صفحة جزء
قلت: قد خرج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد، منهم مرداس الأسلمي لم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم، وكذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد، منهم ربيعة بن كعب الأسلمي لم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن.

وذلك منهما مصير إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه. والخلاف في ذلك متجه نحواتجاه الخلاف المعروف في الاكتفاء بواحد في التعديل على ما قدمناه. والله أعلم.


[ ص: 577 ] 87 - قوله: (قد خرج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد، منهم مرداس الأسلمي لم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم، وكذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد، منهم ربيعة بن كعب الأسلمي لم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن.

وذلك منهما مصير [ ص: 578 ] إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه) إلى آخر كلامه.

وفيه أمور:

أحدها: أنه قد اعترض عليه النووي بأن مرداسا وربيعة صحابيان، والصحابة كلهم عدول.

قلت لا شك أن الصحابة الذين ثبتت صحبتهم كلهم عدول، ولكن الشأن في أنه هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه أم لا تثبت إلا برواية اثنين عنه؟

هذا محل نظر واختلاف بين أهل العلم، والحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات، أو فيمن وفد من الصحابة، ونحو ذلك - فإنه تثبت صحبته وإن لم يرو عنه إلا راو واحد.

وإذا عرف ذلك فإن مرداسا من أهل الشجرة، وربيعة من أهل الصفة، فلا يضرهما انفراد راو واحد عن كل منهما على تقدير صحة ذلك.

وقد ذكر المصنف في النوع السابع والأربعين، عن ابن عبد البر أنه قال: "كل من لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو عندهم مجهول، إلا أن يكون مشهورا في غير حمل العلم، كاشتهار مالك بن دينار بالزهد، وعمرو بن معدي [ ص: 579 ] كرب بالنجدة، فشهرة هذين بالصحبة عند أهل الحديث آكد في الثقة بكونهما صحابيين من اشتهار مالك وعمرو" والله أعلم.

الأمر الثاني: أن النووي تابع المصنف في مختصريه، وفي شرح مسلم أيضا على تفرد أبي سلمة عن ربيعة، وتفرد قيس عن مرداس، وتبع المصنف في ذلك أبا عبد الله الحاكم؛ فإنه كذلك قال في علوم الحديث، وتبع الحاكم في ذلك مسلم بن الحجاج؛ فإنه كذا قال في كتاب (الوحدان) له.

وليس ذلك بجيد بالنسبة إلى ربيعة؛ فقد روى عنه أيضا نعيم بن عبد الله المجمر، وحنظلة بن علي، وأبو عمران [ ص: 580 ] الجوني، وذكر الحافظ أبو الحجاج المزي أنه روى عنه أيضا محمد بن عمرو بن عطاء، وليس ذلك بصحيح، إنما روى محمد بن عمرو عن نعيم المجمر عنه، كذا رواه أحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير، اللهم إلا أن يكون محمد بن عمرو قد أرسل عنه وأسقط نعيما. والله أعلم.

وأما مرداس فقد ذكر الحافظ أبو الحجاج المزي في التهذيب أنه روى عنه أيضا زياد بن علاقة، وتبعه عليه الذهبي في مختصره، وهو وهم منهما، من [ ص: 581 ] حيث إن الذي روى عنه زياد بن علاقة إنما هو مرداس بن عروة، صحابي آخر، والذي روى عنه قيس مرداس بن مالك الأسلمي، وهذا ما لا أعلم فيه خلافا.

وممن ذكره كذلك البخاري في التاريخ الكبير، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وابن حبان في الصحابة، وأبو عبد الله بن منده في معرفة الصحابة، والطبراني في المعجم الكبير، وأبو عمر ابن عبد البر في الاستيعاب، وابن قانع في معجم الصحابة، وغيرهم.

وإنما نبهت على ذلك، وإن كان ما ذكره ابن الصلاح بالنسبة إلى مرداس صحيحا؛ لئلا يغتر من يقف على كلام المزي بذلك؛ لجلالته.

الأمر الثالث: إذا مشينا على ما ذكره النووي أن هذا لا يؤثر في الصحابة، فينبغي أن يمثل بمن خرج له البخاري ومسلم من غير الصحابة، ولم يرو عنه إلا راو واحد، وقد جمعتهم في جزء مفرد.

[ ص: 582 ] فمنهم عند البخاري جويرية بن قدامة، تفرد عنه أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي.

وكذلك زياد بن رباح المدني، تفرد عنه مالك.

وكذلك الوليد بن عبد الرحمن الجارودي، تفرد عنه ابنه المنذر بن الوليد.

[ ص: 583 ] ومن ذلك عند مسلم: جابر بن إسماعيل الحضرمي، تفرد عنه عبد الله بن وهب.

وكذلك خباب صاحب المقصورة، تفرد عنه عامر بن سعد. والله أعلم.

وسيأتي لذلك مزيد بيان - حيث ذكره المصنف في النوع السابع والأربعين - إن شاء الله تعالى.

التالي السابق


الخدمات العلمية