صفحة جزء

244 . ومنه قلب سند لمتن نحو : امتحانهم إمام الفن      245 . في مائة لما أتى بغدادا
فردها ، وجود الإسنادا


هذا هو القسم الثاني من قسمي المقلوب ، وهو أن يؤخذ إسناد متن ، فيجعل على متن آخر ، ومتن هذا فيجعل بإسناد آخر . وهذا قد يقصد به أيضا الإغراب; فيكون [ ص: 321 ] ذلك كالوضع ، وقد يفعل اختبارا لحفظ المحدث ، وهذا يفعله أهل الحديث كثيرا ، وفي جوازه نظر إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثا ، وإنما يقصد اختبار حفظ المحدث بذلك ، أو اختباره ، هل يقبل التلقين ، أم لا ؟ وممن فعل ذلك شعبة وحماد بن سلمة . وقد أنكر حرمي شعبة لما حدثه بهز أن شعبة قلب أحاديث على أبان بن أبي عياش . فقال حرمي : يا بئس ما صنع ، وهذا يحل! . فمما فعله أهل الحديث للاختبار ، قصتهم مع البخاري ببغداد . أخبرني محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي ، قال : أخبرنا أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم بن علي الحراني ، قال : أخبرنا أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي الحافظ قراءة عليه وأنا أسمع ببغداد (ح) وأخبرني محمد بن إبراهيم بن محمد البناني بقراءتي ، واللفظ له ، قال : أخبرنا يوسف بن يعقوب الشيباني كتابة ، قال : أخبرنا أبو اليمن الكندي قالا : أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال : أخبرنا الخطيب ، قال : حدثني محمد بن أبي الحسن الساحلي ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسن الرازي ، قال: سمعت أبا أحمد بن عدي يقول : سمعت عدة مشايخ يحكون : أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد ، فسمع به أصحاب الحديث ، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها ، وأسانيدها ، وجعلوا متن هذا الإسناد ، لإسناد آخر ، وإسناد هذا المتن لمتن آخر . ودفعوا إلى عشرة أنفس ، إلى كل رجل عشرة أحاديث ، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري ، وأخذوا الموعد للمجلس ، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان ، وغيرهم ، ومن البغداديين .

فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة ، فسأله عن [ ص: 322 ] حديث من تلك الأحاديث ، فقال البخاري : لا أعرفه . فسأله عن آخر ، فقال : لا أعرفه . فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته ، والبخاري يقول : لا أعرفه . فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض . ويقولون : الرجل فهم ، ومن كان منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم ، ثم انتدب رجل آخر من العشرة ، وسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة ، فقال البخاري : لا أعرفه . فسأله عن آخر ، فقال : لا أعرفه . فسأله عن آخر ، فقال : لا أعرفه . فلم يزل يلقي عليه واحدا بعد آخر ، حتى فرغ من عشرته ، والبخاري يقول : لا أعرفه . ثم انتدب له الثالث والرابع إلى تمام العشرة ، حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة ، والبخاري لا يزيدهم على لا أعرفه ، فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم ، فقال : أما حديثك الأول فهو كذا ، وحديثك الثاني فهو كذا ، والثالث والرابع على الولاء ، حتى أتى على تمام العشرة ، فرد كل متن إلى إسناده ، وكل إسناد إلى متنه . وفعل بالآخرين مثل ذلك ، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها ، وأسانيدها إلى متونها ، فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل .

التالي السابق


الخدمات العلمية