صفحة جزء
الاقتصار على بعض الحديث


635 . وحذف بعض المتن فامنع أو أجز أو إن أتم أو لعالم ومز      636 . ذا بالصحيح إن يكن ما اختصره
منفصلا عن الذي قد ذكره      637 . وما لذي تهمة أن يفعله
فإن أبى فجاز أن لا يكمله      638 . أما إذا قطع في الأبواب
فهو إلى الجواز ذو اقتراب


اختلف العلماء في جواز الاقتصار على بعض الحديث ، وحذف بعضه ، على أقوال :

أحدها : المنع مطلقا .

والثاني : الجواز مطلقا .

[ ص: 510 ] وينبغي تقييد الإطلاق بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمأتي به تعلقا يخل بالمعنى حذفه ، كالاستثناء ، والحال ، ونحو ذلك ، كما سيأتي في القول الرابع . فإن كان كذلك لم يجز بلا خلاف ، وبه جزم أبو بكر الصيرفي وغيره ، وهو واضح .

والثالث : أنه إن لم يكن رواه على التمام مرة أخرى هو أو غيره ، لم يجز . وإن كان رواه على التمام مرة أخرى هو أو غيره جاز . وإليه الإشارة بقولي : ( أو إن أتم ) أي : أو أجزه إن أتم مرة ما ، منه أو من غيره .

والقول الرابع : وهو الصحيح كما قال ابن الصلاح : "إنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله ، غير متعلق به ، بحيث لا يختل البيان ، ولا تختلف الدلالة ، فيما نقله بترك ما تركه . قال : فهذا ينبغي أن يجوز ، وإن لم يجز النقل بالمعنى ; لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين" . وإلى تصحيح هذا القول الإشارة بقولي : ( ومز ذا بالصحيح ) .

وليس للمتهم أن يحذف بعض الحديث ، كما ذكر الخطيب أن من روى حديثا على التمام ، وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث; لقلة ضبطه ، وكثرة غلطه ، فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه . وقال سليم الرازي : "من روى بعض الخبر ، ثم أراد أن ينقل تمامه ، وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه ; كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة ، وكتمانها" . وإليه الإشارة بقولي : ( فإن أبى ) أي : فإن خالف ، [ ص: 511 ] ورواه ناقصا مرة ، فجاز أن لا يكمله بعد ذلك . قال ابن الصلاح : "من كان هذا حاله ، فليس له من الابتداء ، أن يروي الحديث غير تام ، إذا كان قد تعين عليه أداء تمامه; لأنه إذا رواه أولا ناقصا ، أخرج باقيه عن حيز الاحتجاج به ، ودار بين أن لا يرويه أصلا فيضيعه رأسا ، وبين أن يرويه متهما فيه ، فيضيع ثمرته; لسقوط الحجة فيه" .

وأما تقطيع المصنف للحديث الواحد ، وتفريقه في الأبواب بحسب الاحتجاج به على مسألة مسألة ، فهو إلى الجواز أقرب ، وقد فعله الأئمة : مالك وأحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم من الأئمة . وحكى الخلال عن أحمد : أنه ينبغي أن لا يفعل . قال ابن الصلاح : "ولا يخلو من كراهية" .

التالي السابق


الخدمات العلمية