صفحة جزء

788 . وتعرف الصحبة باشتهار أو تواتر أو قول صاحب ولو      789 . قد ادعاها وهو عدل قبلا
وهم عدول قيل لا من دخلا      790 . في فتنة ، والمكثرون ستة
أنس ، وابن عمر ، والصديقة [ ص: 128 ]      791 . البحر ، جابر أبو هريرة
أكثرهم والبحر في الحقيقة      792 . أكثر فتوى وهو وابن عمرا
وابن الزبير وابن عمرو قد جرى      793 . عليهم بالشهرة العبادله
ليس ابن مسعود ولا من شاكله      794 . وهو وزيد وابن عباس لهم
في الفقه أتباع يرون قولهم


هذه الأبيات تجمع ست مسائل :الأولى : فيما تعرف به الصحبة ، وذلك إما بالتواتر ، كأبي بكر ، وعمر ، وبقية العشرة في خلق منهم ، وإما بالاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر ، كعكاشة بن محصن ، وضمام بن ثعلبة ، وغيرهما . وإما بإخبار بعض الصحابة عنه أنه صحابي كحممة بن أبي حممة الدوسي ، الذي مات بأصبهان مبطونا ، فشهد له أبو موسى الأشعري أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حكم له بالشهادة ذكر ذلك أبو نعيم في تاريخ أصبهان . وروينا قصته في مسند أبي داود الطيالسي ، ومعجم الطبراني . على أنه يجوز أن يكون أبو موسى إنما أراد بذلك شهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن قتله بطنه وفي عمومهم حممة ، لا أنه سماه باسمه ، والله أعلم [ ص: 129 ] .

وإما بإخباره عن نفسه أنه صحابي بعد ثبوت عدالته قبل إخباره بذلك . هكذا أطلق ابن الصلاح تبعا للخطيب ، فإنه قال في الكفاية : وقد يحكم بأنه صحابي إذا كان ثقة أمينا مقبول القول ، إذا قال صحبت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكثر لقائي له ، فيحكم بأنه صحابي في الظاهر ، لموضع عدالته ، وقبول خبره ، وإن لم يقطع بذلك كما يعمل بروايته . هكذا ذكره في آخر كلام القاضي أبي بكر ، والظاهر أن هذا كلام القاضي ، قلت : ولا بد من تقييد ما أطلق من ذلك بأن يكون ادعاؤه لذلك يقتضيه الظاهر . أما لو ادعاه بعد مضي مائة سنة من حين وفاته - صلى الله عليه وسلم - ، فإنه لا يقبل وإن كانت قد ثبتت عدالته قبل ذلك ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : "أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى أحد ممن على ظهر الأرض" ، يريد انخرام ذلك القرن . قال : ذلك في سنة وفاته - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا واضح جلي . وقد اشترط الأصوليون في قبول ذلك منه أن يكون قد عرفت معاصرته للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال الآمدي : فلو قال من عاصره أنا صحابي مع إسلامه ، وعدالته ، فالظاهر صدقه ، وحكاهما ابن الحاجب احتمالين من غير ترجيح ، قال : ويحتمل أن لا يصدق لكونه متهما بدعوى رتبة يثبتها لنفسه .

الثانية : الصحابة كلهم عدول ، لقوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ ، ولقوله تعالى : [ ص: 130 ] كنتم خير أمة أخرجت للناس قيل : إن المفسرين اتفقوا على أنه وارد في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته من حديث أبي سعيد الخدري : "لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ، ولا نصيفه" ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته أيضا من حديث ابن مسعود "خير الناس قرني" ، وقد سبق تفسير القرن في أول هذه الترجمة ، ولغير ذلك من الأحاديث الصحيحة ، ولإجماع من يعتد به في الإجماع من الأئمة على ذلك ، ثم إن جميع الأمة مجمعة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم . وأما من لابس الفتن منهم - وذلك من حين مقتل عثمان - فأجمع من يعتد به أيضا في الإجماع على تعديلهم إحسانا للظن بهم ، وحملا لهم في ذلك على الاجتهاد .

هكذا حكى ابن الصلاح إجماع الأمة على تعديل من لم يلابس الفتن منهم وفيه نظر ، فقد حكى الآمدي وابن الحاجب قولا : أنهم كغيرهم في لزوم البحث عن عدالتهم مطلقا ، [ ص: 131 ] وقولا آخر : أنهم عدول إلى وقوع الفتن ، فأما بعد ذلك فلا بد من البحث عمن ليس ظاهر العدالة ، وذهبت المعتزلة إلى فسق من قاتل عليا منهم ، وقيل : يرد الداخلون في الفتن كلهم ; لأن أحد الفريقين فاسق من غير تعيين ، وقيل : يقبل الداخل فيها ، إذا انفرد ; لأن الأصل العدالة وشككنا في فسقه ، ولا يقبل مع مخالفه لتحقق فسق أحدهما من غير تعيين .

والذي عليه الجمهور كما قال الآمدي وابن الحاجب : إنهم عدول كلهم مطلقا . وقال الآمدي : إنه المختار ، وحكى ابن عبد البر في الاستيعاب إجماع أهل الحق من المسلمين ، وهم أهل السنة والجماعة على أن الصحابة كلهم عدول .

الثالثة : المكثرون من الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة : أنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، وعائشة الصديقة بنت أبي بكر الصديق ، وعبد الله بن عباس - وهو البحر - ، وجابر بن عبد الله ، وأبو هريرة ، وأكثر الستة حديثا أبو هريرة ، قال ذلك أحمد بن حنبل وغيره ، وأشرت إلى كون أبي هريرة أكثرهم حديثا ، بقولي : (أكثرهم) ، ولم يتعرض ابن الصلاح لترتيب من بعد أبي هريرة في الأكثرية ، وبعضهم مقارب لبعض . والذي يدل عليه كلام بقي بن مخلد : أن أكثرهم أبو هريرة ، روى خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا ، ثم ابن عمر ، روى ألفي حديث وستمائة وثلاثين ، ثم أنس ، روى ألفين ومائتين وستة وثمانين ، ثم عائشة روت ألفين ومائتين وعشرة ، ثم ابن عباس ، روى ألفا وستمائة وستين حديثا ، ثم جابر ، روى ألفا وخمسمائة وأربعين [ ص: 132 ] حديثا . وليس في الصحابة من يزيد حديثه على ألف إلا هؤلاء ، وأبو سعيد الخدري ، فإنه روى ألفا ومائة وسبعين حديثا .

الرابعة : أكثر الصحابة فتوى عبد الله بن عباس ، قاله أحمد بن حنبل أيضا .

الخامسة : في بيان العبادلة من الصحابة ، وقيل لأحمد بن حنبل : من العبادلة ؟ فقال : عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمرو ، قيل له : فأين ابن مسعود ؟ قال : لا ، ليس من العبادلة ، قال البيهقي : وهذا لأنه تقدم موته ، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم فإذا اجتمعوا على شيء قيل : هذا قول العبادلة .

وقولي : (وهو وابن عمر ) ، الضمير عائد على البحر ، وهو ابن عباس ; لأنه أقرب مذكور ، وما ذكر من أن العبادلة هم هؤلاء الأربعة ، هو المشهور بين أهل الحديث وغيرهم . واقتصر صاحب الصحاح على ثلاثة ، وأسقط ابن الزبير . وأما ما حكاه النووي في التهذيب : أن الجوهري ذكر فيهم ابن مسعود ، وأسقط ابن العاص ; فوهم ، نعم . . وقع في كلام الزمخشري في المفصل أن العبادلة : ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس وكذا قال الرافعي في الشرح الكبير في الديات ، وغلطا في ذلك من حيث الاصطلاح ، قال ابن الصلاح : ويلتحق بابن مسعود في [ ص: 133 ] ذلك سائر العبادلة المسمين بعبد الله من الصحابة ، وهم نحو مائتين وعشرين نفسا . أي : فلا يسمون العبادلة اصطلاحا ، وإلى ذلك أشرت بقولي : (ولا من شاكله) أي : ولا من أشبه ابن مسعود في التسمية بعبد الله .

وقول ابن الصلاح : أنهم نحو مائتين وعشرين كأنه أخذه من الاستيعاب لابن عبد البر ، فإنه عد ممن اسمه عبد الله مائتين وثلاثين ، ومنهم من كرره للاختلاف في اسم أبيه أو في اسمه هو ، ومنهم من لم يصحح له صحبة ، ومنهم من لم يرو وإنما ذكره لمعاصرته على قاعدته ; وذلك فوق العشرة فبقي نحو مائتين وعشرين ، كما ذكر ، ولكن قد ذكر الحافظ أبو بكر بن فتحون فيما ذيله على الاستيعاب مائة وأربعة وستين رجلا زيادة على ذلك ، وفيهم أيضا من عاصره ولم يره ، ومن كرره للاختلاف في اسمه أيضا ، واسم أبيه ، ومن لم تصح صحبته ، ولكن يجتمع من المجموع نحو ثلاثمائة رجل .

السادسة : في بيان من كان له من الصحابة أتباع يقولون برأيه ، قال ابن المديني : "لم يكن من صحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد له أصحاب يقومون بقوله في الفقه إلا ثلاثة : عبد الله بن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، كان لكل رجل منهم أصحاب يقومون بقوله ، ويفتون الناس" . انتهى .

فقولي في البيت : (وهو) أي : ابن مسعود .

التالي السابق


الخدمات العلمية