوم لكن النظر يدل أنه إذا آذى أحدا بلسانه أنه ينقطع عنه استغفار الملائكة لأن أذى السب والغيبة فوق رائحة الحدث فأولى أن ينقطع بأذى السب وشبهه وقال صاحب المفهم يحتمل أن يكون قوله ما لم يحدث فيه بدلا من قوله ما لم يؤذ فيه .

( قلت ) ويدل عليه رواية البخاري المذكورة في الأصل ما لم يؤذ بحدث فيه ففسر [ ص: 370 ] الأذى بأنه الحدث وهو صريح ذكره لكن في رواية أبي داود ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه وهذا يقتضي المغايرة .

(الثانية عشرة) قوله يضرط هو بكسر الراء يقال ضرط يضرط ضرطا بكسر الراء في المصدر أيضا كقوله خنق يخنق خنقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية