صفحة جزء

272 . فإن يقل : ( قل بيان من جرح ) كذا إذا قالوا : (لمتن لم يصح)      273 . وأبهموا ، فالشيخ قد أجابا
أن يجب الوقف إذا استرابا      274 . حتى يبين بحثه قبوله
كمن أولو الصحيح خرجوا له      275 . ففي ( البخاري ) احتجاجا (عكرمه)
مع (ابن مرزوق) ، وغير ترجمه      276 . واحتج (مسلم) بمن قد ضعفا
نحو (سويد) إذ بجرح ما اكتفى      277 . قلت : وقد قال (أبو المعالي)
، واختاره تلميذه (الغزالي)      278 . و (ابن الخطيب ) : الحق أن يحكم بما
أطلقه العالم بأسبابهما


هذا سؤال أورده ابن الصلاح على قولهم : إن الجرح لا يقبل إلا مفسرا . وكذلك تضعيف الحديث ، فقال : ولقائل أن يقول : إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ، ورد حديثهم ، على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح ، أو في الجرح والتعديل [ ص: 340 ] .

وقلما يتعرضون فيها لبيان السبب ، بل يقتصرون على مجرد قولهم : فلان ضعيف ، وفلان ليس بشيء ، ونحو ذلك . وهذا حديث ضعيف ، وهذا حديث غير ثابت ، ونحو ذلك . فاشتراط بيان السبب ، يفضي إلى تعطيل ذلك ، وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر . قال : وجوابه أن ذلك وإن لم نعتمده في إثبات الجرح ، والحكم به ، فقد اعتمدناه في أن توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك ، بناء على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية ، يوجب مثلها التوقف . ثم من انزاحت عنه الريبة منهم ، ببحث عن حاله ، أوجب الثقة بعدالته; قبلنا حديثه ، ولم نتوقف . كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين ، وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم . فافهم ذلك فإنه مخلص حسن . ولما نقل الخطيب عن أئمة الحديث : أن الجرح لا يقبل إلا مفسرا ، قال : فإن البخاري احتج بجماعة سبق من غيره الطعن فيهم ، والجرح لهم ، كعكرمة مولى ابن عباس في التابعين ، وكإسماعيل بن أبي أويس ، وعاصم بن علي ، وعمرو بن مرزوق في المتأخرين .

[ ص: 341 ] قال : وهكذا فعل مسلم ، فإنه احتج بسويد بن سعيد ، وجماعة غيرهم ، اشتهر عمن ينظر في حال الرواة الطعن عليهم . قال : وسلك أبو داود هذه الطريقة ، وغير واحد ممن بعده .

وقولي : ( إذ بجرح ) ، أي : بمطلق جرح ، وذلك لأن سويد بن سعيد صدوق في نفسه ، كما قال أبو حاتم ، وصالح جزرة ، ويعقوب بن شيبة وغيرهم . وقد ضعفه البخاري ، والنسائي . فقال البخاري : حديثه منكر . وقال النسائي : ضعيف . ولم يفسر الجرح . وأكثر من فسر الجرح فيه ، ذكر أنه لما عمي ربما تلقن الشيء . وهذا وإن كان قادحا فإنما يقدح فيما حدث به بعد العمى ، وما حدث به قبل [ ص: 342 ] ذلك فصحيح . ولعل مسلما إنما خرج عنه ما عرف : أنه حدث به قبل عماه . وأما تكذيب ابن معين له ، فإنه أنكر عليه ثلاثة أحاديث : حديث : " من عشق ، وعف " ، وحديث : " من قال في ديننا برأيه فاقتلوه " ، وحديثه عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد مرفوعا : " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " . فقال [ ص: 343 ] ابن معين : هذا باطل عن أبي معاوية . قال الدارقطني : فلما دخلت مصر ، وجدت هذا الحديث في مسند المنجنيقي ، وكان ثقة ، عن أبي كريب ، عن أبي معاوية ، فتخلص منه سويد ، فأنكره عليه ابن معين ; لظنه أنه تفرد به عن أبي معاوية ، ولا يحتمل التفرد ، ولم ينفرد به ، وإنما كذبه ابن معين فيما تلقنه آخرا . فنسبه إلى الكذب لأجله . ويدل عليه أن محمد بن يحيى السوسي ، قال : سألت ابن معين ، عن سويد ، فقال : فيما حدثك فاكتب عنه ، وما حدثك به تلقينا فلا . فدل هذا على أنه صدوق عنده ، أنكر عليه ما تلقنه ، والله أعلم .

وإنما روى عنه مسلم لطلب العلو مما صح عنده بنزول . ولم يخرج عنه ما انفرد به . وقد قال إبراهيم بن أبي طالب : قلت لمسلم : كيف استجزت الرواية عن سويد في الصحيح ؟ فقال : ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة ؟ وذلك أن مسلما لم يرو عن أحد ممن سمع من حفص بن ميسرة في الصحيح ، إلا عن سويد بن سعيد فقط . وقد روى في الصحيح عن واحد ، عن ابن وهب ، عن حفص ، والله أعلم .

[ ص: 344 ] وقولي : ( قلت . . . ) إلى آخر البيتين ، هو من الزوائد على ابن الصلاح . وهما رد على السؤال الذي ذكره ، وذلك أن إمام الحرمين ، أبا المعالي الجويني ، قال في كتاب " البرهان " : الحق أنه إن كان المزكي عالما بأسباب الجرح والتعديل ، اكتفينا بإطلاقه . وإلا فلا . وهذا هو الذي اختاره أبو حامد الغزالي ، والإمام فخر الدين بن الخطيب ، وقد تقدم نقله في شرح الأبيات التي قبل هذه عن القاضي أبي بكر ، وأنه نقله عن الجمهور . وممن اختاره أيضا من المحدثين : الخطيب ، فقال بعد أن فرق بين الجرح والتعديل في بيان السبب : على أنا نقول أيضا : إن كان الذي يرجع إليه في الجرح عدلا مرضيا في اعتقاده ، وأفعاله ، عارفا بصفة العدالة والجرح ، وأسبابهما ، عالما باختلاف الفقهاء في أحكام ذلك; قبل قوله فيمن جرحه مجملا ، ولا يسأل عن سببه .

التالي السابق


الخدمات العلمية