صفحة جزء

264 . وصححوا استغناء ذي الشهرة عن تزكية ، كـ ( مالك ) نجم السنن      265 . و ( لابن عبد البر ) كل من عني
بحمله العلم ولم يوهن      266 . فإنه عدل بقول المصطفى
(يحمل هذا العلم) لكن خولفا


أي : ومما تثبت به العدالة : الاستفاضة والشهرة . فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل ، أو نحوهم من أهل العلم ، وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا .

قال ابن الصلاح : وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي ، وعليه الاعتماد في أصول الفقه . وممن ذكره من أهل الحديث; الخطيب ، ومثل ذلك بمالك ، وشعبة ، [ ص: 331 ] والسفيانين ، والأوزاعي ، والليث ، وابن المبارك ، ووكيع ، وأحمد ، وابن معين ، وابن المديني ، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر ، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء ، وأمثالهم ، وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره على الطالبين . انتهى . وقد سئل أحمد بن حنبل عن إسحاق بن راهويه ، فقال : مثل إسحاق يسأل عنه ؟ ! وسئل ابن معين عن أبي عبيد ، فقال : مثلي يسأل عن أبي عبيد ؟ ! أبو عبيد يسأل عن الناس . وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : الشاهد والمخبر إنما يحتاجان إلى التزكية متى لم يكونا مشهورين بالعدالة والرضا ، وكان أمرهما مشكلا ملتبسا ، ومجوزا فيه العدالة وغيرها . قال : والدليل على ذلك أن العلم بظهور سترهما . واشتهار عدالتهما أقوى في النفوس من تعديل واحد واثنين يجوز عليهما الكذب والمحاباة في تعديله ، وأغراض داعية لهما إلى وصفه بغير صفته ، إلى آخر كلامه .

وقولي في وصف مالك : ( نجم السنن ) ، اقتداء بالشافعي حيث يقول : إذا ذكر الأثر فمالك النجم .

وقال ابن عبد البر : كل حامل علم معروف العناية به ، فهو عدل محمول في أمره أبدا على العدالة ، حتى يتبين جرحه . واستدل على ذلك بحديث [ ص: 332 ] رواه من طريق أبي جعفر العقيلي من رواية معان بن رفاعة السلامي ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين " . أورده العقيلي في الضعفاء في ترجمة معان بن رفاعة ، وقال : لا يعرف إلا به . ورواه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل ، وابن عدي في مقدمة الكامل ، وهو مرسل أو معضل ضعيف . وإبراهيم الذي أرسله قال فيه ابن القطان : لا نعرفه البتة في شيء من العلم غير هذا . وفي كتاب العلل للخلال : أن أحمد سئل عن هذا الحديث ، فقيل له : كأنه كلام موضوع ؟ فقال : لا . هو صحيح . فقيل له : ممن سمعته ؟ قال : من غير واحد . قيل له : من هم ؟ قال : حدثني به مسكين ، إلا أنه يقول عن معان ، عن القاسم [ ص: 333 ] بن عبد الرحمن ، قال أحمد : ومعان لا بأس به . ووثقه ابن المديني أيضا . قال ابن القطان : وخفي على أحمد من أمره ما علمه غيره ، ثم ذكر تضعيفه عن ابن معين وأبي حاتم ، والسعدي وابن عدي ، وابن حبان . انتهى . وقد ورد هذا الحديث مرفوعا مسندا من حديث أبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عمر ، وأبي أمامة ، وجابر بن سمرة - رضي الله عنهم - .

[ ص: 334 ] وكلها ضعيفة . قال ابن عدي : ورواه الثقات عن الوليد بن مسلم ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري ، قال : حدثنا الثقة من أصحابنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فذكره . وممن وافق ابن عبد البر على قوله هذا من المتأخرين : أبو عبد الله بن المواق ، فقال في كتابه بغية النقاد : وأهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك .

وقوله : ( لكن خولفا ) ، أي : خولف ابن عبد البر في اختياره هذا وفي استدلاله بهذا الحديث ، أما اختياره فقال ابن الصلاح : فيما قاله اتساع غير مرضي . وأما استدلاله بهذا الحديث ، فلا يصح من وجهين : [ ص: 335 ] أحدهما : إرساله وضعفه .

والثاني : أنه إنما يصح الاستدلال به ، أن لو كان خبرا ، ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم ، وهو غير عدل ، وغير ثقة ، فلم يبق له محمل إلا على الأمر . ومعناه أنه أمر الثقات بحمل العلم; لأن العلم إنما يقبل عن الثقات . والدليل على أنه للأمر : أن في بعض طرق أبي حاتم : "ليحمل هذا العلم" ، بلام للأمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية