صفحة جزء
ثم إن ناسخ الحديث ومنسوخه ينقسم أقساما :

فمنها : ما يعرف بتصريح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به، كحديث بريدة الذي أخرجه مسلم في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها " في أشباه لذلك .

ومنها ما يعرف بقول الصحابي، كما رواه الترمذي وغيره، عن أبي بن كعب أنه قال: "كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها" وكما خرجه النسائي عن جابر بن عبد الله قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار " في أشباه لذلك .

ومنها : ما عرف بالتاريخ، كحديث شداد بن أوس وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " وحديث ابن عباس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو صائم ".

بين الشافعي أن الثاني ناسخ للأول، من حيث إنه روي في حديث شداد أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - زمان الفتح، فرأى رجلا يحتجم في شهر رمضان، فقال : "أفطر الحاجم والمحجوم ". وروي في حديث ابن عباس "أنه - صلى الله عليه وسلم - احتجم وهو محرم صائم " فبان بذلك : أن الأول كان زمن الفتح في سنة ثمان، والثاني في حجة الوداع في سنة عشر.


[ ص: 830 ] 135 - قوله: (ومنها ما يعرف بقول الصحابي، كما رواه الترمذي [ ص: 831 ] وغيره، عن أبي بن كعب أنه قال: "كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهي عنها" وكما خرجه النسائي عن جابر بن عبد الله قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار " في أشباه لذلك ) انتهى.

[ ص: 832 ] أطلق المصنف أن النسخ يعرف بقول الصحابي، لكن هل يكتفى بقوله: "هذا ناسخ" أو: "هذا منسوخ" أو لا بد من التصريح بأن هذا متأخر عن هذا؟

فالذي ذكره الأصوليون كصاحب المحصول والآمدي وابن الحاجب أنه لا بد من إخباره بأن أحدهما متأخر، ولا يكتفى بقوله: "هذا ناسخ" لاحتمال أن يقوله عن اجتهاد، ونحن لا نرى ما يراه.

[ ص: 833 ] وحكى صاحب (المحصول) عن الكرخي أنه يكفي إخباره بالنسخ؛ إذ لولا ظهور النسخ فيه لم يطلقه. وما ذهب إليه الكرخي هو الظاهر، وفي عبارة الشافعي ما يقتضي الاكتفاء بذلك؛ فإنه قال: "ولا يستدل على الناسخ والمنسوخ إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بوقت يدل على أن أحدهما بعد الآخر، أو بقول من سمع الحديث أو العامة" هكذا رواه البيهقي في (المدخل) بإسناده إلى الشافعي رضي الله عنه.

فقوله: "أو بقول من سمع الحديث" أراد به قول الصحابي مطلقا لا قوله: "هذا متأخر" فقط؛ لأن هذه الصورة قد دخلت في قوله: "أو بوقت" يدل على أن أحدهما بعد الآخر. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية