صفحة جزء
القسم الثاني : الحسن [ ص: 150 ] [ ص: 151 ]

50 . والحسن المعروف مخرجا وقد اشتهرت رجاله بذاك حد      51 . (حمد) وقال ( الترمذي ) : ما سلم
من الشذوذ مع راو ما اتهم      52 . بكذب ولم يكن فردا ورد
قلت : وقد حسن بعض ما انفرد      53 . وقيل : ما ضعف قريب محتمل
فيه ، وما بكل ذا حد حصل


اختلف أقوال أئمة الحديث في حد الحديث الحسن ، فقال أبو سليمان الخطابي ، وهو حمد المذكور في أول البيت الثاني : "الحسن : ما عرف مخرجه واشتهر رجاله .

[ ص: 152 ] قال : وعليه مدار أكثر الحديث ، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ، ويستعمله عامة الفقهاء" . انتهى . ورأيت في كلام بعض المتأخرين أن في قوله ما عرف مخرجه احترازا عن المنقطع ، وعن حديث المدلس قبل أن يتبين تدليسه . قال ابن دقيق العيد : "ليس في عبارة الخطابي كبير تلخيص . وأيضا فالصحيح قد عرف مخرجه واشتهر رجاله . فيدخل الصحيح في حد الحسن . قال : وكأنه يريد مما لم يبلغ درجة الصحيح" .

قال الشيخ تاج الدين التبريزي : فيه نظر; لأنه - أي : ابن دقيق العيد - ذكر من بعد : أن الصحيح أخص من الحسن . قال : ودخول الخاص في حد العام ضروري . والتقييد بما يخرجه عنه مخل للحد وهو اعتراض متجه .

وقال أبو عيسى الترمذي في العلل التي في آخر الجامع : "وما ذكرنا في هذا الكتاب : حديث حسن ، فإنما أردنا به حسن إسناده عندنا . كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب ، ولا يكون الحديث شاذا ، ويروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن" . قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن المواق : إنه لم يخص الترمذي الحسن بصفة تميزه عن الصحيح ، فلا يكون صحيحا إلا وهو غير شاذ ، ولا يكون صحيحا حتى يكون رواته غير متهمين ، بل [ ص: 153 ] ثقات . قال : فظهر من هذا أن الحسن عند أبي عيسى صفة لا تخص هذا القسم بل قد يشركه فيها الصحيح . قال : فكل صحيح عنده حسن ، وليس كل حسن عنده صحيحا . قال أبو الفتح اليعمري : بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يروى من وجه آخر ، ولم يشترط ذلك في الصحيح . قلت : وسنرى في كلام أبي الفتح بعد هذا بدون الصفحة أنه لا يشترط في كل حسن أن يكون كذلك ، فتأمله .

وقوله : ( قلت: وقد حسن بعض ما انفرد ) . هذا من الزوائد على ابن الصلاح . وهو إيراد على الترمذي ، حيث اشترط في الحسن أن يروى من غير وجه نحوه . ومع ذلك فقد حسن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد ، كحديث إسرائيل ، عن يوسف ابن أبي بردة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من الخلاء قال : غفرانك . فإنه قال فيه : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل ، عن يوسف ابن أبي بردة . قال : ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة . وأجاب أبو الفتح اليعمري عن هذا الحديث بأن الذي يحتاج إلى مجيئه من غير وجه ما كان راويه في درجة المستور ومن لم تثبت عدالته . قال : وأكثر ما في الباب أن الترمذي عرف بنوع منه لا [ ص: 154 ] بكل أنواعه . وقوله : ( وقيل ما ضعف قريب محتمل فيه ) . هذا قول ثالث في حد الحسن . قال ابن الجوزي في العلل المتناهية وفي الموضوعات : الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل ، هو الحديث الحسن . ولم يسم ابن الصلاح قائل هذا القول ، بل عزاه لبعض المتأخرين ، وأراد به ابن الجوزي . واعترض ابن دقيق العيد على هذا الحد بأنه "ليس مضبوطا بضابط ، يتميز به القدر المحتمل من غيره ، قال : وإذا اضطرب هذا الوصف لم يحصل التعريف المميز للحقيقة" . وقال ابن الصلاح بعد ذكر هذه الحدود الثلاثة : كل هذا مستبهم ، لا يشفي الغليل ، قال : وليس في كلام الترمذي ، والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح . انتهى . وهذا المراد بقوله : ( وما بكل ذا حد حصل ) . أي : وما بكل قول من الأقوال الثلاثة حصل حد صحيح للحسن .

التالي السابق


الخدمات العلمية