صفحة جزء
المسلسل


764 . مسلسل الحديث ما تواردا فيه الرواة واحدا فواحدا      765 . حالا لهم أو وصفا أو وصف سند
كقول كلهم : سمعت فاتحد      766 . وقسمه إلى ثمان مثل
وقلما يسلم ضعفا يحصل      767 . ومنه ذو نقص بقطع السلسله
كأولية وبعض وصله


التسلسل من صفات الأسانيد ، فالحديث المسلسل : هو ما توارد رجال إسناده واحدا فواحدا على حالة واحدة أو صفة واحدة سواء كانت الصفة للرواة ، أو للإسناد . وسواء كان ما وقع منه في الإسناد في صيغ الأداء ، أو متعلقا بزمن الرواية ، أو [ ص: 91 ] بالمكان . وسواء أكانت أحوال الرواة ، أو صفاتهم أقوالا ، أم أفعالا ؟ مثال التسلسل بأحوال الرواة القولية ، حديث معاذ بن جبل ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : "يا معاذ ، إني أحبك ، فقل في دبر كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك" ، فقد تسلسل لنا بقول كل من رواته : وأنا أحبك فقل .

ومثال التسلسل بأحوال الرواة الفعلية ، حديث أبي هريرة قال : شبك بيدي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : خلق الله الأرض يوم السبت ، . . . الحديث . فقد تسلسل لنا تشبيك كل واحد من رواته بيد من رواه عنه . وقد يجتمع تسلسل الأقوال والأفعال في حديث واحد كالحديث الذي أخبرنا به محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري سماعا عليه بدمشق في الرحلة الأولى ، قال : أخبرنا والدي ، ويحيى بن علي بن محمد القلانسي قالا : أخبرنا علي بن محمد بن أبي الحسن ، قال : حدثنا يحيى بن محمود الثقفي ، قال : حدثنا إسماعيل بن محمد بن الفضل ، قال : حدثنا أحمد بن علي بن خلف ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الحاكم ، قال : حدثنا الزبير بن عبد الواحد ، قال : حدثنا يوسف [ ص: 92 ] ابن عبد الأحد الشافعي ، قال : حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا سعيد الأدم ، قال : حدثنا شهاب بن خراش ، قال : سمعت يزيد الرقاشي يحدث عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يجد العبد حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره" قال : وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على لحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وقبض أنس على لحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وأخذ يزيد بلحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وأخذ شهاب بلحيته ، فقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وأخذ سعيد بلحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وأخذ سليمان بلحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وأخذ يوسف بلحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال الحاكم : وأخذ الزبير بلحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وأخذ الحاكم بلحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وأخذ ابن خلف بلحيته ، [ ص: 93 ] وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وأخذ إسماعيل بلحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وأخذ يحيى الثقفي بلحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وأخذ علي بن محمد بلحيته وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، قال : وأخذ كل من يحيى بن القلانسي وإسماعيل بن إبراهيم بلحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، وأخذ شيخنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بلحيته ، وقال : آمنت بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره .

ومثال التسلسل بصفات الرواة القولية ، كالحديث المسلسل بقراءة سورة الصف ونحوه . وأحوال الرواة القولية ، وصفاتهم القولية ، متقاربة بل متماثلة . ومثال التسلسل بصفات الرواة الفعلية ، كالحديث المسلسل بالفقهاء ، وهو حديث ابن عمر مرفوعا : "البيعان بالخيار" فقد تسلسل لنا برواية الفقهاء . وكالحديث المسلسل برواية الحفاظ ، ونحو ذلك . ومثال التسلسل بصفات الإسناد والرواية ، كقول كل من رواته : [ ص: 94 ] سمعت فلانا ، وإليه الإشارة بقولي : (كقول كلهم : سمعت فاتحد) ، لفظ الأداء في جميع الرواة فصار مسلسلا بذلك ، وكذلك قول جميعهم حدثنا ، أو قولهم : أخبرنا ، وقولهم : شهدت على فلان ، قال : شهدت على فلان ، ونحو ذلك . وجعل الحاكم من أنواعه أن تكون ألفاظ الأداء في جميع الرواة دالة على الاتصال ، وإن اختلفت ، فقال بعضهم : سمعت ، وبعضهم : أخبرنا ، وبعضهم : حدثنا ، ولم يدخل الأكثرون في المسلسلات إلا ما اتفقت فيه صيغ الأداء بلفظ واحد ، ومثال التسلسل في وقت الرواية حديث ابن عباس ، قال : شهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد فطر ، أو أضحى ، . . . الحديث . فقد تسلسل لنا برواية كل واحد من الرواة له في يوم عيد وكحديث تسلسل قص الأظفار بيوم الخميس ، ونحو ذلك . ومثال التسلسل بالمكان ، كالحديث المسلسل بإجابة الدعاء في الملتزم . وأنواع التسلسل كثيرة . وقد ذكره الحاكم في علومه ثمانية أنواع ، قال ابن الصلاح : والذي ذكره فيها إنما هو صور ، وأمثلة ثمانية ، ولا انحصار لذلك في ثمانية .

قلت : لم يقل الحاكم إنه ينحصر في ثمانية أنواع ، كما فهمه ابن الصلاح ، وإنما قال بعد ذكره الثمانية : "فهذه أنواع المسلسل من الأسانيد المتصلة التي لا يشوبها تدليس وآثار السماع بين الراويين ظاهرة" . انتهى [ ص: 95 ] .

فالحاكم إنما ذكر من أنواع المسلسل ما يدل على الاتصال . فالأول : المسلسل بـ : سمعت . والثاني : المسلسل بقولهم : قم فصب علي حتى أريك وضوء فلان . والثالث : المسلسل بمطلق ما يدل على الاتصال من "سمعت" أو "أخبرنا" أو "حدثنا" ، وإن اختلفت ألفاظ الرواة . والرابع : المسلسل بقولهم : فإن قيل لفلان : من أمرك بهذا ؟ قال : يقول : أمرني فلان . والخامس : المسلسل بالأخذ باللحية ، وقولهم : آمنت بالقدر ، الحديث ، وقد تقدم . والسادس : المسلسل بقولهم : وعدهن في يدي . والسابع : المسلسل بقولهم : شهدت على فلان . والثامن : المسلسل بالتشبيك باليد مع أن من أمثلته ما يدل على الاتصال ، ولم يذكره ، كالمسلسل بقولهم : أطعمنا وسقانا . والمسلسل بقولهم : أضافنا بالأسودين ، التمر والماء . والمسلسل بقولهم : أخذ فلان بيدي . والمسلسل بالمصافحة . والمسلسل بقص الأظفار يوم الخميس ، ونحو ذلك . قال ابن الصلاح : "وخيرها ما كان فيه دلالة على اتصال السماع وعدم التدليس ، قال : ومن فضيلة التسلسل اشتماله على مزيد الضبط من الرواة . قال : وقلما تسلم المسلسلات من ضعف ، أعني : في وصف التسلسل لا في أصل المتن" .

ومن المسلسل ما هو ناقص التسلسل بقطع السلسلة في وسطه ، أو أوله ، أو آخره ، كحديث عبد الله بن عمرو المسلسل بالأولية ، فإنه إنما يصح التسلسل فيه إلى سفيان بن عيينة ، وانقطع التسلسل بالأولية في سماع سفيان من عمرو ، وفي سماع عمرو من أبي قابوس ، وفي سماع أبي قابوس من عبد الله بن عمرو ، وفي سماع عبد الله من النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقد وقع لنا - بإسناد متصل - التسلسل إلى آخره ، ولا يصح ذلك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية