صفحة جزء
أما الحديث الصحيح: فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا.

وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ وما فيه علة قادحة وما في راويه نوع جرح. وهذه أنواع يأتي ذكرها إن شاء الله تبارك وتعالى.

فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث.


[ ص: 218 ] 4 - قوله: (أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده) إلى آخر كلامه، اعترض عليه بأن من يقبل المرسل لا يشترط أن يكون مسندا، وأيضا اشتراط سلامته من الشذوذ والعلة إنما زادها أهل الحديث كما قاله ابن دقيق العيد في الاقتراح، قال: وفي هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء. قال: ومن شرط الحد أن يكون جامعا مانعا.

والجواب أن من يصنف في علم الحديث إنما يذكر الحد عند أهله لا من عند غيرهم من أهل علم آخر.

وفي مقدمة مسلم "أن المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة" وكون الفقهاء والأصوليين لا يشترطون في الصحيح هذين الشرطين لا يفسد الحد عند من يشترطهما. على أن المصنف قد احترز عن خلافهم، وقال بعد أن فرغ من الحد وما يحترز به عنه: "فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث".

وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه أو لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الأوصاف كما في المرسل، انتهى كلامه. فقد احترز المصنف عما اعترض به عليه، فلم يبق للاعتراض وجه.

[ ص: 219 ] 5 - وقوله: (بلا خلاف بين أهل الحديث) إنما قيد نفي الخلاف بأهل الحديث؛ لأن غير أهل الحديث قد يشترطون في الصحيح شروطا زائدة على هذه كاشتراط العدد في الرواية كما في الشهادة، فقد حكاه الحازمي في شروط الأئمة عن بعض متأخري المعتزلة، على أنه قد حكي أيضا عن بعض أصحاب الحديث.

قال البيهقي في رسالته إلى أبي محمد الجويني - رحمهما الله -: رأيت [ ص: 220 ] في الفصول التي أملاها الشيخ - حرسه الله تعالى - حكاية عن بعض أصحاب الحديث أنه يشترط في قبول الأخبار أن يروي عدلان عن عدلين حتى يتصل مثنى مثنى برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر قائله. إلى آخر كلامه وكأن البيهقي رآه في كلام أبي محمد الجويني، فنبهه على أنه لا يعرف عن أهل الحديث. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية