صفحة جزء
صلاة الضحى عن عروة عن عائشة قالت ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط قال وقالت عائشة لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك العمل وإنه ليحب أن يعمله مخافة أن يستن به الناس فيفرض عليهم قالت وكان يحب ما خف على الناس لم يقل الشيخان فيه قالت وكان يحب ، ولمسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله وله عن عبد الله بن شقيق قلت لعائشة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت لا ، إلا أن يجيء من مغيبه .


[ ص: 60 ] (صلاة الضحى) (الحديث الأول) عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط قال وقالت عائشة لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك العمل وإنه ليحب أن يعمله مخافة أن يستن به الناس فيفرض عليهم قالت وكان يحب ما خف على الناس لم يقل الشيخان فيه قالت ، وكان يحب .

(فيه) فوائد :

(الأولى) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي بدون قولها وكان يحب ما خف على الناس وبزيادة وإني لأسبحها من طريق مالك عن الزهري وأخرج البخاري منه ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسبح سبحة الضحى قط وإني لأسبحها من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن الزهري ورواه البيهقي في سننه من طريق أحمد بن منصور الرمادي عن عبد الرزاق وفيه وما أحدث الناس شيئا أحب إلي منه .

(الثانية) التسبيح في الأصل التنزيه والتقديس والتبرئة من النقائص ومنه قولنا سبحان الله ويطلق على غيره من أنواع الذكر مجازا كالتحميد والتمجيد وغيرهما والمراد به هنا صلاة التطوع يقال لها تسبيح [ ص: 61 ] وسبحة والسبحة من التسبيح كالسخرة من التسخير وتسمية صلاة التطوع بذلك من تسمية الشيء باسم بعضه قال صاحب النهاية وإنما خصت النافلة بالسبحة وإن شاركتها الفريضة في معنى التسبيح لأن التسبيحات في الفرائض نوافل فقيل لصلاة النافلة سبحة لأنها نافلة كالتسبيحات والأذكار في أنها غير واجبة انتهى .

وما ذكره من اختصاص النافلة بالسبحة هو الأغلب في الاستعمال وقد يطلق على الفريضة أيضا وقال ابن عبد البر لزمت السبحة صلاة النافلة في الأغلب فأشار بقوله في الأغلب إلى استعمالها في الفريضة نادرا وقد حكى ابن عطية في قوله تعالى وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها الآية عن أكثر المفسرين أن المراد بها الصلوات الخمس فالتي قبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها صلاة العصر ومن آناء الليل العشاء وأطراف النهار المغرب والظهر انتهى .

وقد يقال لا يلزم من استعمال الفعل الذي هو سبح في الفريضة استعمال المصدر الذي هو التسبيح واسم المصدر الذي هو السبحة وفيه نظر والله أعلم .

(الثالثة) سبحة الضحى صلاة الضحى والمراد بها الصلاة المفعولة في وقت الضحى وهو أول النهار والسبحة بضم السين وإسكان الباء والضحى بضم الضاد مقصور قال في الصحاح ضحوة النهار بعد طلوع الشمس ثم بعده الضحى وهو حين تشرق الشمس مقصورة تؤنث وتذكر فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم على فعل مثل صرد ونغر ، ثم بعده الضحاء ممدود مذكر وهو عند ارتفاع النهار الأعلى وقال في المحكم الضحو والضحوة والضحية على مثال العشية ارتفاع النهار والضحى فويق ذلك أنثى وتصغيرها بغير هاء لئلا تلتبس بتصغير ضحوة والضحاء إذا امتد النهار وقرب أن ينتصف وقيل الضحى من طلوع الشمس إلى أن يرتفع النهار وتبيض الشمس جدا ثم بعد ذلك الضحاء إلى قريب من نصف النهار وقال في النهاية الضحوة ارتفاع أول النهار والضحى بالضم والقصر فوقه وبه سميت صلاة الضحى والضحاء بالفتح والمد إذا علت الشمس إلى ربع السماء فما بعده وقال في المشارق الضحاء بفتح الضاد ممدود والضحى بالضم مقصور قيل هما بمعنى ، وإضحاء النهار ضوءه [ ص: 62 ] وقيل المقصور المضموم هو أول ارتفاعها والممدود حين حرها إلى قريب من نصف النهار وقيل المقصور حين تطلع الشمس والممدود إذا ارتفعت وقيل الضحو ارتفاع النهار والضحى فوق ذلك والضحاء إذا امتد النهار انتهى .

وقال ابن العربي الضحى مقصور مضموم الضاد طلوع الشمس والضحاء ممدود مفتوح الضاد إشراقها وضياؤها وبياضها .

(الرابعة) قولها رضي الله عنها ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط ، معارض بالأحاديث الصحيحة المشهورة المروية عن جماعة من الصحابة أنه عليه الصلاة والسلام صلى الضحى وأوصى بها والمثبت مقدم على النافي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ولكن الذي يشكل على ذلك ما في صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن شقيق قال قلت لعائشة هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت لا إلا أن يجيء من مغيبه .

وعن معاذة أنها سألت عائشة كم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت أربع ركعات ويزيد ما شاء الله والذي ذكر في الجواب عن ذلك أوجه :

(أحدها) تضعيف الرواية عنها بنفي صلاة الضحى وتوهيم راويها أشار إليه محمد بن جرير الطبري فقال بعد ذكر رواية معاذة عن عائشة فلو لم يدل على وهم الحديث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسبح سبحة الضحى إلا هذه الأخبار المروية عنها أنه صلاها فكيف وفي خبر عبد الله بن شقيق عنها أنه كان يصليها عند قدومه من مغيبه انتهى وهو ضعيف لأن حديث النفي ثابت في الصحيحين ورواية أعلام حفاظ لا يتطرق احتمال الخلل إليهم والله أعلم .

(ثانيها) قال البيهقي في سننه عندي أن المراد به والله أعلم ما رأيته داوم على سبحة الضحى وإني لأسبحها أي أداوم عليها وكذا قولها وما أحدث الناس شيئا تعني المداومة عليها ثم ذكر رواية عبد الله بن شقيق وقال في هذا إثبات فعلها إذا جاء من مغيبه ثم ذكر رواية معاذة وقال وفي هذا دلالة على صحة ما ذكرناه من التأويل قال وقد بينت العلة في ترك المداومة عليها بقولهاوإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن تعمل به الناس فيفرض عليهم انتهى وحكاه النووي في الخلاصة عن العلماء فقال قال العلماء معناه أنه صلى الله عليه وسلم لم يداوم عليها وكان يصليها في بعض الأوقات ويتركها في بعضها خشية أن تفرض وبهذا يجمع [ ص: 63 ] بين الأحاديث انتهى وقال والدي رحمه الله في شرح الترمذي : حمله على إرادة عدم المداومة فيه بعد ، وقد حكاه صاحب الإكمال بصيغة التمريض ولم يرتضه .

(ثالثها) أن قولها ما سبح سبحة الضحى أي ما رأيته يسبحها كما في رواية ابن أبي ذئب التي في صحيح البخاري وقولها إنه كان يصليها أربعا ويزيد ما شاء الله وأنه كان يصليها إذا جاء من مغيبه علمته بإخبار غيرها لها ذكره القاضي عياض والنووي في شرح مسلم وقال وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات وأنه قد يكون في ذلك مسافرا وقد يكون حاضرا ولكنه في المسجد أو في موضع آخر وإذا كان عند نسائه فإنما كان لها يوم من تسعة فيصح قولها ما رأيته يصليها وتكون قد علمت بخبره أو خبر غيره أنه صلاها انتهى .

وهذا الجواب ضعيف فكيف تنفي صلاته للضحى وتريد نفي رؤيتها لذلك مع أن عندها علما مستندا لغير الرؤية أنه كان يصليها ؟ وهل يكون فاعل ذلك مؤديا لأمانة الشريعة وإذا كانت ما كتمت فعلها وعقبت النفي بقولها وإني لأسبحها مع كون فعلها لا يثبت به حكم شرعي وليس أمانة يجب أداؤها فكيف تكتم ما عندها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي ثبت عندها ثبوتا صحيحا جزمت به في وقت آخر وتأتي بلفظ يوهم النفي المطلق ؟ إن ذلك لبعيد من فعلها رضي الله عنها .

(رابعها) قال القاضي عياض بعد ذكره الجواب الذي قبله والأشبه عندي في الجمع بين حديثيها أن تكون إنما أنكرت صلاة الضحى المعهودة حينئذ عند الناس على الذي اختاره جماعة من السلف من صلاتها ثماني ركعات وإنه إنما كان يصليها أربعا كما قالت ثم يزيد ما شاء الله قال وقد صح عنها أنها كانت تصليها وتقول لو نشر لي أبواي ما تركتهما .

(خامسها) أنها أرادت نفي إعلان النبي صلى الله عليه وسلم لها قال ابن بطال بعد ذكره ما سبق عن الطبري في التضعيف وقال غيره يحمل قولها ما رأيته يسبح سبحة الضحى يعني مواظبا عليها ومعلنا بها لأنه يجوز أن يصليها بحيث لا يراه الناس وقد روي عن عائشة أنها كانت تغلق على نفسها بابا ثم تصلي الضحى وقال مسروق كنا نقرأ في المسجد فنبقى بعد قيام ابن مسعود ثم نقوم فنصلي الضحى فبلغ ابن مسعود ذلك فقال لم تحملوا عباد الله ما لم يحملهم الله إن كنتم لا بد فاعلين ففي بيوتكم .

وكان [ ص: 64 ] أبو مجلز يصلي الضحى في منزله وكان مذهب السلف الاستتار بها وترك إظهارها للعامة لئلا يروها واجبة انتهى .

(سادسها) قال أبو العباس القرطبي يمكن أن يقال يحتمل أن يكون الذي أنكرت ونفت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعله اجتماع الناس لها في المسجد يصلونها كذلك وهو الذي قال فيه عمر إنه بدعة انتهى وحاصل هذه الأجوبة تضعيف النفي أو حمله على المداومة أو على رؤيتها أو على عدد الركعات أو على إعلانها أو على الجماعة فيها .

(الخامسة) استدل به من أنكر صلاة الضحى وعدها بدعة وفي صحيح البخاري عن مورق العجلي قال : " قلت لابن عمر تصلي الضحى ؟ قال لا قلت فعمر قال لا قلت فأبو بكر قال لا قلت فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لا إخاله " وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال ما صليت الضحى منذ أسلمت إلا أن أطوف بالبيت وأنه سئل عن صلاة الضحى فقال وللضحى صلاة ، وأنه سئل عنها فقال إنها بدعة .

وعن أبي عبيدة قال لم يخبرني أحد من الناس أنه رأى ابن مسعود يصلي الضحى وعن علقمة إنه كان لا يصلي الضحى وحكى ابن بطال أن عبد الرحمن بن عوف كان لا يصلي الضحى .

وعن أنس أنه سئل عن صلاة الضحى فقال الصلوات خمس والذي عليه جمهور العلماء من السلف والخلف استحباب صلاة الضحى وقد ورد فيها أحاديث كثيرة صحيحة مشهورة حتى قال محمد بن جرير الطبري إنها بلغت حد التواتر وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن عباس إنها لفي كتاب الله ولا يغوص عليها الأغواص ثم قرأ في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال وقال القاضي ابن العربي وهي كانت صلاة الأنبياء قبل محمد صلوات الله عليهم قال الله تعالى مخبرا عن داود إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق فأبقى الله من ذلك في دين محمد العصر صلاة العشي ونسخ صلاة الإشراق وروى ابن أبي شيبة فعل صلاة الضحى عن عائشة وأبي ذر وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والضحاك وأبي مجلز وقال النووي في شرح مسلم وأما ما صح عن ابن عمر إنه قال في الضحى هي بدعة فمحمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهر بها كما كانوا يفعلونه بدعة لا أن أصلها [ ص: 65 ]

في البيوت ونحوها مذموم أو يقال قوله بدعة أي المواظبة عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يواظب عليها خشية أن تفرض وهذا في حقه صلى الله عليه وسلم وقد ثبت استحباب المحافظة في حقنا بحديث أبي الدرداء وأبي ذر أو يقال إن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الضحى وأمره بها وكيف كان فجمهور العلماء على استحباب الضحى وإنما نقل التوقف فيها عن ابن مسعود وابن عمر انتهى .

(السادسة) الظاهر أن من عد صلاة الضحى بدعة لا يراها من البدع المذمومة بل هي بدعة محمودة فإن الصلاة خير موضوع وليس فيها ابتداع أمر ينكره الشرع ولذلك عقبت عائشة رضي الله عنها النفي بقولها وإني لأسبحها وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن عمر إنه سئل عنها فقال بدعة ونعمت البدعة وأنه كان لا يصليها وإذا رآهم يصلونها قال ما أحسن ما أحدثوا سبحتهم هذه وإذا كان كذلك فقد حصل الإجماع على استحبابها وإنما اختلفوا في أنها مأخوذة من سنة مخصوصة أو من عمومات استحباب الصلاة فتوقف هذا القائل الثاني في إثبات هذا الاسم الخاص لها والله أعلم .

(السابعة) إذا قلنا باستحباب صلاة الضحى فهل الأفضل المواظبة عليها أو فعلها في وقت وتركها في وقت ؟ الظاهر الأول لقوله عليه الصلاة والسلام أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر .

وروى الترمذي عن أبي هريرة أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وروى أبو بكر البزار في مسنده عن أبي هريرة أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يترك صلاة الضحى في سفر ولا غيره وإسناده ضعيف فيه يوسف بن خالد السمتي ضعيف جدا وذهبت طائفة إلى الثاني حكاه القاضي عياض عن جماعة والخلاف في ذلك عند الحنابلة وقال بالأول أبو الخطاب منهم حكاه ابن قدامة في المغني وفي مصنف ابن أبي شيبة أن عكرمة سئل عن صلاة ابن عباس الضحى [ ص: 66 ] فقال كان يصليها اليوم ويدعها العشر وعن إبراهيم النخعي كانوا يصلون الضحى ويدعون ويكرهون أن يديموها مثل المكتوبة ويدل له قول عائشة رضي الله عنها أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يصلي الضحى إلا أن يجيء من مغيبه وقول عبد الرحمن بن أبي ليلى ما أخبرني أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أم هانئ وهو في الصحيحين .

وما رواه الترمذي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها ويدعها حتى نقول لا يصليها وقال الترمذي حسن غريب قال النووي مع أن عطية ضعيف فلعله اعتضد والجواب عن هذه الأحاديث ما ذكرته عائشة رضي الله عنها من أنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل وإنه ليحب أن يعمله مخافة أن يستن به الناس فيفرض عليهم وقد أمن هذا بعده عليه الصلاة والسلام لاستقرار الشرائع وعدم إمكان الزيادة فيها والنقص منها فينبغي المواظبة عليها وقال والدي رحمه الله في شرح الترمذي اشتهر بين كثير من العوام أنه من صلى الضحى ثم قطعها يحصل له عمى فصار كثير من الناس لا يصلونها خوفا من ذلك وليس لهذا أصل ألبتة لا من السنة ولا من قول أحد من الصحابة ولا من التابعين ومن بعدهم والظاهر أن هذا مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام لكي يتركوا صلاة الضحى دائما ليفوتهم بذلك خير كثير وهو أنهما تقومان عن سائر أنواع التسبيح والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر انتهى .

(الثامنة) قولها وإني لأسبحها كذا في الصحيحين بالباء الموحدة من التسبيح أي لأفعلها وفي الموطإ لأستحبها بالتاء المثناة من فوق من الاستحباب قال أبو العباس القرطبي والأول أولى وقد روي عنها أنها كانت تصليها .

(التاسعة) قولها لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك العمل وإنه ليحب أن يعمله مخافة أن يستن به الناس فيفرض عليهم قال أبو العباس القرطبي إن معناه يظنونه فرضا للمداومة فيجب على من يظنه لذلك كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو تحريمه وجب عليه العمل بذلك وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان حكمه أنه إذا ثبت على شيء من أعمال القرب واقتدى الناس به [ ص: 67 ] في ذلك العمل فرض عليهم كما قال في قيام رمضان لم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وفي رواية ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها قلت المعنيان اللذان ذكرهما القرطبي بعيدان والظاهر في الموضعين أن المانع له عليه الصلاة والسلام أن الناس يستحلون متابعته ويستعذبونها ويستسهلون الصعب فيها فإذا فعل أمرا سهل عليهم فعله لمتابعته فقد يوجبه الله عليهم لعدم المشقة عليهم فيه في ذلك الوقت فإذا توفي عليه الصلاة والسلام زال عنهم ذلك النشاط وحصل لهم الفتور فشق عليهم ما كانوا استسهلوه لا أنه يفرض عليهم ولا بد كما قال القرطبي في جوابه الثاني وغايته أن يصير ذلك الأمر مرتقبا متوقعا قد يقع وقد لا يقع واحتمال وقوعه هو الذي منع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ومع هذا فالمسألة مشكلة تحتاج إلى زيادة عمل ونظر والله أعلم .

(العاشرة) وفيه أنه إذا تعارضت مصلحتان قدم أهمهما لأنه عليه الصلاة والسلام كان يحب صلاة الضحى ويفعلها أحيانا ولكن لما عارضه خوف افتراضها على الناس ترك المواظبة عليها لعظم المفسدة التي يخشاها من تركهم للفرض عند عجزهم .

(الحادية عشرة) وفيه بيان كمال شفقته عليه الصلاة والسلام ورأفته بأمته وفي التنزيل بالمؤمنين رءوف رحيم

التالي السابق


الخدمات العلمية