صفحة جزء
وعن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم للصلاة فلا يبصق أمامه فإنه مناج لله عز وجل ما دام في مصلاه ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا ولكن ليبصق عن شماله أو تحت رجليه فيدفنه رواه البخاري .

. وعن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى وفي رواية للبخاري فتغيظ على أهل المسجد


الحديث الثالث وعن همام عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم للصلاة فلا يبصق أمامه فإنه مناج لله عز وجل ما دام في مصلاه ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا ولكن ليبصق عن شماله أو تحت رجليه فيدفنه رواه البخاري فيه فوائد :

(الأولى) هذا النهي في البصاق أمامه أو عن يمينه هل هو يفيد كونه في المسجد أو عام في المصلين في أي موضع كانوا ؟

الظاهر أن المراد العموم لأن المصلي مناج لله في أي موضع صلى والملك الذي عن يمينه معه أي موضع صلى ولكن [ ص: 381 ] البخاري بوب على هذا الحديث باب دفن النخامة في المسجد وإنما قيده البخاري بالمسجد لأنه لم يأمر بدفن النخامة في غير المسجد ويدل عليه ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في جدار المسجد فتناول حصاة فحكها فقال إذا تنخم أحدكم فلا يتنخم قبل وجهه ولا عن يمينه الحديث وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى لفظ البخاري ولم يسق مسلم لفظه .

(الثانية) هل المراد بالقيام للصلاة الدخول فيها أو النهوض والانتصاب لها ولو قبل الإحرام والجواب أنه إن كان المراد أعم من كونه في المسجد أو في غيره فلا حرج في ذلك قبل الشروع في الصلاة إذا كان في غير المسجد وإن كان المراد بذلك فقيد كونه في المسجد فسواء في ذلك بعد الإحرام أو قبله بل دخول المسجد كان في النهي عن البزاق فيه وإن لم يكن قائما إلى الصلاة كما ثبت في حديث أنس المتفق عليه البزاق في المسجد خطيئة .

(الثالثة) هذا النهي عن بصاق المصلي أمامه أو عن يمينه هل هو على التحريم أو التنزيه قال القرطبي إن إقباله صلى الله عليه وسلم على الناس مغضبا يدل على تحريم البصاق في جدار القبلة وعلى أنه لا يكفر بدفنه ولا بحكه كما قال في جملة المسجد البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها قلت ويدل على تحريم البصاق في القبلة ما رواه أبو داود بإسناد جيد من حديث السائب بن خلاد أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فقال حين فرغ لا يصلي لكم الحديث وفيه أنه قال له إنك آذيت الله ورسوله .

وأطلق جماعة من الشافعية كراهة البصاق في المسجد منهم المحاملي وسليم الرازي والروياني وأبو العباس الجرجاني وصاحب البيان وجزم النووي في شرح المهذب والتحقيق بتحريمه وكأنه تمسك بقوله في الحديث الصحيح أنه خطيئة قال أبو الوليد الباجي فأما من بصق في المسجد وستر بصاقه فلا إثم عليه وحكى القرطبي أيضا عن ابن مكي أنه يكون خطيئة لمن تفل فيه ولم يدفنه قال القرطبي .

وقد دل على صحة هذا قوله في حديث أبي ذر أي عند مسلم ووجدت في مساوي أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد بل بذلك وببقائها غير مدفونة .

(قلت) ويدل عليه أيضا إذنه ذلك في حديث الباب بقوله [ ص: 382 ] أو تحت رجليه فيدفنه إن حملنا الحديث على إرادة كونه في المسجد كما تقدم وهو مصرح به في حديث أبي سعيد وأبي هريرة المذكور في أول هذا الباب .

(الرابعة) علل النهي عن البصاق أمامه بكونه مناجيا لله وعلله في حديث ابن عمر بعده بأن الله قبل وجهه إذا صلى وفي حديث لأبي هريرة عند مسلم ما بال أحدكم يقوم مستقبلا ربه فيتنخع أمامه ولا منافاة بين ذلك فإن المراد إقبال الله تعالى عليه كما سيأتي وقال ابن عبد البر وهذا كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة وإكرامها قال وقد نوع بهذا الحديث بعض من ذهب مذهب المعتزلة إلى أن الله تعالى في كل مكان وليس على العرش قال وهذا جهل من قائله لأن قوله في الحديث يبصق تحت قدمه وعن يساره ينقض ما أصلوه في أنه في كل مكان .

هذا كلام ابن عبد البر وهو أحد القائلين بالجهة فأخذوه وإنما ذكرته لأنبه عليه لئلا يغتر به والصواب ما قدمناه بدليل ما للقاضي إسماعيل بإسناد صحيح من حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قام الرجل في صلاته أقبل الله تعالى عليه بوجهه فلا يبزقن أحدكم في قبلته الحديث وقال صاحب المفهم إنه لما كان المصلي يتوجه بوجهه وقصده وكليته إلى هذه الجهة نزلها في حقه وجود منزلة الله تعالى فيكون هذا من باب الاستعارة كما قال الحجر الأسود يمين الله في الأرض أي بمنزلة يمين الله قلت .

وقد أول الإمام أحمد هذا الحديث قال القرطبي وقد يجوز أن يكون من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه فكأنه قال مستقبل قبلة ربه أو رحمة ربه كما قال في الحديث الآخر فلا تبصق قبل القبلة فإن الرحمة تواجهه قلت ولا أحفظ هذا اللفظ في البصاق وإنما هو في مسح الحصا كما رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصا فإن الرحمة تواجهه .

(الخامسة) هل المراد بقوله ما دام في مصلاه أي في المكان الذي صلى فيه أو المسجد الذي صلى فيه أو المراد بالمصلي نفس الصلاة والأول هو الحقيقة فحمله عليه أولى ويدل على الثاني قوله في حديث ابن عمر بعده فإن الله قبل وجهه إذا صلى والله أعلم .

(السادسة) علل النهي عن البصاق عن اليمين فإن عن يمينه ملكا قال صاحب المفهم ويقال على هذا إن [ ص: 383 ] صح هذا التعليل لزم عليه أن لا يبزق عن يساره فإن عليه أيضا ملكا بدليل قوله تعالى عن اليمين وعن الشمال قعيد قال والجواب بعد تسليم أن على شماله ملكا أن ملك اليمين أعلى وأفضل فاحترم بما لم يحترم به غيره والله أعلم .

(السابعة) أطلق في هذا الحديث الإذن في أن يبصق عن شماله وهو محمول على ما إذا كان جهة شماله فارغا من المصلين بدليل ما رواه أصحاب السنن من حديث طارق بن عبد الله المحاربي في هذا الحديث فقال ولكن تلقاء يساره إن كان فارغا أو تحت قدمه اليسرى قال الترمذي حديث حسن صحيح وكذا يدل عليه قوله في بعض طرق حديث أبي هريرة عند مسلم فليتنخع عن يساره تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا أي فإن لم يجد جهة شماله فارغا قلت وكذا لو كان يصلي مثلا في الروضة الشريفة ولو لم يكن على يساره مصل آخر حيث قلنا بجواز البصاق في المسجد ودفنه احتراما لجهة القبر الشريف وهذا واضح .

(الثامنة) اقتصر في هذا الحديث في الإذن في البصاق على جهة الشمال أو تحت الرجل وقد ورد في حديث آخر الإذن في البصاق خلفه رواه النسائي في حديث طارق المحاربي وفيه وابصق خلفك أو تلقاء شمالك إن كان فارغا الحديث ورواه الترمذي وصححه ولم يقل إن كان فارغا .

(التاسعة) وقع في المسند أو تحت رجليه هكذا بالتثنية وفي رواية البخاري لهذا الحديث أو تحت قدمه فيدفنها هكذا بالإفراد وهو الصواب لأن المراد به الرجل اليسرى كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد ولكن عن يساره أو تحت قدمه اليسرى وكذا من حديث أبي هريرة الذي مع حديث أبي سعيد ولم يسق مسلم لفظه وهكذا تدل عليه الرواية التي لم يقل فيها أو كما سيأتي في الوجه الذي يليه .

(العاشرة) وقع في هذه الرواية أو تحت وكذا في أكثر الروايات بإثبات أو كما في حديث أبي سعيد المتفق عليه وحديث أنس وبعض طرق حديث أبي هريرة عند البخاري ووقع عند مسلم في حديث أنس ولكن عن شماله تحت قدمه وكذا في بعض طرق حديث أبي هريرة عند البخاري ووقع عند مسلم في حديث أنس ولكن عن شماله تحت قدمه وكذا في بعض طرق حديث أبي هريرة عنده فيحتمل أن يكون المراد بجهة الشمال كونه تحت قدمه [ ص: 384 ] اليسرى قال صاحب المفهم وظاهر أو الإباحة أو التخيير ففي أيهما بصق لم يكن به بأس قال وإليه يرجع معنى قوله عن شماله تحت قدمه .

(الحادية عشرة) قال صاحب المفهم إن هذا النهي أي في البصاق على اليمين مع التمكن من البصاق في غير جهة اليمين فلو اضطر إلى ذلك جاز انتهى وما أدري ما أراد بالاضطرار إلى ذلك هل أراد بكون اليسار مشغولة بمصل أو بمحترم وعلى هذا فيقتضي تقديم مراعاة المصلي على جهة الملك مع ما في جهة اليمين من الشرف وأيضا فمعه أيضا تحت رجله اليسرى فما الذي يصرفه عنها يحتمل أن يكون بقربها مصحف أو أحد جالس والله أعلم .

وقال أبو الوليد الباجي لا بأس أن يبصق عن يمينه ويساره وأمامه إذا كان يستره والأفضل أن يبصق عن يساره رواه ابن نافع عن مالك قال ورأى أوس بن أبي أوس النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وعليه نعلاه قال ورأيته يبصق عن يمينه ويساره قلت والحديث عند ابن ماجه مقتصرا على الصلاة في النعلين دون البصاق على اليمين .

(الثانية عشرة) في قوله فيدفنه ما يقتضي أن الترخيص في البصاق في المسجد هو ما إذا كان فراش المسجد حصى أو ترابا دون ما إذا كان رخاما أو بلاطا أو بساطا أو حصيرا وقد حكاه صاحب المفهم عن بعضهم فقال وقد سمعنا من بعض مشايخنا أن ذلك إنما يجوز إذا لم يكن في المسجد إلا التراب أو الرمل كما كانت مساجدهم في الصدر الأول فأما إذا كانت في المسجد بسط وما له بال من الحصير مما يفسده البصاق ويقذره فلا يجوز احتراما للملائكة .

قلت قد ورد ولكنها بالنقل عوضا عن الدفن فيما رواه مسلم من حديث عبد الله بن الشخير قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته تنخع فدلكها بنعله وهذا يحتمل أن يكون أيضا في تراب أو حصباء فيحصل بدلكها دفنها في التراب وقال الباجي ليس له أن يبصق في الأرض ويحكه برجله لأن ذلك يقذر الموضع لمن أراد الجلوس فيه .

قلت قد روى أبو داود من رواية أبي سعيد قال رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق يبصق على البوري ثم مسحه برجله فقيل له لم فعلت هذا ؟ قال لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله والبوري الحصير المعمولة من القصب قاله الهروي في الغريبين وعلى هذا فهي لا تفسد [ ص: 385 ] بذلك والحديث أيضا لا يصح .

(الثالثة عشرة) فيه بيان طهارة البصاق لنخامة إذ لو لم يكن طاهرا لما أمر بدفنه في المسجد ولا بأن يبصق في ثوبه ويدلكه كما ثبت في الأحاديث الصحيحة وهو كذلك قال ابن عبد البر ولا أعلم خلافا في طهارة البصاق إلا شيئا يروى عن سلمان والسنن الثابتة ترده وحكاه الذكي عبد العظيم في حواشيه على السنن عن النخعي أيضا .

(الرابعة عشرة) في أمره صلى الله عليه وسلم بدفن النخامة في المسجد دليل على تنظيف المسجد وتنزيهه عما يستقذر وهو كذلك وروى أبو داود وابن ماجه من حديث عائشة قالت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب .

(الخامسة عشرة) قال ابن عبد البر وفي حكم البصاق في المسجد تنزيهه عن أن يؤكل فيه مثل البلوط والزبيب لعجمه وما له دسم وتلويث وحب رقيق ما يكنسه المرء من بيته (السادسة عشرة) قال ابن عبد البر فيه أن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة إذا لم يبصق قبل وجهه ولا يقطع ذلك صلاته ولا يفسدها إذا غلبه ذلك واحتاج إليه ولا يبصق قبل وجهه ألبتة .

(السابعة عشرة) في إباحة البصاق في المسجد لمن غلبه ذلك دليل على أن النفخ والتنحنح في الصلاة إذا لم يقصد به صاحبه اللعب والعبث وكان يسيرا لا يضر المصلي في صلاته ولا يفسد شيئا منها لأنه قل ما يكون بصاق إلا ومعه شيء من النفخ والنحنحة والبصاق والنخاعة والنخامة كل ذلك متقارب قال والتنخم والتنخع ضرب من التنحنح ومعلوم أن للتنخم صوتا كالتنحنح وربما كان معه ضرب من النفخ عند القذف بالبصاق فإن قصد النافخ أو المتنحنح في الصلاة بفعله ذلك اللعب أو شيئا من العبث أفسد صلاته وأما إذا كان نفخه تأوها من ذكر النار إذا مر به ذكرها في القرآن وهو في الصلاة فلا شيء عليه ثم ذكر اختلاف العلماء في ذلك فروى ابن القاسم عن مالك أنه يقطع الصلاة النفخ والتنحنح وروى ابن عبد الحكم وابن وهب أنه لا يقطع .

وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن يقطع النفخ إن سمع وقال أحمد وإسحاق لا يقطع وقال الشافعي ما لا يفهم منه حروف الهجاء فليس بكلام قال ابن عبد البر وقول من [ ص: 386 ] راعى حروف الهجاء وما يفهم من الكلام أصح الأقاويل إن شاء الله انتهى ومذهب الشافعي في النحنحة والضحك والبكاء والنفخ والأنين أنه إن بان منه حرفان بطلت صلاته ما لم يكن معذورا بغلبة أو تعذر قراءة الفاتحة ما لم يكثر الضحك وإن كان مغلوبا فإنه يضر والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية