صفحة جزء
[ ص: 277 ]

199 . وهي تجيء غالبا في السند تقدح في المتن بقطع مسند      200 . أو وقف مرفوع وقد لا يقدح
(كالبيعان بالخيار) صرحوا      201 . بوهم (يعلى بن عبيد) : أبدلا
(عمرا) بـ (عبد الله) حين نقلا      202 . وعلة المتن كنفي البسمله
إذ ظن راو نفيها فنقله      203 . وصح أن أنسا يقول : (لا
أحفظ شيئا فيه) حين سئلا


العلة تكون في الإسناد - وهو الأغلب الأكثر - وتكون في المتن [ ص: 278 ] [ ص: 279 ] ثم العلة في الإسناد قد تقدح في صحة المتن أيضا ، وقد لا تقدح . فأما علة الإسناد التي تقدح في صحة المتن ، فكالتعليل بالإرسال ، والوقف . وأما علة الإسناد التي لا تقدح في صحة المتن ، فكحديث رواه يعلى بن عبيد الطنافسي أحد رجال الصحيح ، عن سفيان الثوري ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " البيعان بالخيار " ، الحديث . فوهم يعلى بن عبيد على سفيان في قوله : عمرو بن دينار . وإنما المعروف من حديث سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر . هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان أبو نعيم الفضل بن دكين ، وعبيد الله بن موسى العبسي ، [ ص: 280 ] ومحمد بن يوسف الفريابي ، ومخلد بن يزيد ، وغيرهم . وهكذا رواه عن عبد الله بن دينار شعبة ، وسفيان بن عيينة ويزيد بن عبد الله بن الهاد ، ومالك بن أنس من رواية ابن وهب عنه . والحديث مشهور لمالك ، وغيره ، عن نافع ، عن ابن عمر . وأما رواية عمرو بن دينار له فوهم من يعلى بن عبيد ، وقال عثمان بن سعيد ، عن يحيى بن معين : يعلى بن عبيد ضعيف في الثوري ، ثقة في غيره .

وقولي : ( أبدل عمرا بعبد الله ) أي : ترك عبد الله بن دينار ، وأتى بعمرو بن دينار ، لأن الباء تدخل على المتروك .

وأما علة المتن ، فمثاله ما تفرد به مسلم في صحيحه من رواية الوليد بن مسلم ، حدثنا الأوزاعي ، عن قتادة ، أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال : [ ص: 281 ] صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ; فكانوا يستفتحون بـ : الحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم ، في أول قراءة ، ولا في آخرها .

ثم رواه من رواية الوليد ، عن الأوزاعي : أخبرني إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك . وروى مالك في الموطأ عن حميد ، عن أنس ، قال : صليت وراء أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم . وزاد فيه الوليد بن مسلم ، عن مالك به : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عبد البر : "وهو عندهم خطأ" . وحديث أنس قد أعله الشافعي رضي الله عنه ، فيما ذكره البيهقي في المعرفة عنه أنه قال في سنن حرملة جوابا لسؤال أورده : فإن قال قائل قد روى مالك ، فذكره . قال الشافعي : قيل له خالفه سفيان بن عيينة والفزاري ، والثقفي ، وعدد لقيتهم سبعة أو ثمانية ، مؤتفقين مخالفين له .

[ ص: 282 ] قال : والعدد الكثير أولى بالحفظ من واحد . ثم رجح روايتهم بما رواه عن سفيان ، عن أيوب ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر يفتتحون القراءة بـ : الحمد لله رب العالمين . قال الشافعي : يعني يبدؤون بقراءة أم القرآن ، قبل ما يقرأ بعدها . ولا يعني أنهم يتركون : بسم الله الرحمن الرحيم . وحكى الترمذي عن الشافعي في معنى الحديث مثل هذا . قال الدارقطني : "هذا هو المحفوظ عن قتادة وغيره ، عن أنس " . قال البيهقي : وكذلك رواه أكثر أصحاب قتادة ، عن قتادة قال : وهكذا رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، وثابت البناني عن أنس . انتهى . وممن رواه عن قتادة هكذا أيوب السختياني ، وشعبة ، وهشام الدستوائي ، [ ص: 283 ] وشيبان بن عبد الرحمن ، وسعيد بن أبي عروبة ، وأبو عوانة وغيرهم .

قال ابن عبد البر : "فهؤلاء حفاظ أصحاب قتادة ليس في روايتهم لهذا الحديث ما يوجب سقوط : بسم الله الرحمن الرحيم من أول فاتحة الكتاب . انتهى" . وهذا هو اللفظ المتفق عليه في الصحيحين وهو رواية الأكثرين . وما أوله عليه الشافعي مصرح به في رواية الدارقطني فكانوا يستفتحون بأم القرآن فيما يجهر به . قال الدارقطني : هذا صحيح . وأيضا فلو قال قائل إن رواية حميد منقطعة بينه وبين أنس ; لم يكن بعيدا . فقد رواها ابن عدي عن حميد ، عن قتادة ، عن أنس قال ابن عبد البر : ويقولون : إن أكثر رواية حميد ، عن أنس ، إنما سمعها من قتادة ، وثابت عن أنس . وقال ابن عبد البر في الاستذكار : اختلف عليهم في لفظه اختلافا كثيرا مضطربا متدافعا . منهم من يقول فيه : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ، ومنهم من يذكر عثمان ، ومنهم من لا يذكر : فكانوا لا يقرؤون : بسم الله الرحمن الرحيم . ومنهم من قال : فكانوا لا يجهرون بـ : بسم الله الرحمن الرحيم . وقال كثير منهم : فكانوا يفتتحون [ ص: 284 ] القراءة بـ : الحمد لله رب العالمين . وقال بعضهم : فكانوا يجهرون بـ : بسم الله الرحمن الرحيم . وقال بعضهم : كانوا يقرؤون : بسم الله الرحمن الرحيم . قال : وهذا اضطراب لا تقوم معه حجة لأحد من الفقهاء الذين يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم ، والذين لا يقرؤونها .

وقولي : ( إذ ظن راو نفيها ، فنقله ) أي : اذ ظن بعض الرواة فهما منه أن معنى قول أنس : يستفتحون بـ : الحمد لله ، أنهم لا يبسملون ، فرواه على فهمه بالمعنى ، وهو مخطئ في فهمه . ومما يدل على أن أنسا لم يرد بذلك نفي البسملة ، ما صح عنه من رواية أبي مسلمة سعيد بن يزيد ، قال : سألت أنس بن مالك أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح بـ : الحمد لله رب العالمين أو بـ : بسم الله الرحمن الرحيم ؟ فقال : إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه ، وما سألني عنه أحد قبلك . رواه أحمد في مسنده ، وابن خزيمة في صحيحه ، والدارقطني وقال : هذا إسناد صحيح . قال البيهقي في المعرفة : في هذا دلالة على أن مقصود أنس ما ذكره الشافعي . وقد اعترض ابن [ ص: 285 ] عبد البر على هذا الحديث بأن قال : "من حفظه عنه حجة على من سأله في حال نسيانه" . وأجاب أبو شامة بأنهما مسألتان . فسؤال أبي مسلمة عن البسملة وتركها ، وسؤال قتادة عن الاستفتاح بأي سورة . وفي صحيح مسلم : أن قتادة قال : نحن سألناه عنه ، فاتضح أن سؤال قتادة كان غير سؤال أبي مسلمة . وأما قول ابن الجوزي في التحقيق : "حديث أبي مسلمة ليس في الصحاح ، فلا يعارض ما في الصحاح . وإن الأئمة اتفقوا على صحة حديث أنس " ففيه نظر . فهذا الشافعي ، والدارقطني ، والبيهقي لا يقولون بصحة حديث أنس الذي فيه نفي البسملة . فلا يصح نقل اتفاق الأئمة عليه ، ولا يرد حديث أبي مسلمة ، بكونه ليس في الصحاح . فقد صححه ابن خزيمة والدارقطني . وأيضا فقد وصف أنس قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بـ : بسم الله الرحمن الرحيم .

فروى البخاري في صحيحه من رواية قتادة ، قال : سئل [ ص: 286 ] أنس بن مالك ، كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : كانت مدا . ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، يمد بسم الله . ويمد الرحمن ، ويمد الرحيم . قال الدارقطني : هذا حديث صحيح . وكلهم ثقات . وقال الحازمي : هذا حديث صحيح لا يعرف له علة . وفيه دلالة على الجهر مطلقا ، وإن لم يقيد بحالة الصلاة . فيتناول الصلاة وغير الصلاة . قال أبو شامة : وتقرير هذا أن يقال : لو كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الجهر والإسرار تختلف في الصلاة وخارج الصلاة ، لقال أنس لمن سأله عن أي قراءتيه تسأل ؟ عن التي في الصلاة أم عن التي خارج الصلاة ؟ فلما أجاب مطلقا علم أن الحال لم يختلف في ذلك . وحيث أجاب بالبسملة دون غيرها من آيات القرآن ، دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة في قراءته . ولولا ذلك لكان أنس أجاب : الحمد لله رب العالمين ، أو غيرها من الآيات . قال : وهذا واضح . قال : ولنا أن نقول : الظاهر أن السؤال لم يكن إلا عن قراءته في الصلاة ، فإن الراوي قتادة ، وهو راوي حديث أنس ذاك . وقال فيه : نحن سألناه عنه . انتهى . فهذا ترجيح لقراءة البسملة . وقد قال الحازمي : إنه لا يعرف له علة . ولم يختلف على قتادة فيه . وأما حديث أنس ذاك ، فله علل اختلف على قتادة فيه . وأعله الشافعي بخطأ الراوي في فهمه ، وأعله ابن عبد البر بالاضطراب . ومن علله أنه ليس متصلا بالسماع ، فإن قتادة كتب إلى الأوزاعي به . والخلاف في الكتابة معروف ، كما سيأتي .

وأما رواية مسلم الثانية فإن مسلما لم يسق لفظها ، وقد ساقه ابن عبد البر ، كرواية الأكثرين ، كانوا يفتتحون القراءة بـ : الحمد لله رب العالمين ، وليس فيها نفي [ ص: 287 ] البسملة . رواها من رواية محمد بن كثير قال : حدثنا الأوزاعي وهذه أولى من رواية مسلم ; لأن تلك من رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بالعنعنة ، والوليد مدلس ، كما تقدم . وأيضا فقد تقدم قول البيهقي أن رواية إسحاق ، وثابت هكذا ، وهو خلاف ما يوهمه عمل مسلم رحمه الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية