صفحة جزء

691 . وينبغي الإمساك إذ يخشى الهرم وبالثمانين ابن خلاد جزم      692 . فإن يكن ثابت عقل لم يبل
كأنس ومالك ومن فعل      693 . والبغوي والهجيمي وفئه
كالطبري حدثوا بعد المائه


لما ذكر السن الذي ينبغي فيه التحديث ذكر بعده السن الذي ينبغي عنده الإمساك عن التحديث ، قال القاضي عياض : "الحد في ترك الشيخ التحديث التغير ، وخوف الخرف" ، وكذا قال ابن الصلاح : "هو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف ، ويخاف عليه فيه أن يخلط ، ويروي ما ليس من حديثه . قال : والناس [ ص: 22 ] في بلوغ هذا السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم" . وروينا عن أبي محمد بن خلاد ، قال : فإذا تناهى العمر بالمحدث فأعجب إلي أن يمسك في الثمانين ; فإنه حد الهرم . قال والتسبيح ، والذكر ، وتلاوة القرآن ; أولى بأبناء الثمانين فإن كان عقله ثابتا ، ورأيه مجتمعا ، يعرف حديثه ، ويقوم به ، وتحرى أن يحدث احتسابا ، رجوت له خيرا ; كالحضرمي وموسى وعبدان . قال : ولم أر بفهم أبي خليفة وضبطه بأسا مع سنه . انتهى كلامه . وقد حدث جماعة من الصحابة فمن بعدهم بعد مجاوزة الثمانين . فمن الصحابة : أنس بن مالك ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وسهل بن سعد ، في آخرين . ومن التابعين : شريح القاضي ، ومجاهد ، والشعبي ، في آخرين . ومن أتباعهم : مالك بن أنس ، والليث بن سعد ، وسفيان بن عيينة ، في آخرين منهم . وممن بعدهم ، وقد ذكر القاضي عياض أن مالكا قال : "إنما يخرف الكذابون" وقد حدث جماعة بعد أن جاوزوا المائة .

فمن الصحابة : حكيم بن حزام ، ومن التابعين : شريك بن عبد الله النمري ، وممن بعدهم : الحسن بن عرفة ، وأبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي ، وأبو إسحاق إبراهيم بن علي الهجيمي ، حدث وهو ابن مائة وثلاث سنين ، والقاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري ، والحافظ أبو الطاهر أحمد بن محمد السلفي ، وغيرهم ; ولم يتغير أحد منهم . وقرأ القارئ يوما على الهجيمي بعد أن جاوز المائة ، وأراد اختباره بذلك .

[ ص: 23 ]

إن الجبان حتفه من فوقه كالكلب يحمي جلده بروقه



فقال له الهجيمي : قل الثور يا ثور! فإن الكلب لا روق له ، ففرح الناس بصحة عقله وجودة حسه . قال الجوهري : "والروق : القرن" . قال القاضي عياض : "وإنما كره من كره لأصحاب الثمانين التحديث ; لأن الغالب على من يبلغ هذا السن اختلال الجسم ، والذكر ، وضعف الحال ، وتغير الفهم ، وحلول الخرف ; مخافة أن يبدأ به التغير والاختلال ، فلا يفطن له إلا بعد أن جازت عليه أشياء" .

التالي السابق


الخدمات العلمية